أبحاث أمريكية لاستخدام الطيور كأسلحة بيولوجية منذ 1963!
سلّطت ورقة علمية تأريخية منشورة عام 2001 الضوء على تفاصيل تتعلّق بتمويل البنتاغون لمعهد الأبحاث الأمريكي «سميثسونيان» بين عامَي 1963 و1970 عبر «منحة من الجيش الأمريكي لمراقبة أنماط هجرة الطيور البحرية في وسط المحيط الهادئ». وتنوّه الورقة بأنّ الفترة نفسها تميزت بدراسات حول كيفية نشر (أنظمة إيصال/ نواقل) للأسلحة البيولوجية بوصفها جزءاً من حقيبة الأبحاث لكل من وكالة المخابرات المركزية CIA و«الفيلق الكيميائي»، ومن أشهرها تطوير «أجهزة غير قابلة للتمييز وتحفز العوامل الميكروبية» إلى جانب «استخدام الحشرات وعوامل عضوية أخرى».
قام برنامج المسح البيولوجي للمحيط الهادئ POBSP وعلى مدى ست سنوات بجمع كمية هائلة من البيانات من المناطق حول المحيط غير المعروفة للعِلم سابقاً، والتي يصعب على المدنيين الوصول إليها. وفي عام 1969، وفقاً للورقة «أصبح البرنامج متورطاً في جدل واتهامات بسبب قبول المؤسسة تلقي الأموال من الجيش، الأمر الذي ينتهك قواعد عملها الناظمة لتلقي الأموال الحكومية ونشر الأبحاث. وأشارت التحقيقات إلى عدد من العلاقات غير المبّررة بين برنامج المسح البيولوجي POBSP والجيش، وتزامنت مع فترة نشاط مكثّف في اختبار الأسلحة الكيماوية والبيولوجية». كما وأشارت الورقة إلى «خلل شديد الإشكالية بين العِلم والسرّية إبّان ذروة الحرب الباردة» ونوّهت إلى أنّ «الكشف التدريجي عنها يثير أسئلة ذات صلة معاصرة تنتظر إجابات معاصرة».
وتشير الورقة إلى أنّ الطيور المدروسة كانت ضمن جغرافية شملت «سلاسل هاواي ولين وفينيكس، ومجموعات غيلبرت ومارشال، وجزر بيكر وهولاند، وجزيرة ويك، وشولز الفرنسية، وجزيرة ساند في جونستون أتول، وهي اليوم موقع محرقة الأسلحة الكيميائية الرئيسية في أمريكا» وتضيف بأنّ «الوصول إلى المنطقة باهظ ومحدود ويقتصر على المصالح التجارية والدبلوماسية الأكثر حصرية، ويحتاج إلى تنسيق عسكري وبحري كبير ولا يزال كذلك حتى الآن».
انطلاق الأبحاث السرّية على الطيور
في البداية، كان مَقرّ البرنامج المذكور، هو مكتب الباحث الرئيسي فيه الدكتور فيليب همفري في متحف التاريخ الطبيعي في واشنطن. ولكن غالباً ما كان همفري ينشغل بأعمال أخرى- بما فيها مشروعٌ بتمويل روكفلر لدراسة الفيروسات في مجموعات الطيور الموجودة في بيليم في البرازيل- فكان ينوب عنه عالِم الطبيعة تشارلز إيلي. وأعطي المشروع الأساسي اسماً رمزياً هو «سطوع النجم»STARBRIGHT وطُلِبَ من علماء الطبيعة المجنّدين فيه تتبّع «الظروف الفيزيائية والبيولوجية المتغيرة موسمياً للبيئة المحيطية». وتقول الورقة بأنّ «السجلات تشير إلى محاولات علماء الطبيعة معرفة الدافع العسكري لجمع هذه البيانات ولكن بلا جدوى» كما تمّ التشديد الأمني عليهم للحفاظ على السرّية، وتؤكد ذلك مذكّرة لنائب مدير المشروع تشارلز إيلي جاء فيها بأنّه «يجب على جميع المعنيين توخّي الحذر في مناقشة المشروع مع أشخاص من الخارج؛ فلا أحد يريد أن يوصَف بأنه خَطَرٌ أمنيّ نتيجةً لمحادثة خرقاء... يكفي أن يعرف رجالنا أنهم يؤمّنون البيانات الخاصة بشعبة الطيور».
واعتباراً من نيسان 1964، كان يتم استدعاء موظّفي المشروع إلى قاعدة فورت ديتريك العسكرية في ميريلاند، ويتم حقنهم بلقاحات خاصة، قيل لهم إنها لحمايتهم من الإصابة بالأمراض في مناطق الاختبار، لكن لم يتم إخبار أحد منهم بماهية تلك «الأمراض». وفي منطقة Kaneohe، مثلاً، طُلِب من الموظفين إطعام البعوض على الطيور التي تم أسرها، ثم جمع عينات من أمصال دم الطيور، وإرسالها إلى فورت ديتريك، دون تقديم أيّ تفسير، ودون نشر أيّة تفاصيل في الصحافة العِلمية، حيث إنه وفقاً لإيلي «شعرت وكالة التمويل أن المشروع سرّي وأنّ أيّ منشور سيوفّر معلومات لأعدائنا الحقيقيين أو المتخيّلين» وتم إقناع شديدي الفضول منهم بالتزام السرية لأنّها أبحاث «لا مثيل لها على الإطلاق في تاريخ عِلم الطيور».
تضمّن البرنامج عمليات «تطويق»- وضع علامات أو عصابات على الطيور- وجمع أكثر من 400 ألف طائر بحلول 1965، و750 ألف طائر آخر بحلول 1968. وشملت أنواعاً مثل طيور «الأخبل» ذات الجسم الكبير والمناقير الكبيرة المفلطحة والأقدام القصيرة، وطيور «الفرقاط الكبير» التي تعيش بمناطق المحيط الهادي إضافة إلى روسيا والصين وشرقي إفريقيا، وغيرها من الأنواع، وكان لافتاً أنّ الورقة سجّلت الملاحظة التالية: «أظهرت العديد من هذه الطيور الرائعة مرونةً بالتواصل مع البشر». وتقول في ملاحظة أخرى «في جزر مارشال مثلاً، بدت الطيور أقلّ تأثراً بالتجارب النووية والصاروخية ممّا كان متوقعاً».
الطيور وغيرها كنواقل لأسلحة بيولوجية
تؤكّد الورقة أنه خلال الفترة نفسها لمشروع أبحاث الطيور الأمريكي المذكور، أجريت دراسات عن «أنظمة إيصال» متنوعة للأسلحة البيولوجية. واستخدم علماء البرنامج المسمّى MK-ULTRA حيواناتٍ مدرّبة (موجَّهة) لأغراض هجومية محتملة، كاستمرار لسلسلة أبحاث تعود إلى الحرب العالمية الثانية على الأقل. وقدّمت وكالة المخابرات المركزية «تسهيلات للمرور من التطبيقات الدفاعية إلى الهجومية».
وتقول الورقة: «ما لم تظهر أدلة معاكسة، يمكن وضع افتراضات معينة. أولاً، يمكننا تخمين أن العقد DA 18-064 قد أبرم في الواقع من قبل (الفيلق الكيميائي) للجيش في Fort Detrick والذي شارك في اختبار الأسلحة البيولوجية منذ 1942 على الأقل. وأنه من بين ما درسه طريقةُ انتقال الأمراض النادرة المنقولة والمحتضنة في دم الطيور والثدييات، وكذلك التي تنتقل عن طريق البعوض والقرّاد. حيث أُخِذَت عينات الدم لتحديد الأمراض المنقولة، في حين يساعد الربط مع بيانات الإصابة بالأمراض في مواقع مختلفة، في تحديد تحرّكات حاملي المرض. كان هذا هو الجانب (الدفاعي)». أما بالنسبة للجانب (الهجومي) فتتابع الورقة: «هناك احتمال أن تنقل الطيور المهاجرة السموم إلى أراضي العدو. ولا يزال الدليل العلمي على إمكانية القيام بذلك- أو القيام به بشكل موثوق- يمثّل مشكلة. لكن العلاقة الوثيقة بين البحث (الدفاعي) و(الهجومي) حقيقة ثابتة؛ فبعد الحرب العالمية الثانية، شاركت فورت ديتريك في رعاية دراسات حول (الأسلحة الجرثومية) المحتملة مع وزارة الزراعة، ودائرة الصحة العامة والهيئة الطبية للجيش. وفي عام 1959، اتخذ العمل صورة هجومية، عندما صدرت تعليمات لرئيس قسم المواد الكيميائية بإعداد خمسة برامج عامة لتطوير أسلحة مضادة للمحاصيل. وكرّست إدارة كينيدي 4 مليارات دولار للبحوث الأساسية حول مجموعة من الأسلحة الكيماوية والبيولوجية الهجومية. وفي أواسط الستينيّات عندما بدأ التعاقد مع معهد سميثسونيان، كانت فورت ديتريك مركزاً لشبكة من عقود البحث والتطوير المتعلقة بالأسلحة الكيميائية والبيولوجية التي أبرمت مع 300 جامعة ومعهد بحث وشركة».
منذ العام 1952 تم تأسيس بيئة أمنية خاصة من أجل «صيانة وتقييم وموازنة أنظمة النشر البيولوجية والكيميائية للاستعداد التشغيلي» مع إنتاج مخزونات من العوامل المميتة، بما فيها الفيروسات الحيوانية. وواصل البرنامج المسمّى MK-NAOMI عمل برنامج MK-ULTRA، ماضياً قُدماً بالمشروع السرّي الذي بدأه Allen Dulles أثناء الحرب الكورية لأبحاث العقاقير التي تعدّل السلوك للاستخدام الهجومي المحتمل. ومنذ أواخر الخمسينات، عمل كيميائيون بتمويل CIA على دراسة السموم الطبيعية في جنوب المحيط الهادئ والأمازون، فأضافوها إلى ترسانتهم البيولوجية. وبحلول الستينات، كان لدى الولايات المتحدة ما لا يقل عن 10 أسلحة بيولوجية مختلفة متاحة للاستخدام، بما فيها مخزون البوتولينوس، وجراثيم العنقوديات، والذيفانات السمية المعوية، وجراثيم مرض البروسيلات، وكذلك «فيروس التهاب الدماغ والنخاع الخَيلي الفنزويلي» VEE والذي يمكنه شلّ حركة الإنسان لمدة 2 إلى 5 أيام.
* روي ماكلويد، باحث في التاريخ من جامعة سدني الأسترالية- من ورقته المنشورة عام 2001 بعنوان «حصرياً من أجل الطيور: العلم والجيش وبرنامج المسح البيولوجي للمحيط الهادئ التابع لمعهد سميثسونيان 1963-1970»، في مجلة «تاريخ البيولوجيا» التي تطبع في هولندا (العدد 34: ص315–352).
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1061