روسيا تَحرِمُ أمريكا محرِّكاتٍ فضائية لن تَصنَعَ مثلها قبل 2030!

روسيا تَحرِمُ أمريكا محرِّكاتٍ فضائية لن تَصنَعَ مثلها قبل 2030!

أعلن ديمتري روغوزين، رئيس وكالة الفضاء الروسية (روسكوزموس)، يوم الخميس 3 آذار 2022، قرار روسيا وقفَ إمداد الولايات المتحدة بأفضل أنواع محركات الصواريخ الفضائية الروسية، وذلك رداً على عقوباتها ضد روسيا بشأن أوكرانيا، وقال ساخراً: «دعهم يطيرون على شيء آخر، على أعواد المكانِس مثلاً». ويبدو أنّ روغوزين يعرف تماماً عمّا يتحدث، إذْ صدرت في 3 شباط الماضي عن «خدمة أبحاث الكونغرس الأمريكي» وثيقة في 3 صفحات، كان لافتاً أنّها اختتمت بالاعتراف التالي المبني على تقييم خبراء القوات الفضائية بالجيش الأمريكي: «حتى لو تم الانتقال بعيداً عن المحرك الروسي RD -180 إلى محرك بديل أو مركبة إطلاق بديلة انتقالاً سلساً ومطابقاً للجدول الزمني المحدد، فمن المحتمل ألا يتم تكرار سجل الأداء والموثوقية الذي حقَّقه هذا المحرِّك حتى الآن، إلا بعد العام 2030؛ حيث في سجلّه حوالي 81 إطلاقاً ناجحاً على التوالي منذ العام 2000 بين أغراضٍ مدنية، وتجارية، وأغراضٍ فضائية مرتبطة بالأمن القومي».

وفقاً لوثيقة الكونغرس المذكورة، هناك برنامج فضائي عسكري أمريكي يسمّى «الإطلاق الفضائي لشؤون الأمن القومي» NSSL يدار بواسطة قيادة أنظمة الفضاء في قاعدة لوس أنجلوس الجوية. ويتكون هذا البرنامج حالياً من أربع مَركَبات لإطلاق الصواريخ الفضائية: اثنتان منها، وهما «أطلس خمسة» Atlas V وDelta IV Heavy مقدَّمتان من شركة «التحالف المتّحد للإطلاق» ULA المؤسَّسة كمشروعٍ مشترك بين شركتي لوكهيد مارتن وبوينغ. والاثنتان الأخريان وهما Falcon 9 و Falcon Heavyمقدّمتان من شركة SpaceX (التي أسسها إيلون ماسك عام 2002).
وبرنامج NSSL استمرارٌ موسَّع لاستراتيجية اقتناء سابقة كانت تسمّى «مركبة الإطلاق المتطوّرة القابلة للاستهلاك» (EELV) والتي كان قد وافق عليها سلاح الجو الأمريكي في تشرين الثاني 2011 ونقّحت عام 2013، وصمّمت لأربعة أهداف: 1– «الحفاظ على عائلتين رئيسيَّتين مستقلتين من مَركبات الإطلاق التي تعمل بالطاقة الصاروخية لتقليل احتمال انقطاعات الإطلاق وضمان الوصول الموثوق إلى الفضاء». 2– «ترخيص وتخزين محرّكات الصواريخ روسيّة الصنع من الطراز RD -180 للرَّفع الثقيل، وهو عنصر حاسم في Atlas V». 3– «متابعة التزام الشراء الجماعي لعدد من عمليات الإطلاق حتى نهاية العقد لخفض تكاليف الإطلاق». 4– «زيادة المنافسة لتقليل تكاليف الإطلاق الإجمالية». وتقول الوثيقة بأنّ هذه الاستراتيجية الشاملة «نجحت في خفض تكاليف الإطلاق والوصول الموثوق للغاية إلى الفضاء لوزارة الدفاع ومجتمع الاستخبارات».
وتقول وثيقة الكونغرس نفسها: «لقد تفاقم القلق الرئيسي في الكونغرس وأماكن أخرى بشأن اعتماد الولايات المتحدة على المحرّك الصاروخي الروسي RD -180 المستخدم في أحد صواريخ الأمن القومي الأساسية لعمليات الإطلاق الفضائية المهمّة للأمن القومي، وذلك بسبب ردّ فعل روسيا العنيف على العقوبات الأمريكية ضدها لعام 2014 بسبب إجراءاتها في أوكرانيا» (والمقصود استعادة القرم). وتتابع الوثيقة: «سنّ الكونغرس قوانين تحدّ من عدد محرّكات الصواريخ الروسية RD -180 المصرَّح باستخدامها إلى ما مجموعه 18 محركاً، بدءاً من قانون تفويض الدفاع الوطني للسنة المالية 2017 وينتهي في 31 ديسمبر/ كانون الأول 2022».

لمحة تاريخية وتقنية عن RD -180

الحرفان RD اختصار لـ«راكيتني دفيكاتيل» وتعني «محرك الصاروخ» بالروسية. وهو محرك صاروخي تم تصميمه وبناؤه في روسيا، من الشركة الروسية NPO Energomash وهي الشركة الرئيسة لتصنيع محركات الصواريخ الروسية، وتقوم بشكل أساسي بتطوير وإنتاج محركات الصواريخ العاملة بالوقود السائل. وهي وريثة مكتب التصميم السوفييتي OKB-456 الذي تأسس عام 1946، واكتسبت «إينيرغوماش» اسمها الحالي في 15 أيار1991، تكريماً لكبير المصمّمين السابق العالِم السوفييتي فالنتين غلوشكو. يتميز المحرك RD-180 بغرفة احتراق مزدوجة وتصميم مزدوج الفوهة، ويتغذى بمزيج وقود مؤلف من الكيروسين عالي النقاء (RP-1) والأوكسجين السائل (LOX). وتم اشتقاق هذا الطراز من خط محركات الصواريخ RD-170 /RD-171 التي استخدمت في مركبة الإطلاق السوفييتية Energia والتي ما تزال مستخدمة أيضاً في مركبات الإطلاق الأوكرانية Zenit. ويتميز الطراز RD-180 بتطوير وتحسين عدة تفاصيل تقنية من بينها مثلاً: تقليص الحجم.
وحتى العام الحالي 2022، تُستخدَم محركات RD-180 أيضاً في المرحلة الأولى من عمل مركبة إطلاق الصواريخ الفضائية الأمريكية «أطلس5» التابعة لتحالف الإطلاق المتحد الذي تم تشكيله بالشراكة بين لوكهيد مارتن وبوينغ. كما أنّ المحرك نفسه استعمل لأول مرة في رحلة أمريكية عام 2000 لمركبة الإطلاق الأمريكية من الجيل الذي قبله «أطلس3» وذلك بعد الأداء الناجح في اختبارات المحرك، والاتفاقيات رفيعة المستوى بين الحكومتين الأمريكية والروسية لاستيراد المحركات الروسية إلى الولايات المتحدة.

المحرك RD-181

في الحقيقة، فإنّ التقييم الحديث للخبراء الأمريكيين الذي كشفته ورقة الكونغرس التي تناولناها أعلاه، لم يختلف عن تقييمٍ أقدَم أصدرتْهُ في 8 آب 2016 مؤسسة «سبيس فاونديشن» الأمريكية المتخصصة بتقديم الاستشارات والنصح التقني العلمي في مجالات التقنية الفضائية، وكان بعنوان «بيان حقائق: محركات الصواريخ الروسية التي تستخدمها الولايات المتحدة». وأكدت على أنّ «القوات الجوية الأمريكية بدأت في مراجعة ما إذا كان الاعتماد على هذا المحرك RD -180 يشكّل خطراً على الأمن القومي، منذ أيار 2014. وحددت الدراسة أنَّ فقدانه سيترك تأثيراً كبيراً».
وتُبيِّنُ لنا ورقةُ المؤسسة أيضاً معلومةً إضافية، هي: أنّ أمريكا تستخدم كذلك طرازاً آخر من المحركات الصاروخية الروسية هو RD -181 من الشركة الروسية نفسها ويُستَعمل لتشغيل صاروخ Antares في مهام إعادة الإمداد لمحطة الفضاء الدولية.
وتبيّن المؤسسة بأنّ شركة Orbital في أمريكا اختارت المحرك الروسي الأحدث RD -181 بدلاً عن المحرك AJ-26 ولكن حتى هذا الأخير ليس سوى تعديل من شركة Aerojet الأمريكية لمحرك روسي أيضاً هوNK-33 الذي يحمل اسم العالم والمصمّم السوفييتي نيكولاي كوزنيتسوف. وسبب اختيار الطراز RD -181 وفقاً للمؤسسة هو لأنه: «يسمح للمركبة الفضائية Cygnus بتسليم حمولة أكبر بنسبة20% رغم استخدامه دورة الاحتراق نفسها والنسبة نفسها لخليط الوقود الدافع الذي تستخدمه محركات AJ -26، وهما بالحجم نفسه... ولا يوجد بديل مشابه في الولايات المتحدة يوفّر قوةَ دفعٍ مماثلة» وفق اعتراف الورقة المذكورة.

فجوة علمية- تقنية لا تقل عن 30 عاماً!

ورد في تقييم Space Foundation عام 2016 الذي ذكرناه أعلاه، أنّ: «الحكومة والصناعة الأمريكية استثمرا نحو 300 مليون دولار على مدار 20 عاماً الماضية [منذ 2006] في التكنولوجيا المرتبطة بمحركات (الاحتراق المرحلي الغني بالمؤكسِد) المعروفة اختصاراً بـ ORSC». ولكن اللافت للانتباه بالمقارنة مع التقييم الأحدث الوارد في ورقة الكونغرس التي تناولناها في البداية، هو أنّ تقييم عام 2016 كان يحلم بأنْ تستطيع الولايات المتحدة تصنيعَ محركات مماثلة بحلول 2021 تقريباً إذا استثمرت وزارة الدفاع «مليار دولار على مدى 5 سنوات لتأسيس إنتاج محرك من فئة RD -180 على الأراضي الأمريكية». في حين أنّنا نلاحظ ليس فقط أنّ توقعاتهم فشلت فلم يصنعوا محركاً مماثلاً، بل وأنّ التقييم الأحدث الذي أظهرته ورقة الكونغرس أعلاه (في 3 شباط الماضي) يبدي تشاؤماً واضحاً ويؤجِّل إلى ما بعد العام 2030 الحلمَ الأمريكي بالوصول إلى محرك صاروخي بمستوى أفضل المحركات الروسية الحالية. وإذا أخذنا بالحسبان أنّ بداية وضع المحرك الصاروخي الروسي RD -180 في الخدمة تعود إلى العام 2000 فهذا يعني بأنّه حتى لو استطاعت الولايات المتحدة تصنيع مثيل له «ما بعد العام 2030» فهذا يعني تأخّرها التقني- العلمي عن روسيا في هذا المجال بما لا يقل عن 30 عاماً.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1060