ثورة الاندماج النووي السلمي: هل تطلقها الصين عام 2028؟

ثورة الاندماج النووي السلمي: هل تطلقها الصين عام 2028؟

في 9 أيلول/سبتمبر 2022، أعلن البروفيسور بينغ شيانجو، من الأكاديمية الصينية للفيزياء الهندسية، وهو كبير مطوّري السلاح النووي الصيني، أنّ الحكومة الصينية وافقت على بناء أكبر محطة تجريبية للطاقة الاندماجية النووية في العالَم في مدينة تشنغدو بمقاطعة سيتشوان، وصرّح بأنّ «الاشتعال الاندماجي هو جوهرة التاج للعلوم والتكنولوجيا في عالم اليوم» وبأنّ أوّل من يحقق إطلاق طاقة الاندماج على مستوى اقتصاد الطاقة سيضع بذلك أهم معلم في طريق استفادة البشر منها. وأنّ الصين تخطط ذلك بحلول 2028. وقد تغدو عملية تماماً في 2035، فما هي هذه الطاقة؟ وبماذا تختلف عن مفاعلات «الطاقة النووية» المستخدمة حتى الآن؟ ولماذا قد تكون ثورية أكثر منها؟

لعلّ أشهر ما سمع أغلب الناس عنه بشأن «الاندماج النووي» هو أنه تكنولوجيا حربية ومبدأ عمل الجيل الثاني من القنابل النووية أو ما يسمى «القنبلة الهيدروجينية» بعد الجيل الأول (القنبلة الذرية الانشطارية).

لمحة تاريخية

بعد العام 1930، اكتشف عدد من العلماء، ولا سيّما هانس بيثه، بأنّ اندماج نوى الذرات أمرٌ ممكن، وتم افتراض الاندماج النووي بأنه مصدر الطاقة في الشمس. وبدءاً مما بعد 1940 أخذ الباحثون يسعون إلى إيجاد طرق لإجراء تفاعلات اندماج نووي والسيطرة عليها. منذ البداية كانت المهمة صعبة، لأنّ تفاعلات الاندماج تتطلب حرارة من رتبة مئات ملايين الدرجات، وهي حارّة جداً بحيث لم يكن ممكناً احتواؤها في أيّة حجرة صلبة دون أن تنصهر. وبدلاً من ذلك سعى الفيزيائيون إلى احتواء هذه الحالة الحارّة جداً من المادة (والتي تسمّى البلازما الحارّة) بواسطة حقول مغناطيسية. فاستخدموا مثلاً ما يعرف بـ«تأثير الانقراص» pinch effect والذي يعني جذب تيارات كهربائية بعضها لبعض أثناء مرورها في الاتجاه نفسه عبر الحقول المغناطيسية التي تولّدها هذه التيارات نفسها. وسمّيت هذه الطريقة «الحبس المغناطيسي». أبحاث الاندماج النووي التي أفضت لاختراع وتجربة القنبلة الهيدروجينية (في الولايات المتحدة 1952) ثم الأبحاث العسكرية السوفييتية وغيرها في هذا المجال، بقيت لها أسرارها التقنية العسكرية، حتى اليوم. أمّا الأبحاث على الاندماج النووي السلمي (أو ما يسمّى المتحكَّم به) في الولايات المتحدة وبريطانيا والاتحاد السوفييتي فأخذت منذ أواسط الخمسينات ترفع عنها السرية، ويعتقد بعض الباحثين أنّ ذلك يعود إلى اقتناع الإدارات السياسية والعلماء على حدّ سواء بأنّ الاندماج المتحكّم به لا يحمل خطر التطبيق العسكري ذي التدمير الشامل ولا يستخدم لتطوير الأسلحة النووية الحرارية، ففي القنبلة الهيدروجينية يتم استعمال مرحلة أولى من انشطار نووي لتسخين كمية كبيرة (عشرات أو مئات الكيلوغرامات) من وقود اندماجي لتحرير طاقة الاندماج بشكل انفجار. أما في أبحاث الاندماج السلمي المتحكَّم به، وفيما يفترض أن يكون أيضاً في مولّدات الطاقة الاندماجية المستقبلية، فإنّ كمية ضئيلة جداً من الوقود عالي التسخين تظلّ أقل بكثير من أن تصلح كـشرارة كافية لإشعال كيلوغرامات الوقود التي تتطلّبها أيّة قنبلة أو سلاح نووي، وفي الحقيقة حتى لو لامست البلازما الساخنة القليلة المتحكم بها سلمياً وقود سلاح نووي فلن ينفجر لأنها ستبرد.
ثم وجد العلماء أن مشكلة أساسية تعرقل قدرتهم على التحكم بالاندماج ألا وهي ميل البلازما إلى عدم الاستقرار والهروب من الحبس المغناطيسي. ولذلك بحثوا عن طرق أخرى لحبسها والتحكم بها، فكانت محاولات بعد اختراع الليزر (بعد 1960) لتطبيق «الحبس العَطالي» حيث يستعمل الليزر لتسخين البلازما بشكل مفاجئ وسريع بحيث لا يتاح لها الهروب قبل أن تكون قد احترقت في تفاعل الاندماج.
وكان التطور المهم اللاحق هو عام 1964 عندما توصّل العلماء السوفييت والأمريكيون، بشكل متزامن تقريباً، إلى تطوير «جهاز بؤرة البلازما» والذي بدلاً من محاولة كبح خاصية عدم الاستقرار في البلازما، فإنه استغلها من أجل ضغط الطاقة. ثم اخترع السوفييت الجهاز المعروف باسم «توكاماك» وفي أواسط السبعينيات قررت الإدارات الأمريكية اعتماد أجهزة التوكاماك، فيما يقال بأن ذلك كان محاولة لدعم أبحاث لإيجاد حلول قصيرة الأجل أمام أزمة النفط في أوائل السبعينات.
بكل الأحوال ما زال مشروع طاقة الاندماج النووي السلمي المتحكّم بها، في مرحلة الأبحاث ولم يصل في أيّ مكان إلى النتائج العَملية الاقتصادية المرجوّة.

الإعلان الصيني

العالم بينغ شيانجي Peng Xianjue أخبر تجمعاً استضافه مركز الأبحاث Techxcope ومقره بكين في التاسع من أيلول الماضي، أن بلاده تعتزم إنشاء طاقة اندماج نووي بحلول عام 2028. ولكن ما زال المسار صعباً حتى الآن بسبب درجات الحرارة العالية للغاية والتعقيدات التقنية لاحتواء البلازما في قلب المفاعل.
وذكرت صحيفة EurAsian Times مؤخراً أن فريقاً من الباحثين الكوريين الجنوبيين أعلنوا أنهم نجحوا في الحفاظ على تفاعل اندماج نووي يعمل في درجات حرارة تزيد عن 100 مليون درجة مئوية لأول مرة لمدة 30 ثانية.
وتحرز بكين تقدماً سريعاً في هذا المجال وتكثف مبادراتها لتوليد طاقة نظيفة غير محدودة. ومع ذلك، تحتفظ الدولة حالياً أيضاً بالرقم القياسي لاستخدام «الشمس الاصطناعية» في تفاعل يستمر لأكثر من 17 دقيقة عند درجة حرارة تبلغ 70 مليون درجة مئوية.
وفقًا للمعلومات المتاحة للجمهور، صمم البروفسور شيانجي، البالغ 81 عاماً من العمر، بعض الرؤوس الحربية النووية الصغيرة الأكثر تقدماً في الصين وعمل كمستشار كبير لبرنامج الأسلحة النووية في البلاد.
وستعتمد محطة الطاقة الصينية على آلة Z-pinch، التي تستخدم نبضاً كهربائياً قوياً لمحاكاة تفاعل الاندماج لقنبلة نووية حرارية. من المتوقع أن يتم الانتهاء من الآلة في عام 2025 في مدينة تشنغدو، عاصمة مقاطعة سيتشوان.
ستولد الآلة 50 مليون أمبير من الكهرباء. هذا الرقم هو ما يقرب من ضعف منشأة الطاقة النبضية Z التي حطمت الرقم القياسي في مختبر سانديا الوطني في الولايات المتحدة.
يمكن لهذه المرافق تخزين كميات هائلة من الكهرباء وإطلاقها في نانوثانية. يمكن أن تولد النبضة الكهربائية «ضغطاً وإشعاعاً كافياً لذرتين خفيفتين لتندمجا في ذرة أثقل، فتحرر الطاقة».
ما هي العملية التي تريد الصين توظيفها؟
قال شيانجي إن العلماء الصينيين سيحاولون إشعال تفاعل الاندماج النووي باستخدام كمية متواضعة من نظائر الهيدروجين الديوتيريوم والتريتيوم. ويعتزمون تنظيم الإجراء بدقة للحد من طاقة النبض المنبعثة إلى بضع مئات من الملايين من الجول، أو ما يقارب القوة الناجمة عن تفجير 20 كيلوغراماً من مادة تي إن تي.
وعلى عكس التصميمات السابقة، لن يتم استخدام طاقة الاندماج في المنشأة الصينية لربطها بالشبكة الكهربائية مباشرة، بل لإنشاء جسيمات سريعة ستضرب اليورانيوم، وهو وقود عنصر الانشطار بالمنشأة، وبالتالي الاتجاه التجريبي الصيني حالياً هو هجين من اندماج نووي يغذي انشطاراً نووياً. والفكرة هي ملء جدران غرفة الاشتعال باليورانيوم، والذي سيمتص أية جزيئات متطايرة ناتجة عن الانفجار من الاندماج، ويقسمها إلى عنصرين أخف وزناً، وهي عملية مماثلة لتلك المستخدمة في محطات الطاقة النووية اليوم ولكن وفقاً لتقدير فريق شيانجي، مع تعزيز الناتج الحراري الإجمالي للمنشأة بمقدار 10 إلى 20 ضعفاً. وسيؤدي ذلك إلى تسريع استخدام طاقة الاندماج بشكل كبير وإعدادها لإنتاج طاقة على مستوى صناعي مجدٍ بحلول عام 2035.
ويقول العلماء الصينيون إنهم يستخدمون تقنيات مختلفة عن تلك المستخدمة في الغرب، وأن مناهجهم أكثر فعالية. ومع ذلك، لا تزال هناك العديد من العقبات، مثل تصميم المكونات المتخصصة التي يمكن أن تدعم العملية. وإذا نجحت، من المحتمل أن تزود احتياجات الطاقة لعشرات الآلاف من السنين.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1090