لينين ضد تروتسكي ومارتوف (عن التنظيم الحزبي)

لينين ضد تروتسكي ومارتوف (عن التنظيم الحزبي)

«أساء الرفيق تروتسكي تماماً تفسير الفكرة الرئيسة من كتابي (ما العمل؟) عندما يتكلّم أنّ الحزب يجب ألّا يكون تنظيماً تآمريّاً... لقد نسي أنّني في كتابي اقترحتُ عدداً من الأنماط المختلفة من التنظيمات، من أشدّها سرّيةً وحصريةً إلى أوسعها وأكثرها (رخاوة) بالمقابل. كما نسي أنّ الحزب عليه أن يكون الطليعةَ فقط، القائدَ للجماهير الغفيرة من الطبقة العاملة، والتي تعمل بأكملها أو بأكملها تقريباً (تحت التحكّم والتوجيه) من قِبلَ منظّمات الحزب، ولكن مع كون هذه الجماهير لا تنتمي إلى حزب، ولا ينبغي لها أنْ تنتمي بأكملها إلى حزب» – لينين 1903.

جاءت الفقرة أعلاه ضمن إحدى خطابات فلاديمير لينين أمام المؤتمر الثاني لحزب العمال الاشتراكي الديمقراطي الروسي (آب 1903). وفيما يلي مقتطفات منه، مترجمة من الطبعة الإنكليزية لكتاب «ضدّ التروتسكية» الصادر عن معهد الماركسية اللينينية التابع للجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفييتي، من منشورات دار التقدم (عام 1972، ص8–10، و226–227).

من خطاب لينين

ولننتقل إلى الموضوع الأساسي، يجب عليّ أنْ أقول إنّ الرفيق تروتسكي قد أساء كلّياً فهم فكرة الرفيق بليخانوف الجوهرية، ولذلك تملَّصَ في حُجَجِه من لبّ المسألة. لقد تحدّث عن المثقّفين والعمّال، من وجهة النظر الطبقية وعن الحركة الشعبية، ولكنه أخفق في ملاحظته للمسألة الأساسية؛ هل صيغتِي أنا تُضيّقُ أم توسِّعُ مفهوم العضو في الحزب؟ لو سأل نفسَه ذلك السؤال، لتمكّن بسهولة من فهم أنّ صيغتي تضيِّقُ هذا المفهوم، في حين توسِّعُهُ صيغةُ مارتوف، فما يميّز مفهومَه (إذا استخدمنا التعبير الصحيح لمارتوف نفسه) إنما هو «المرونة» التي يتّسم بها.

وفي الفترة من حياة الحزب التي نمرّ بها الآن، تكون هذه «المرونة» بالضبط هي ما يفتح الباب بلا شكّ أمام جميع عناصر التشويش والتذبذب والانتهازية. ولدَحضِ هذه النتيجة الواضحة ينبغي إثبات أنّه لا وجود لعناصر كهذه. ولكن لم يقم الرفيق تروتسكي حتّى بفعل ذلك. فهذا الأمر لا يمكن إثباته لأنّ الجميع يعرفون أنّ عناصر كهذه موجودة وبكثرة، وأنه يمكن العثور عليها في الطبقة العاملة أيضاً. إنّ الحاجة إلى حماية متانة خطّ الحزب ونقاوة مبادئه، قد أصبحت الآن ملحّةً بشكلٍ خاصّ. حيث إنّ الحزب ومع استعادته لوحدته، سوف يجنّد في صفوفه الكثير جداً من العناصر غير المستقرّة، والذين سيزداد عددهم مع نموّ الحزب...

والآن دعونا نرى ما هي النتائج التي يتوصّل إليها الرفيق تروتسكي بسبب خطئه الجوهريّ. لقد أخبَرَنا هنا بأنه إذا تعرّضَ العمّال للاعتقال صفّاً تلو الآخر، وأنّه إذا أعلن العمّال بأنهم لا ينتمون إلى الحزب، فإنّ الحزب سيكون حزباً غريباً في الحقيقة! أليس الأحرى أنّ العكسَ هو الصحيح؟ أوليست حجّةُ الرفيق تروتسكي هي الغريبة؟ إنّ الأمر الذي يَعتبرُه الرفيق تروتسكي محزناً هو ما لا يمكن سوى أنْ يبتهج له أيّ ثوريٍّ لديه أدنى خبرة على الإطلاق. فإذا اعتُقِلَ مئاتٌ وآلافٌ من العمّال لمشاركتهم في الإضرابات والمظاهرات ولم يَثبُتْ أنهم أعضاء في المنظّمات الحزبية، فهذا لا يظهر سوى أنّنا نمتلك منظّماتٍ جيّدة، وأننا ننفّذ مهمّة الحفاظ على دائرة محدودة، إلى هذا الحدّ أو ذاك، من القادة السرّيّين واجتذاب الجماهير العريضة بأوسع ما يمكن إلى الحركة.

إنّ جذر الخطأ الذي يرتكبه هؤلاء المدافعون عن صيغة مارتوف، هو أنهم لا يتجاهلون فقط الشرور الرئيسيّة في حياتنا الحزبية، بل ويباركونها. ومَكمن الشرّ هو أنّه، وفي خضمّ الحالة التي يكون فيها انعدام الرّضا السياسيّ شاملاً، وعندما تتطلّب الظروفُ تنفيذَ عملنا بسرّيةٍ تامّة، وعندما تكون معظم نشاطاتنا مضطرّةً إلى الاقتصار على دوائر محدودة وسرّية وحتّى على اجتماعاتٍ سرّية، فإنّه من الصعب جداً، أو شبه المستحيل في الواقع، أنْ نميّز أولئك الذين يتحدّثون فقط، عن أولئك الذي يتجشّمون عناء العمل...

إننا نعاني من هذا الشرّ ليس في أوساط الإنتلجنتسيا [المثقّفين] فقط، بل وكذلك في أوساط الطبقة العاملة، وإنّ صيغة الرفيق مارتوف تُشَرعِنُ هذا الشرّ، فهي تميل بالضرورة إلى جعل أيِّ أحد، والجميع، في عداد أعضاء الحزب. وحتى الرفيق مارتوف نفسه اضطرّ للاعتراف بهذا، ولو بتحفّظ: «نعم، إذا أحببت»، هو قال ذلك. ولكنّ هذا بالضبط هو ما لا نحبّه قطّ! ولهذا بالضبط نبدي هذه الصلابة في معارضتنا لصيغة مارتوف. إنّ عَشَرةً ممّن لا يسمّون أنفسهم أعضاءً في الحزب ولكن يعملون، خيرٌ من شخصٍ يسمّي نفسه عضواً في الحزب ولا يعمل (العمّال الحقيقيون لا يلهثون وراء الألقاب!). إنّ هذا يبدو لي مبدأً لا يُدحَض، ويجبرني على النضال ضدّ مارتوف.

ملاحظات الناشر الروسي

ألقى لينين ملاحظاته هذه خلال المؤتمر الثاني لحزب العمال الاشتراكي الديمقراطي الروسي (تموز وآب 1903)، حيث انعقدت 13 جلسة في بروكسل ثم استُكملت البقية في لندن (بسبب قمع البوليس).

وتم التحضير للمؤتمر من مجموعة الإسكرا (الشرارة) التي تزعّمها لينين للتعبئة على أساس المبادئ الماركسية الثورية. وجاء المؤتمر في لحظة انعطافيّة في التاريخ العالمي عندما بدأت الإمبريالية تحلّ مكان الرأسمالية ما قبل الاحتكارية، فأرسى المؤتمر أسس حزبٍ من نمط جديد. وقام محرّرو الإسكرا بصياغة مشروع برنامج للحزب وتقديمه للمؤتمر (ونشر في العدد 21 من الإسكرا، 1 حزيران 1902). وكتب لينين بعض وثائق المؤتمر: مشروع النظام الداخلي للحزب ومشروعات لعدة قرارات، وملخّص تقرير عن نشاطات الإسكرا. وضم المؤتمر أيضاً أخصام اللينينية وعناصر متذبذبة. ووقف لينين وأنصاره بحزم ضدّ الانتهازيّين الذين كان تروتسكي أحدهم؛ حيث هاجموا المشروع اللينينيّ، ولا سيّما الموضوعة المتعلّقة بالدور القيادي للحزب في حركة الطبقة العاملة، والنقطة المتعلقة بالحاجة لتأسيس ديكتاتورية للبروليتارية، والقسم الزراعي من البرنامج.

النضال ضدّ تأثيرات «الاشتراكية-الديمقراطية» الغربية

سار الانتهازيون على أثر أحزاب الاشتراكية الديمقراطية الأوروبية الغربية، التي لم تنبس ببنت شفة حيال ديكتاتوريّة البروليتارية، فهاجموا هذه الموضوعة بأشكال مباشرة وغير مباشرة. فقدّم تروتسكي تأويلاً انتهازيّاً لديكتاتورية البروليتارية، مصرّاً على عدم التمييز تقريباً بين الحزب والطبقة العاملة وأنه يجب تحويل البروليتاريا إلى أغلبية في الأمّة. وأخفق الإصلاحيّون، وتروتسكي من بينهم، في فهم أنّ فكرة لينين عن ديكتاتورية البروليتاريا كانت تدعو إلى الظفر بالسلطة من قبل الطبقة العاملة بدعمٍ من الفلاحين الكادحين، الذين كانوا يشكّلون أغلبية الأمة. ورفض المؤتمر جميع محاولات الانتهازيين تعديل مشروع برنامج الإسكرا بروح برامج أحزاب الاشتراكية الديمقراطية الغربية. وتبنّى المؤتمر برنامج الحزب بالإجماع (مع امتناع واحد عن التصويت) والذي صاغ كلّا من المهمّات المباشرة للبروليتاريا في الثورة الديمقراطية البرجوازية المرتقبة (برنامج الحدّ الأدنى)، إضافة إلى المهمّات المحسوبة لتحقيق انتصار الثورة الاشتراكية وتأسيس ديكتاتورية البروليتاريا (برنامج الحدّ الأقصى).

لينين ضدّ مارتوف وتروتسكي

في نقاش النظام الداخلي، ضغط لينين وأنصاره لتأسيس حزب ثوري مناضل للطبقة العاملة وأصرّوا على تعسير وصول العناصر غير المستقرة والمتذبذبة إلى عضوية الحزب، فاشترطت صيغة الفقرة اللينينيّة لعضوية الحزب ليس فقط الموافقة على البرنامج والدعم المالي، بل وكذلك انضمام الشخص إلى إحدى منظّمات الحزب. وقاتل لينين وأنصاره من أجل حزب بروليتاريّ مناضِل، مركزيّ وموحَّدٍ كالجُلمود.

أمّا الانتهازيون، وتروتسكي من بينهم، فأرادوا حزباً برجوازياً صغيراً رخواً وضعيف التنظيم، فتقدّم مارتوف بصيغته للفقرة الأولى، مقترِحاً لشروط عضوية الحزب، إضافة إلى الموافقة على البرنامج والدعم المالي، الاكتفاء بتقديم مساعدة شخصية منتظمة للحزب تحت قيادة إحدى منظّماته [لا الانضمام الفعلي لمنظَّمة]. وفتحت صيغة مارتوف باب الحزب لجميع العناصر المتذبذبة، ولاقت دعماً من المناهضين للإسكرا ومن الإسكريّين المتذبذبين وتمّ تمريرها في المؤتمر بأغلبية بسيطة. وشهد المؤتمر انشقاقاً بين الإسكريين الجذريّين (اللينينييّن) الذين نالوا أغلبية الأصوات (البلاشفة)، وبين الإسكريّين «الناعمين» (مارتوف وأتباعه) الذين نالوا أقلية الأصوات (المناشفة).

كتب لينين: «بوصفها تياراً للفكر السياسي والحزب السياسي، وُلدَت البلشفية منذ العام 1903». وأصبحت البلشفية نموذجاً للماركسية الثورية لجميع البلدان وشكّلت نقطة انعطاف في تاريخ حركة الطبقة العاملة الأممية.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1136