دراسات مُسرَّبة لفيسبوك تكشف أضرار «إنستغرام» على الصحة النفسية للمراهقات
كشفت مجلة «وول ستريت جورنال» عن ملفات داخلية مسرّبة لشركة فيسبوك تحتوي على دراسات نفسية واجتماعية قامت بها الشركة على آلاف من مستخدمي تطبيق «إنستغرام». وأكثر ما أثار الضجة هو ما أظهرته من تأثير سلبي على المراهقين، وخاصة الفتيات فيما يتعلق بالصحة النفسية وصورتهن عن أنفسهن. وفقاً للصحيفة تعود قصة شهرة «إنستغرام» إلى العام 2012 عندما شهدت شركة فيسبوك انخفاضاً بعدد مستخدمي «العملاق الأزرق» المراهقين في الولايات المتحدة لأول مرة على الإطلاق، فسارعت في العام نفسه بشراء تطبيق إنستغرام الذي لاحظت أنه كان جذاباً للمراهقين، ليشهد إنستغرام نمواً سريعاً تحت إدارة فيسبوك. تناقش المادة التالية بعض ما جاء في الدراسات المسرّبة المذكورة.
جاء كشف صحيفة «وول ستريت» لملفات الفيسبوك بظل أحداث ذات صلة، فمن «الانقطاع الكبير» لفيسبوك وواتساب لساعات، إلى جلسات استماع الكونغرس الأمريكي لمارك زوكربيرغ، وللشاهدة المديرة السابقة في الشركة، فرانسيس هوغن، والتي فضحت كثيراً من سلوكيات الشركة التي تؤكّد أنّها كالعادة تضع الربح أولاً وقبل كل شيء، قبل الصحة النفسية والجسدية وقبل «الأخلاق» و«الخصوصية» و«القيم الإنسانية» و«حقوق الإنسان» وما إلى ذلك.
خلال الشهر الماضي، أحدث مقال في «وول ستريت» بتاريخ 14 أيلول 2021 ضجة حول إنستغرام وشركته الأم فيسبوك، وردّت عليه الشركة بعد 12 يوماً (في 26 أيلول) عبر تدوينة على موقعها الرسمي كتبها نائب رئيس قسم الأبحاث فيها، قائلاً: «يظهر البحث [الداخلي الذي قامت به شركة فيسبوك] أنه من بين الفتيات المراهقات اللواتي أخبرننا بأنهن يعانين من قضايا تتعلق بصورتهن الجسدية، هنالك فتاة من أصل ثلاث منهن قد أبلغت بأن استعمالها لإنستغرام جعلها تشعر بحالة أسوأ– وليس واحدة من ثلاث من جميع الفتيات المراهقات. فهذا فرق مهم لم تقم بتوضيحه صحيفة وول ستريت جورنال في تقريرها».
ليس من باب الدفاع عن صحيفة رأس المال المالي «وول ستريت جورنال»، بل من باب الموضوعية، عدنا ببساطة إلى مقال الصحيفة موضع الضجة، فوجدناه يذكر بشكل واضح النتيجة التي ادّعت فيسبوك أنّ الصحيفة شوّهتها، حيث كتبت «وول ستريت» حرفياً ما يلي: «إحدى الوثائق الداخلية [لشركة فيسبوك] تقول: إنه بالنسبة للفتيات المراهقات اللاتي عانين مؤخراً من قضايا الصورة الجسدية، فإنّ إنستغرام جعل هذه المشاعر أسوأ لدى واحدة من ثلاثة منهن».
بعد ذلك وفي 29 أيلول نشرت شركة فيسبوك المالكة لإنستغرام وواتساب، على موقعها الرسمي تنويهاً قالت فيه: «في وقت سابق اليوم، قدمنا للكونغرس مجموعتين بحثيتين كاملتين» منوهة إلى أنّ هذه الأبحاث كانت محور التركيز الأساسي للمقالات ذات الصلة في وول ستريت جورنال، والتي اعتبرتها الشركة «توصيفاً خاطئاً لنتائج أبحاث إنستغرام الداخلية حول المراهقين والرفاهية». ونشرت الشركة ملفين من الأبحاث مضيفة إليهما ما قالت إنها «تعليقات توضيحية لكل شريحة (سلايد)... لأن هذا النوع من البحث مصمم لإعلام المحادثات الداخلية، وتم إنشاء المستندات واستخدامها من قبل الأشخاص الذين فهموا قيود البحث» كما وحاولت الشركة التركيز أكثر على أنّ نسبة من العينة التي درستها بالمقابل أشاروا إلى أنّ إنستغرام «جعل حياتهم أفضل».
لماذا ركزت الشركة على مقارنة المظاهر والجسم؟
إحدى الدراسات الداخلية الست لفيسبوك والتي سرّبتها «وول ستريت» (وليس تلك التي نشرتها فيسبوك رسمياً) تحمل عنوان «صورة الجسم لدى المراهقات والمقارنة الاجتماعية على إنستغرام– دراسة استكشافية في الولايات المتحدة الأمريكية». وفي وصف ملف الدراسة المؤلف من 41 صفحة قالت الصحيفة التي سرّبته: «هذه وثيقة من باحثي فيسبوك، نشرت أوائل العام 2020 على موقع داخلي للشركة، ويتفحص تجربة الفتيات المراهقات مع مقارنات المظهر على وسائل التواصل الاجتماعي، وكيف أثر ذلك على صورتهن الجسدية وصحتهن العقلية».
وتحت عنوان «خلفية الدراسة» طرحت الوثيقة المذكورة السؤال التالي: «لماذا نبدأ بمقارنة المظهر وصورة الجسم لدى الفتيات المراهقات؟» لتجيب، بأنّ «المقارنة الاجتماعية المتكررة تعتبر دافعاً أساسياً للشعور بالسلامة الذاتية، والمراهقون يقولون بأنّ إنستغرام يجعل هذه المشكلة تتفاقم ويزيدها سوءاً» وتتابع: «إنّ 66% من المراهقات يعانين من مقارنة اجتماعية سلبية على تطبيق إنستغرام، في حين كانت هذه النسبة 40% لدى المراهقين. ونسبة 52% من الفتيات المراهقات اللواتي مررن بمقارنات اجتماعية سلبية على إنستغرام قلن بأنّها كانت بسبب صور متعلقة بالجَمال، في حين قالت 32% من المراهقات بأنّهن عندما عانين من مشاعر سيئة حيال أجسادهن، كان إنستغرام يجعلهن يشعرن بمزيد من السوء».
إنستغرام وتسليع المرأة و «الدوّامة النفسية» المدمّرة
قالت الدراسة المسرّبة في ملخّصها التنفيذي الذي تبرز فيه بصمة مشكلات الرأسمالية، وخاصةً ذات النمط الأمريكي، بأنّ «مقارنات الصورة الجسدية تتشكل بفعل ثلاثة عوامل أساسية: مقاييس الجسم، البشرة السليمة، والأزياء. كما وتتضمن المقارنات الاجتماعية الأخرى أنماط حياة مؤثرة، مثل تلك المتعلقة بالكسب السهل للنقود، والعلاقات العائلية أو الرومنسية، والسفر، والتجارب، والمهارات. إنّ الخوض في رحلة تجربة المقارنة الاجتماعية إنما تقلّد دارة معيبة: حيث تكون فيها الأمزجة الموجودة مسبقاً منطلقاً للغرق نحو الأسفل في دوامة عاطفية تتضمن نطاقاً من العواطف السلبية تراوح ما بين الغيرة إلى الاعتقاد الذاتي للمرء بأن شكله مشوَّه».
كما واعترفت الشركة عبر دراستها هذه بأنّ «المقارنة الاجتماعية تكون أسوأ على إنستغرام الذي يتم إدراكه بوصفه حياةً واقعية، ولكن مبنية على معايير المشاهير. ويلعب تصفح البروفايلات- ومتابعتها خلسةً- دور تفعيلِ تهافتٍ لا ينتهي من الوقوع في (جحر الأرنب). ويكون المحتوى الخاص بالمشاهير هو الأكثر تواتراً، أما المحتوى الخاص بالأصدقاء فيكون الأكثر تأثيراً فيما يتعلق بالمقارنة الاجتماعية».
ولاحظت بأنّ جزءاً من المراهقين يتعرضون لحلقة نفسية معيبة أو «دوّامة» وصفتها الدراسة كما يلي: «حالما يكون المراهقون في الدوامة، يمرّون بسلسلة من المشاعر، والتي تشبه كثيراً مراحل الحزن أو الحداد»، ومثّلت الدراسة على إحدى صفحاتها دوامة دائرية الشكل مغلقة ومؤلفة من 6 مراحل تعيد وتكرر نفسها، وهي: (1) الدخول في الصفقة (bargaining): التساؤل: لماذا أنا لا أملك– التساؤل التعجبي حول ما الذي أحتاج أن أفعله لكي أملك– إطلاق الأحكام على الناس الآخرين– تحليل العادات الراهنة. ثم (2) فقدان الأمان، مثل: الشعور بالوحدة. ثم (3) الشعور الذاتي بتشوّه الشكل، بأن ينظر المرء لنفسه بالمرآة بشكل خاطئ ويلتقط شعوراً بعدم الأمان، ويرى الأمور بأضخم من حجمها، ويصبح مهووساً بأشياء صغيرة. ثم (4) الغضب: كالعصبية والنرفزة وهشاشة المزاج وقصر التحمّل. ثم (5) الشلل بأداء مهامه في المدرسة والعمل. وأخيراً (6) الانسحاب: كالاستسلام أو العزلة في البيت وما شابه ذلك. وهكذا دواليك تتكرر الدوامة ويزداد الوضع سوءاً.
كما وأشارت الدراسة إلى أنه «بخلاف إنستغرام فإنّ التطبيقات الأخرى تكون مغلّفةً بفلاتر المرح: (تك توك) يقوم أساساً على الرقص والمرح. أما (سناب شات) فيتعلق أكثر بعنصر المرح الذي يركز على الوجه وليس على الجسم. وفي الطرف الآخر من الطيف هناك VSCO الذي هو عبارة عن حُلمٍ منفصل منقّح بنسبة 100%».
هل يستطيع منطق الرأسمالية علاج أمراضها؟
كان ملفتاً للانتباه أيضاً في الدراسة المذكورة، التوصيات التي خلص إليها الباحثون لصالح الشركة، والتي من الواضح أنّها تحاول طرح «إصلاحات» شكلية وتقنية تبدو بعيدة عن المساس بتغيير جذري مهم بالمضمون، بل يُستَشعَر منها حتى محاولة بيع المستخدمين مزيداً من الأوهام، حيث خلص باحثو الشركة إلى القول: «يمكننا كسر حلقة المقارنة الاجتماعية عن طريق مجموعة من التدخلات المستهدفة، كالاحتفاء بإنجازات صغيرة، ولكن ذات معنى، وأن نظهر لمستخدمي التطبيق أن أمورهم تسير قدماً نحو الهدف، وتخصيص أو شخصنة تجربة إنستغرام، عبر السماح للمستخدمين بأنْ يُعبّروا بسهولة عن عدم الإعجاب بأنماط من المحتوى، وذلك من أجل تخصيص الخوارزمية على التصفح. والسماح بسهولة أكبر باقتصاص الصورة، سواء للمتابَعين أو المتابِعين».
وحتى الاقتراحات التي تبدو اعترافاً بمشكلات المضمون الربحي والتسليعي لإنستغرام، تجعلنا نتساءل حول مدى قابلية تبنّيها وتطبيقها عملياً من الشركة التي همّها الأول جني أعلى الأرباح، ولن تتبنّى شيئاً يضرّ بذلك، فمن بين الاقتراحات قال باحثو الشركة: «أخذ استراحات عقلية مفصّلة على ما يناسب الشخص بحيث نكسر الدوامة ونساعد الناس بأن يتذكروا بأن إنستغرام ليس هو الحياة الواقعية– تحويل الدفة من جانب الحسد إلى الاستلهام، وذلك عبر جهد متناغم لتغيير المعايير المتعلقة بمشاركة المحتوى وتسليط الأضواء التي تعطي الإلهام، ولكن دون أن تقدح زناداً تحريضياً– إبراز فلاتر (المرح) بدلاً من الفلاتر المصممة خصيصاً لإسباغ الجمال– الاعتماد على أدوات قياس الوقت المستغرق لتذكير المراهقين بأخذ فاصل استراحة من إنستغرام– التواصل في مملكة المقارنة الاجتماعية يحتاج إلى أن يكون المصدر شخصاً يتم النظر إليه بوصفه غير كامل، بل يقبل بعيوبه، لا شخصاً يمثل صورة الكمال».
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 1041