الأسلحة النووية «التكتيكية» ومخاطر استخدامها

الأسلحة النووية «التكتيكية» ومخاطر استخدامها

في التاسع من أيار الجاري صدرت «نشرة الفيزيائيين النوويين الأمريكيين» للعام الحالي، وهي نشرة سنوية دورية منذ عام 1987 مخصصة للترسانة النووية الأمريكية. وتؤكد النشرة الجديدة تركيز البنتاغون على توسيع الترسانة النووية التكتيكية الأمريكية، وتذكّر بأنّ العقيدة العسكرية الأمريكية تنطوي على إمكانية توجيه ضربة نووية، ولو أنها تسمّيها «وقائية» وليس «انتقامية» على حد تعبيرها. لا يستبعد الخبراء أن تكون الولايات المتحدة مستعدةً لجنون استخدام السلاح النووي وهي القوة الوحيدة في التاريخ التي سبق أن ارتكبت هذه الجريمة في مجزرتي هيروشيما ونغازاكي بقنبلتين إستراتيجيتين. فما هي الأسلحة النووية التكتيكية وبماذا تختلف عن الإستراتيجية؟

تشير الأسلحة النووية التكتيكية (غير الإستراتيجية) عادةً إلى الأسلحة قصيرة المدى. وضمن السياق الأمريكي والسوفييتي (والروسي)، يعني هذا صواريخ أرضية يبلغ مداها أقل من 500 كيلومتر (حوالي 300 ميل) وأسلحة تُطلق من الجو والبحر بمدى أقل من 600 كيلومتر (حوالي 400 ميل). هي أصغر في القوة التفجيرية مقارنة مع نظيرتها الإستراتيجية، حيث صمّمت هذه الأخيرة في الغالب لاستهداف داخل العدو بعيداً عن جبهة الحرب، ضد القواعد العسكرية والمدن والبلدات وصناعات الأسلحة وغيرها من المناطق المحصنة أو الأهداف الأكبر لتدمير قدرة العدو على شن الحرب. ومع ذلك، فإن هذه التعريفات ليست محل إجماع عالمي، حيث تصنف فرنسا مثلاً جميع أسلحتها النووية المنتشرة حالياً على أنها إستراتيجية، وتصنف الصين أيضاً العديد من تلك الأسلحة على أنها إستراتيجية، رغم اعتبارها تكتيكية من وجهة النظر الأمريكية والروسية. ربما يعود ذلك إلى أنه على الرغم من أنّ مردود الأسلحة النووية التكتيكية أقل عموماً من نظيرتها الإستراتيجية، لكن الأسلحة التكتيكية الأكبر لا تزال قوية جداً، وبعض الرؤوس الحربية متغيّرة القوة تخدم في كلا الدورين. وتتمتع بعض الأسلحة النووية التكتيكية بالعائد المتغير، الذي يسمح بتنوع قوتها التفجيرية على نطاق واسع لحالات مختلفة، أو أسلحة إشعاعية محسّنة «القنابل النيوترونية»، التي تهدف إلى تعظيم التعرض للإشعاع المؤيّن وتقليل آثار الانفجار.
تشمل الأسلحة النووية التكتيكية: قنابل الجاذبية، والصواريخ قصيرة المدى، وقذائف المدفعية، والألغام الأرضية، وشحنات الأعماق، والطوربيدات المجهزة برؤوس نووية. وتندرج أيضاً في هذه الفئة صواريخ أرض-جو مسلحة نووياً أو صواريخ أرض-جو محمولة على متن السفن وصواريخ جو-جو، وأسلحة تكتيكية صغيرة محمولة من شخصين أو محمولة بشاحنة، المشار إليها أحياناً بشكل مضلل باسم «القنابل النووية للحقائب»، مثل الذخيرة الخاصة بالهدم الذري و«بندقية ديفي كروكيت» عديمة الارتداد (مدفع أملس عديم الارتداد)، لكن صعوبة الجمع بين العائد الكافي وإمكانية النقل يمكن أن تحد من فائدتها العسكرية. في زمن الحرب، يمكن استخدام هذه المتفجرات لهدم «نقاط الاختناق» لهجمات العدو، مثل الأنفاق والممرات الجبلية الضيقة والجسور الطويلة.
تشكل هذه الأسلحة نسبة كبيرة من ترسانات الدول الحائزة للأسلحة النووية: 30-40% من الترسانات الأمريكية والروسية، وحوالي 100% من الترسانات الصينية والفرنسية والهندية والباكستانية. وتقول «إسرائيل» بأنّ جميع ترسانتها النووية «تكتيكية»، وتقول بريطانيا إنها لم تعد تمتلك أسلحة نووية قصيرة المدى.

تاريخ الأسلحة النووية التكتيكية

في الوقت نفسه الذي كانت تقوم فيه الولايات المتحدة بتطوير الرؤوس الحربية النووية بعيدة المدى، كانت تعمل أيضاً على أسلحة أصغر وأقصر مدى يمكن أن تعمل كنوع من المدفعية الفائقة محتملة الاستخدام ضدّ الجيوش السوفييتية. واحدة من أكثر هذه الأسلحة التكتيكية شهرة كانت «Atomic Annie»، وهي قطعة مدفعية كبيرة تم نشرها في أوروبا في الخمسينيات من القرن الماضي. يمكن للمدفع إطلاق رأس حربي نووي زنة 15 كيلوطن على مسافة تزيد عن 18 ميلاً. وللمقارنة فإن قاذفة Enola Gay B-29، التي أسقطت رأساً حربياً يبلغ وزنه 15 كيلوطناً على هيروشيما، يمكن أن تطير 2900 ميل إلى الهدف قبل الاضطرار إلى الالتفاف.
ثم كان هناك رأس «ديفي كروكيت» الحربي، الذي كان له مردود يعادل 20 طناً فقط من مادة «تي إن تي». كان للسلاح عديم الارتداد الذي أطلقه مدى أقصر حتى من Atomic Annie، يصل حتى 2.5 ميل فقط. وكان الجهاز النووي التكتيكي الأقصر مدى هو الذخيرة الخاصة للتدمير الذري، والمصمم كقنبلة محمولة على الظهر لوضعها في مكان وتفجيرها فيما كان يُفترض أنه مهمة انتحارية.

الأخطار المرتبطة بالنووي التكتيكي

في بعض النواحي، يعتبر بعض الخبراء هذه الأسلحة أكثر خطورة حتى من الأسلحة النووية الإستراتيجية. وذلك على اعتبار أنّ حجمها الصغير وغياب الأقفال الإلكترونية أو روابط الإجراءات المتساهلة (PALs) في الإصدارات القديمة، هي عوامل تساهم في تعرضها للسرقة أو الاستخدام غير المصرَّح به. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ طرق إنشائها وتوظيفها تطرح أيضاً مشكلات كبيرة: تاريخياً، كانت مخصصة للاستخدام في ساحة المعركة والعمليات على مستوى مسرح العمليات جنباً إلى جنب مع القوات التقليدية، مما يمكن أن يشجع قرار استخدامٍ أسهل نفسياً وعمليّاتياً، أو منح التفويض المسبق لسلطة إطلاقها إلى القادة من مستوى أدنى، خاصة بمجرد بدء الأعمال العدائية، بسبب التوجه نحو توظيف الأسلحة النووية التكتيكية بالتزامن مع القوات التقليدية والقلق بشأن بقائهم على قيد الحياة. يعتقد خبراء أن هذا قد يؤدي إلى تراجع السيطرة على النووي التكتيكي من قبل القيادات السياسية.

الترسانة النووية الأمريكية

تقول نشرة هذا العام 2022 الصادرة عن الفيزيائيين الأمريكيين حول الأسلحة النووية، والمشار إليها في بداية هذه المادة، بأنّ الترسانة النووية الأمريكية «لم تتغير كثيراً خلال العام الماضي» على حد وصفها. في المجموع، هناك 5428 رأساً نووياً في الولايات المتحدة، منها 1744 منتشرة. وما تبقى من الرؤوس الحربية «غير المنتشرة» لعام 1964 في الاحتياط. يقال إن حوالي 1700 رأس حربي من الترسانة الأمريكية تنتظر التفكيك فيما يعتبره البعض «انتظاراً طال أمده كثيراً».
من بين 1744 رأساً حربياً تم نشره، هناك 944 موجودة على صواريخ باليستية عابرة للقارات في ترسانة الغواصات الإستراتيجية، وهناك 400 على صواريخ باليستية عابرة للقارات أرضية، و300 في القواعد الجوية الإستراتيجية الأمريكية، و100 أخرى هي رؤوس حربية نووية تكتيكية في القواعد الجوية الأمريكية في أوروبا. إلى أي مدى تتوافق هذه البيانات المُعلَنة مع الواقع؟ يبقى سؤالاً مفتوحاً.
تعتبر النشرة الأمريكية المذكورة أنّ من المفيد للولايات المتحدة الحفاظ على معاهدة «ستارت»، لأنه في حالة الانسحاب منها، ستتاح لروسيا أيضاً فرصة «تحميل عدة مئات من الرؤوس الحربية» في منصات الإطلاق وناقلات أخرى. ويُذكر أنّ الولايات المتحدة تخطط لتطوير صاروخ كروز نووي يطلق من الغواصات SLCM-N في المستقبل من أجل ما وصفته بـ«توفير التواجد الإقليمي غير الإستراتيجي الضروري والمضمون».

«سلّم التصعيد»

يصف الخبراء العسكريون الخطوات بين السلام والحرب النووية الحرارية من خلال ما يسمى «سلم التصعيد»، حيث تتخذ قيادة البلدين في حالة حرب إجراءات تدعو الدولة الأخرى إما إلى التصعيد، من خلال زيادة المخاطر والتوترات، أو وقف التصعيد والابتعاد عن مزيد من الصراع. تعتبر الأسلحة النووية التكتيكية درجةً تفصل بين المعركة التقليدية والحرب النووية.
طوّر القادة السوفييت أسلحتهم وعقيدتهم النووية بالأساس كردّ فعل على تخطيط الولايات المتحدة للحرب النووية، وعلى الانتشار النووي الأمريكي في أوروبا. افترض كل من الولايات المتحدة والاتحاد السوفييتي السابق أنه بمجرد استخدام الأسلحة النووية التكتيكية، فمن المرجح أن يتبع ذلك التبادل النووي الحراري، وليس خفض التصعيد. ومن هنا تأتي أهمية دفع قوى السلام العالمي نحو لجم العدوانية الإمبريالية وحلفها بزعامة واشنطن، وضرورة إلزامها بالاستقرار الإستراتيجي، والتي ما زالت حتى الآن تعمل على عرقلة التفاوض حوله والتهرب منه، معرّضة البشرية لخطر وجودي.

المصادر:
«American scientists published a bulletin with data on the US nuclear arsenal» (topwar.ru - 11 May 2022)
Federation of American Scientists, «Non-Strategic Nuclear Weapons»

معلومات إضافية

العدد رقم:
1070
آخر تعديل على الإثنين, 23 أيار 2022 14:00