الاتصالات السرّية بين الصهيونية والنازية (3)
كلاوس بولكين كلاوس بولكين

الاتصالات السرّية بين الصهيونية والنازية (3)

أدّت مفاوضات الصهاينة مع النازيين عام 1933 إلى اتفاقية (هافارا) لهجرة اليهود ورؤوس الأموال من ألمانيا إلى فلسطين. وظلّ هتلر شخصياً الضامن الأساسي للاتفاقية التي لم تتوقّف سوى مع اندلاع الحرب العالمية الثانية.

تعريب وإعداد: د. أسامة دليقان

تقدّمت شركة (هانوتيا) الصهيونية لزراعة الحمضيات في فلسطين بطلبٍ إلى وزارة اقتصاد الرايخ في أيار 1933 للسماح بنقل رؤوس أموال من ألمانيا، وبالتالي تمهيد الطريق أمام اتفاقية (هافارا). وممن لعبوا دوراً بالتوصل لها كلٌّ من هوفين، المدير العام للبنك (البريطاني-الفلسطيني) في فلسطين، وخاييم آرلوزوروف رئيس القسم السياسي في الوكالة اليهودية، كما وافق عليها رسمياً المؤتمر الصهيوني العالَمي. وأبرمت الاتفاقية (بشكلِ رسالةٍ خطابية موجَّهة إلى السيد هوفين من قبل وزارة اقتصاد الرايخ، وجرت المفاوضات بسلاسة).
كانت (هانوتيا) تشتري بضائع ألمانيّة وتدفع مقابلها من حسابات المهاجرين اليهود في البنك الألماني، على أنْ يتلقّى المهاجرون اليهود بعد مغادرتهم ألمانيا قيمةً مكافِئة من المدفوعات بشكلِ عقارات.
وجرى التعاون الاقتصادي بين النازية والصهيونية في وقتٍ كانت فيه القوى المناهضة للفاشية تقود حملة مقاطعة ضدّ ألمانيا النازية. وكتبَ القيادي في الحركة الصهيونية ناحوم غولدمان أنّ (الشركات اليهودية كانت عميلةً تجارية للمشروعات الألمانية)، وأنّ (المنظّمات اليهودية، وتحديداً في الولايات المتحدة الأمريكية) اتخذت موقفاً ضد مقاطعة ألمانيا النازية.

ملخّص اتفاقية (هافارا)

بموجب الاتفاقية تمّ تأسيسُ شركتين؛ (هافارا) في تلّ أبيب، وشركة شقيقة لها في برلين سمّيت (بالترو). الإجراءات التنفيذية كما يلي: يدفع المهاجر اليهودي نقوده (ألف جنيه إسترليني كحدٍّ أدنى) إلى الحساب الألماني في (هافارا)، أو بنك هاسرمان في برلين، أو بنك فاربورغ في هامبورغ. وبهذه النقود يشتري المستوردون اليهود بضائع ألمانيّة لتصديرها إلى فلسطين، بينما يدفعون قيمة مكافئة بالعملة الفلسطينية إلى حساب هافارا في البنك البريطاني-الفلسطيني في فلسطين. وعندما يصل المهاجر اليهودي إلى فلسطين يتلقّى من هذا الحساب قيمةً مكافئةً لما دفعه في ألمانيا مع تسهيلات وإعفاءات ضريبية.

نتائج الاتفاقية

وسَّعت اتفاقية (هافارا) حركة الهجرة اليهودية من ألمانيا إلى فلسطين وعزّزت موقف الصهاينة فيها. بالمقابل أفشلت (هافارا) المقاطعةَ الاقتصادية ضدّ الدولة النازية، وضمنتْ للاقتصاد النازي سوقاً واسعة للتصدير بلا انقطاع في ظرفٍ كانت فيه التجارة العالمية ما تزال تعاني من آثار الأزمة الاقتصادية العالمية لعام 1929. تمّ التشديد على هذه النقطة في مُذكَّرة لستوكهارت، وزير داخلية الدولة النازية، بتاريخ 17 كانون الأول 1937، فكتب أنّ (الفضل الأساسي لاتفاقية هافار يتمثّل بما يلي: أدّى نفوذ مجموعة هافارا في فلسطين إلى ظرفٍ غير عاديّ ولكنّه محبَّذ؛ فمن بين جميع الأماكن كانت فلسطين البلد الوحيد الذي لم تتعرض فيه البضائع الألمانية للمقاطعة من الجانب اليهودي).
ونجمت عن الاتفاقية انتقائيةٌ طبقيّة؛ فمطالبتها كلَّ مهاجر بدفع ألف جنيه كحدّ أدنى، جعل البرجوازية اليهودية أكثر انتفاعاً منها مقارنةً بالعمّال اليهود. ولذلك كان تقييم كورت باتزولد دقيقاً تماماً عندما كتب: (إنّ المال لا رائحة له. والإجراءات التي تعهّدها المتعاقدون اليهود كانت تسعى لغاية وحيدة هي إخراج رأسمالٍ من ألمانيا الفاشية إلى فلسطين، مما أدّى لتمركزه بشكلٍ عالٍ. ويقال بأنّ رأس المال الذي جُلِبَ إلى الشرق الأدنى وُضِع في خدمة «اليهود»، ولكن الحقيقة أنّه خدم في فلسطين ما كان يخدمه في ألمانيا سابقاً، أي المصالح الربحية لمالكيه).
وتتحدث المصادر الصهيونية عن نقل 139.6 مليون رايخمارك من ألمانيا إلى فلسطين، وهو مبلغ هائل بمقاييس ذلك الزمان. ويتحدث مصدرٌ آخر عن 8 ملايين جنيهٍ إسترليني.

هتلر والهجرة إلى فلسطين

بعد اندلاع الثورة العربية الفلسطينية عام 1936، ظهر خلاف داخل المؤسسات النازية بشأن تقييم فائدة مواصلة الهجرة اليهودية ونقل رؤوس الأموال وفق اتفاقية (هافارا)، بسبب قلقهم من تحوّل موقف العرب ضدّ ألمانيا.
كتب دوهلي، القنصل العام الألماني في القدس، في مذكّرة مطوَّلة بتاريخ 22 آذار 1937: (من خلال دعمنا للهجرة اليهودية، سيخسر الألمان المواقع التي اكتسبوها). كذلك اتخذ مكتب التجارة الخارجية النازي موقفاً مشابهاً.
ولكنَّ هذا التيار تناقضَ مع آراء جهازَي الـ SS والغستابو. وعُرِضَ الموضوع في النهاية على هتلر. لكن هتلر قرّر في مذكّرة بتاريخ 27 كانون الثاني 1938 الاستمرار بالاتفاقية وظلّ مصرّاً على موقفه حتى بعد مذكرة للتجارة الخارجية النازية بتاريخ 12 تشرين الثاني 1938 طالبت (بضرورة المبادرة لإلغاء اتفاقية هافارا التي تأخّر إلغاؤها كثيراً).
وبحسب ما ورد في كتابٍ عن الهجرة اليهودية إلى فلسطين، من تأليف الأَخَوين جون وديفيد كيمشه (لندن 1954) كان لدى هتلر (إصرار لا لُبسَ فيه على تعزيز الهجرة الجماعية إلى فلسطين)، وأنه اتخذ قراراً (بدفع الهجرة اليهودية قدماً بكلّ وسيلة ممكنة، وممّا لا يرقى إليه شكّ أنّ رأي الفوهرر بشأن هذه الهجرة هو أنها يجب أن تجد طريقها إلى فلسطين بالمقام الأوّل).

الاتصالات السرّية بين الصهيونية والنازية (1)

الاتصالات السرّية بين الصهيونية والنازية (2)

معلومات إضافية

العدد رقم:
1160
آخر تعديل على الأربعاء, 14 شباط/فبراير 2024 13:38