الاتصالات السرّية بين الصهيونية والنازية (2)
نتابع تسليط الضوء على أبرز ما ورد في دراسة (الاتصالات السرّية بين الصهيونية وألمانيا النازية بين 1933 و1941) التي نشرها كلاوس بولكين عام 1976. ويتناول هذا الجزء الدعم السياسي والدعائي المتبادَل بين هاتين الفاشيَّتَين. وإذا كان للشيوعيّين شرف القيادة والنصر بمعركة القضاء على إحداهما في (الحرب الوطنية العظمى)، فإنّ القضاء على الفاشية الصهيونية، التي ما تزال توغل بدماء شعوبنا، يقترب بفضل مقاومة الشعب الفلسطيني البطل مع مقاومات شعوب المنطقة والتضامن الشعبي الأممي للقوى المناهضة للإمبريالية والصهيونية.
تعريب وإعداد: د. أسامة دليقان
في سياسته المُعلَنة، اعتبر (الاتحاد المركزي للمؤمنين اليهود الألمان)، المعروف اختصاراً بـ CV، أنّ الحركة الصهيونية سدّدت له وللنضال ضد الفاشية (طعنة في الظهر). بينما رأت الصهيونية مصلحةً كبيرة لها في صعود هتلر كقائدٍ نازيّ (معادٍ للسامية)، معتبرةً أنه هو فقط مَن يستطيع أنْ يدفع باليهود الألمان المعادين للصهيونية نحو الارتماء في أحضان هذه الأخيرة.
مصائبُ «قَومهم» عندهم فوائدُ
من الأدلّة على تورّط الصهيونية في هذا الموقف الدّاعم عملياً لصعود النازية، تصريحٌ لرئيس تحرير صحيفة يوديشه روندشاو (الإحاطة اليهودية) الناطقة بالألمانية، في 8 كانون الثاني 1933، أيْ بعد ثلاثة أسابيع فقط من وصول هتلر إلى السلطة، خلال لقاءٍ مع مجلس الاتحاد الصهيوني لألمانيا ZVFD، حيث قال: (إننا أمام فرصة، ليس لإيجاد أساس مشترك للتفاهم مع النازية بل للنقاش معها).
تمت دعوة هتلر في 30 كانون الأول 1933 ليصبح على رأس الحكومة. وكان برنامج الحزب النازي (في بنده الثامن) ينصّ على أن يطرد من ألمانيا جميع اليهود الذين دخلوها كمهاجرين منذ الثاني من آب 1914، وتجريد اليهود من المواطنة الألمانية (البند الخامس)، وطردهم من المناصب الرسمية (البند السادس). الصهاينة فقط هم مَن نظروا إلى ذلك بعين الاستفادة، كما يؤكّد المؤرّخ البريطاني كريستوفر كرايس - الذي تكتسب شهادته أهمّية إضافية لأنه لم يكن معادياً للصهيونية - حيث قال: (أصرّ القادة الصهاينة منذ بداية الكارثة النازية على جني المكاسب السياسية من هذه المأساة).
وكأوّل تعبيرٍ عامٍّ عن هذا الموقف، وصف حاخام برلين، يواخيم برينز، وهو صهيونيّ ملتزم، سيطرةَ هتلر على السلطة بأنّها (بداية عودة اليهودي إلى يهوديته). وكَتب برينز: (لم يعد ثمّة مكانٌ للاختباء أكثر من ذلك، فبدلاً من الاندماج، نأمل بالاعتراف بالأمة اليهودية والعِرق اليهودي). بدورها كتبتْ (الإحاطة اليهودية)، اللسان الرسمي للمنظمة الصهيونية الألمانية ZVFD في 13 حزيران 1933: (تعترف الصهيونية بوجود المسألة اليهودية، وتريد حلّها بأسلوبٍ كريمٍ وبنّاء، ولهذا تريد تجنيد العَون من كلّ الناس؛ سواء أصدقاء اليهود أو المعادين لهم). وهكذا تبنّت الصهيونية الخطَّ السياسيّ الفاشيّ نفسَه.
الرفض الصهيوني لمقاطعة النّازية
بعد ترديد الحركة الصهيونية جهاراً للموضوعات الفاشية، قدّمت اعترافاً صريحاً بالدولة النازية وأيّدت عنصريّتها: (على تراب الدولة الجديدة التي تنتهج مبدأ العِرق، نريد تنظيم بنية جاليتنا بأكملها بطريقة تكون بالنسبة لنا أيضاً مثمرةً لتطبيق مبدأ الأرض الأمّ على المساحة التي خُصِّصَت لنا).
وبينما دعت القوى المناهضة للفاشيةلمأ في ربيع العام 1933 إلى مقاطعة اقتصادية ضدّ ألمانيا النازية، شجب الصهاينة هذا النضال. وصرّحت الحركة الصهيونية بأنّ (بروباغاندا المقاطعة التي يقومون بها ضدّ ألمانيا هي بطبيعتها بالذات غير صهيونية، لأنّ الصهيونية لا تريد أن تقاتِل، بل أنْ تُقنِع وتبني).
ورغم المذابح وحملات القمع التي بدأ اليهود (وغير اليهود من معارضي النظام النازي) يتعرضون لها منذ ربيع العام 1933، فإنّ المؤتمر الصهيوني الثامن عشر المنعقد في صيف 1933 قابل هذه الأحداث بفتور. فخلال جلسته في 24 آب 1933 كان يُفترَض أن تُناقَش مواقف اليهود الألمان، ولكنّ رئاسة المؤتمر سارعت إلى حظر هذا النقاش، كما ونجحت بقوّة في حظر تبنّي مقاطعة البضائع الألمانية وشدّدت بشكلٍ كبير بدلاً من ذلك على الحاجة إلى تنظيم هجرة اليهود الألمان، وضغطت لتقليص المظاهرات المعارِضة لنظام هتلر إلى أدنى حدّ.
الدّعم النازي للسياسة الصهيونية
من الأدلة أيضاً على التخادم المتبادل بين هاتَين الحركتين الفاشيّتَين، أنّ الرتب العليا في الحزب النازي سمحت بكلّ أنواع النشاط السياسي للصهاينة. وكما لاحظت الشرطة السياسية في بافاريا في 9 تموز 1935: (كانت المنظمات الصهيونية تقوم لبعض الوقت بجمع التبرّعات من أعضائها ومؤيّديها لتعزيز الهجرة وشراء الأراضي ودعم الاستيطان في فلسطين. هذه التبرّعات لا تتطلّب إذناً حكومياً لأنها تتمّ في دوائر يهودية مغلقة. إضافة لذلك، لا يعارض الدَّورُ الذي تلعبه شرطة الدولة هنا تنظيمَ هذه الاجتماعات، لأنها تتعامل مع صناديق تمويل تهدف لتعزيز الحلّ العَملي للمسألة اليهودية).
وبعد العام 1933 سمح النازيّون للصهاينة بمواصلة دعايتهم إلى جانب الدعاية النازية، بينما حظروا في الوقت نفسه جميعَ الصحف الأخرى في ألمانيا، ووضعوها تحت الرقابة المباشرة لوزارة الدعاية، مثل صحف الشيوعيين والحزب الديمقراطي الاشتراكي، والاتحادات النقابية والمنظمات التقدمية الأخرى التي حُظِرَتْ جميعها. أما صحيفة الصهاينة الرئيسيّة يوديشه روندشاو (الإحاطة اليهودية) فقد سُمِحَ بصدورها دون أيّ عوائق.
في وقتٍ لاحق عقَّبَ فين فريد مارتيني، الذي كان مراسل (الصحيفة الألمانية العامة) في القدس، والذي قال إنه تربطه علاقات شخصية بالصهيونية، على ما وصفه بالواقعة التي تشكّل مفارقةً عجيبة: (من بين جميع الصحف، كانت الصحافة اليهودية [ويقصد الصهيونية] هي التي احتفظت ولسنوات بدرجةٍ ما من الحرّية التي حُرِمَت منها بالكامل بالمقابل الصحافةُ غير اليهودية). وأضاف مارتيني بأنّ (الإحاطة اليهودية) كانت قد أوردت غير مرّة آراءً تنتقد النازيّين دون أن يؤدّي ذلك إلى حظرها. وأقصى ما اتُّخِذَ من إجراءاتٍ بشأنها بعد العام 1933 كان حظر بيعها لغير اليهود. فطبقاً لرغبة النازيّين كان على اليهود أنْ يَتصَهيَنوا حتى ولو تمّ ذلك تحت ذرائع مناهضة الفاشية، ممّا أعطى الصحافة الصهيونية زخماً سريعاً ومتصاعداً، بحسب شهادة مارتيني.
يمكننا فهم كيف أمكن للصحيفة الصهيونية الاحتفال بنفسها بأنها من (المطبوعات الجيّدة) بالنسبة للقادة النازيّين، عندما ننظر إلى موقفها تُجاهَ حملة مقاطعة معظم اليهود للنظام النّازي في 1 نيسان 1933، حيث إنها لم تشجب أبداً جرائم النازية ضدّ هذه الشريحة من مواطني ألمانيا، بل رأت في المذبحة ضدّ اليهود إثباتاً للدعاية الصهيونية بأنّه (تم التخلّص من الخطأ القاتل للعديد من اليهود الذين اعتقدوا بإمكانية تمثيل المصالح اليهودية تحت عباءةٍ أخرى). بل واحتفَتْ بالمذبحة: (كان الأول من نيسان 1933 يوماً ليقظة اليهود ونهضتهم).
كانت حرّية نشاط الصهاينة تتضمن أيضاً نشرَ الكُتب، فحتى العام 1938 قامت كثيرٌ من دور النشر بما فيها دور النشر اليهودية في برلين (شارلوتنبرغ وشوخنفيرلاغ) بنشر المطبوعات الصهيونية دون أيّ معوّقات. وهكذا ظهرت وبشكلٍ (قانوني) تماماً في ألمانيا النازية، أعمال حاييم وايزمان وديفيد بن غورين وآرثر روبن».
لقراءة الجزء الاول من هذا المقال، اضغط هنا
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1159