ما هو «جدري القرود»؟ وهل له علاج أو لقاح؟
بعد تفشي إصابات بشرية بجدري القرود في عدة بؤر جغرافية في أوروبا وكندا بشكل خاص، نشرت منظمة الصحة العالمية منشور توعية وتعريف بهذا المرض في 19 أيار الجاري، ثم عقدت في 21 أيار اجتماعاً طارئاً بعد الاشتباه بأكثر من 100 حالة في أوروبا من أجل «فهم أفضل ومعرفة مدى انتشار جدري القرود وسبب تفشيه». فيما يلي تلخيص لأبرز ما ذكرته الصحة العالمية حول هذا المرض.
قالت منظمة الصحة العالمية إنّ «جدري القرود» monkeypox مرض فيروسي نادر حيواني المنشأ، ويحدث أساساً في المناطق النائية من وسط إفريقيا وغربها بالقرب من الغابات الاستوائية الماطرة. وينتقل فيروس جدري القردة إلى البشر من طائفة متنوعة من الحيوانات البرية، ولكن انتشاره من إنسان إلى آخر محدود. وقالت إنه «لا يوجد أيّ علاج أو لقاح متاح لمكافحة المرض رغم أنّ التطعيم السابق ضدّ الجدري أثبت نجاعة عالية في الوقاية أيضاً من جدري القرود» وفق تعبيرها، ولكنها قالت أيضاً «لا توجد حتى الآن أيّة بيّنات تثبت أنّ جدري القردة يمكنه الاستحكام بين بني البشر بمجرّد انتقاله من شخص إلى آخر»، كذلك لفتت بأنّ إصاباته لدى البشر تكون «محدوداً ذاتياً» (تشفى دون تدخل علاجي).
تماثل أعراض إصابة الإنسان بجدري القرود أعراض الإصابة بالجدري المعروف سابقاً لدى البشر، ولكن جدري القرود أقل شدّة. ومع أن «الجدري» كان قد استُؤصِل في عام 1980 فإن «جدري القردة» لا يزال يظهر بشكل متفرق في بعض أجزاء إفريقيا.
ينتمي فيروس جدري القردة إلى جنس الفيروسة الجدرية Orthopoxvirus genus التابعة لفصيلة فيروسات الجدري Poxviridae. وقد كُشِف لأوّل مرّة عن هذا الفيروس في عام 1985 بالمعهد الحكومي للأمصال في كوبنهاغن، الدانمرك، أثناء التحري عن أحد الأمراض الشبيهة بالجدري بين القردة.
تفشيّات سابقة
كُشِف جدري القرود لأول مرّة بين البشر عام 1970 بجمهورية الكونغو الديمقراطية (المعروفة باسم زائير آنذاك) لدى صبي عمره 9 سنوات كان يعيش في منطقة سبق أن استُؤصِل منها الجدري عام 1968. وأُبلِغ منذ ذلك الحين عن حدوث معظم الحالات في المناطق الريفية من الغابات الماطرة الواقعة بحوض نهر الكونغو وغرب إفريقيا، وخصوصاً في جمهورية الكونغو الديمقراطية التي اعتبر المرض «متوطّناً» فيها، والتي اندلع فيها تفشٍّ كبير للمرض في عامي 1996 و1997.
وأُبلغ في خريف عام 2003 عن حالات مؤكّدة في المنطقة الغربية الوسطى من الولايات المتحدة الأمريكية، فيما اعتبرت أولى الحالات المُبلّغ عنها للإصابة بالمرض خارج القارة الإفريقية، وتبيّن أن معظم المصابين كانوا قد خالطوا كلاب البراري الأليفة مخالطة حميمة.
واندلعت في عام 2005 فاشِيَة في ولاية الوحدة بالسودان، وحالات متفرقة في أجزاء أخرى من إفريقيا. وفي عام 2009، قامت حملة توعية في أوساط اللاجئين الوافدين من جمهورية الكونغو الديمقراطية إلى جمهورية الكونغو بتحديد وتأكيد حالتين للإصابة بجدري القردة، فيما جرى احتواء 26 حالة ووفيتين في إطار اندلاع فاشية أخرى للمرض بجمهورية إفريقيا الوسطى بين آب وتشرين الأول 2016.
انتقال المرض
تنجم العدوى من مخالطة مباشرة لدماء الحيوانات المصابة بعدواه أو لسوائل أجسامها أو آفاتها الجلدية أو سوائلها المخاطية، وقد وُثِّقت في إفريقيا حالات عدوى نجمت عن مناولة القردة أو الجرذان الغامبية الضخمة أو السناجب المصابة بعدوى المرض، علماً بأنّ القوارض هي المستودع الرئيسي للفيروس. ومن عوامل خطر الإصابة تناول اللحوم غير المطهية جيداً من الحيوانات المصابة بالعدوى.
قد ينتقل المرض من إنسان إلى آخر بسبب المخالطة الحميمة لإفرازات السبيل التنفسي لشخص مصاب بعدوى المرض أو لآفاته الجلدية أو ملامسة أشياء لُوِّثت مؤخراً بسوائل المريض أو بمواد تسبب الآفات. وينتقل في المقام الأول عن طريق جزيئات الجهاز التنفسي التي تتخذ شكل قطيرات تستدعي عادةً فترات طويلة من التواصل وجهاً لوجه، مما يعرّض أفراد الأسرة من الحالات النشطة لخطر الإصابة بعدوى المرض بشكل كبير. كما يمكن أن ينتقل المرض عن طريق التلقيح أو عبر المشيمة (جدري القردة الخلقي)، ولا توجد حتى الآن أيّة بيّنات تثبت أنّ جدري القردة يمكنه الاستحكام بين بني البشر بمجرّد انتقاله من شخص إلى آخر.
العلامات والأعراض
تتراوح حضانة جدري القرود (وهي الفترة الفاصلة بين مرحلة الإصابة بالعدوى ومرحلة ظهور الأعراض) بين 6 أيام و16 يوماً، وقد تتراوح بين 5 أيام و21 يوماً. وتقسم العدوى إلى فترتين: الأولى هي فترة الغزو (قد تمتد حتى 5 أيام)، حمى وصداع مبرح وتضخّم العقد اللمفاوية والشعور بآلام في الظهر وفي العضلات ووهن شديد. والثانية هي فترة ظهور الطفح الجلدي (تراوح بين يوم واحد و3 أيام عقب الإصابة بالحمى) والتي تتبلور فيها مختلف مراحل ظهور الطفح الذي يبدأ على الوجه في أغلب الأحيان ومن ثم ينتشر إلى أجزاء أخرى من الجسم. ويكون الطفح أشدّ على الوجه (في 95% من الحالات) وعلى راحتي اليدين وأخمصي القدمين (75%). ويتطوّر الطفح في حوالي 10 أيام من حطاطات بقعية (آفات ذات قواعد مسطّحة) إلى حويصلات (نفاطات صغيرة مملوءة بسائل) وبثرات تليها «جلبّات» قد يلزمها ثلاثة أسابيع لكي تختفي تماماً.
ويتراوح عدد الآفات بين بضع آفات وعدة آلاف منها، وهي تصيب أغشية الفم المخاطية (في 70% من الحالات) والأعضاء التناسلية (30%) وملتحمة العين (20%)، فضلاً عن قرنية العين. ويُصاب بعض المرضى بتضخّم وخيم في العقد اللمفاوية قبل ظهور الطفح، وهي سمة تميّز جدري القرود عن سائر الأمراض المماثلة.
جدري القرود عادةً مرض «محدود ذاتياً» (يشفى دون تدخّل علاجي) وتدوم أعراضه بين 14 و21 يوماً، والحالات الشديدة أشيع عند الأطفال بحسب مدى التعرض لفيروسه والوضع الصحي للمريض وشدة المضاعفات الناجمة عنه. وقد يبدي سكان الغابات أو بالقرب منها إصابات دون سريرية (غير مصحوبة بأعراض).
يتباين معدل الوفيات تبايناً كبيراً ولكنّ لا يتجاوز 10% [هذه نسبة مرتفعة مع ذلك] في الحالات الموثقة التي تحدث معظمها فيما بين الأطفال. وعموماً فإن الفئات الأصغر سنّاً هي أكثر حساسية على ما يبدو للإصابة بجدري القرود.
تشخيص جدري القرود
تشتمل التشخيصات التفريقية: أمراضاً أخرى مسببة للطفح، من قبيل الجدري والجدري المائي والحصبة والتهابات الجلد البكتيرية والجرب والزهري وأنواع الحساسيات الناجمة عن الأدوية. ويمكن أن يكون تضخّم العقد اللمفاوية خلال مرحلة ظهور بوادر المرض سمة سريرية تميزه عن الجدري. أما التشخيص النهائي فمخبري حصراً: المقايسة المناعية الأنزيمية- اختبار الكشف عن المستضدات- تفاعل البوليميراز المتسلسل (PCR) - عزل الفيروس بواسطة زرع الخلايا.
هل يوجد علاج أو لقاح؟
لا أدوية أو لقاحات مُحدّدة متاحة، ولكن يمكن مكافحة فاشياته. وقد ثبت في الماضي أن التطعيم ضد الجدري ناجع بنسبة 85% في الوقاية من جدري القردة، غير أن هذا اللقاح لم يعد متاحاً لعامة الجمهور بعد أن أُوقِف التطعيم به في أعقاب استئصال الجدري من العالم. ورغم ذلك فإن من المُرجّح أن يفضي التطعيم المسبق ضد الجدري إلى أن يتخذ المرض مساراً أخف وطأة.
الحيوانات المستضيفة
في إفريقيا، السناجب المخطّطة وسناجب الأشجار والجرذان الغامبية والفئران المخطّطة... ولا تزال هناك شكوك تحيط بالتاريخ الطبيعي لفيروس جدري القردة حاجة لمزيد من الدراسات لتحديد مستودعه بالضبط وكيفية بقائه في الطبيعة. وثمة من يرى في الولايات المتحدة أن الفيروس انتقل من حيوانات إفريقية إلى عدد من أجناس الحيوانات غير الإفريقية الحسّاسة للفيروس (مثل كلاب البراري) التي كانت تشترك معها في المأوى.
الوقاية
قيود على تجارة الحيوانات، وعدم إعطاء الحيوانات المحبوسة لقاحاً ضدّ الجدري، بل العزل والحجر الفوري لتلك التي يُحتمل أن تكون مصابة، ومراقبتها في غضون 30 يوماً بحثاً عن أية أعراض. التركيز في البلدان الموطونة بالمرض على طهي كل المنتجات الحيوانية جيداً قبل أكلها، وارتداء قفازات وغيرها من ملابس الحماية المناسبة عند مناولة الحيوانات المريضة أو أنسجتها الحاملة للعدوى وأثناء ذبحها.
على مستوى البشر، تعتبر المخالطة الحميمة للمرضى أثناء اندلاع فاشيات جدري القردة البشري من أهمّ عوامل خطر الإصابة. وفي ظل غياب علاج أو لقاح محدّد لمكافحته، فإن الطريقة الوحيدة للحد من إصابة الناس هي إذكاء الوعي بعوامل الخطر والتثقيف بشأن التدابير اللازمة، والإسراع بتشخيص الحالات الجديدة لاحتواء الفاشيات. وينبغي تجنّب المخالطة الجسدية الحميمة للمصابين بعدوى جدري القردة، وارتداء قفازات ومعدات حماية عند الاعتناء بالمرضى، وغسل اليدين بانتظام عقب الاعتناء بهم أو زيارتهم.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1071