«الجوسيبول» السامّ في زيت القطن ونِسَبُه في الأصناف السوريّة

«الجوسيبول» السامّ في زيت القطن ونِسَبُه في الأصناف السوريّة

ظهرت إلى الإعلام المحلي منتصف الشهر الجاري (15 أيلول 2021) قضية خطيرة تمس السلامة الغذائية، وهي اكتشاف أكاديميّين سوريّين أنّ زيوت بذور القطن التي تم طرحها في شباط الماضي في صالات السورية للتجارة «غير صحية ولا تصلح للاستهلاك البشري» نظراً لاحتوائها على مركب «الجوسيبول» السام. فما هي هذه المادة من الناحية الكيمائية؟ وما سمّيتها البيولوجية؟ وما نسبها في بذور القطن؟ وما نسبتها الآمنة لزيت طعام بشري؟ وهل دُرِسَت في القطن السوري؟ نحاول في هذه المادة جمع إجابات مما توفر لنا من معلومات، وخاصة من دراسة سوريّة محلية مهمّة حول الموضوع تعود للعام 2011.

أهمية زيت بذور القطن

يحتل إنتاج زيت بذرة القطن المرتبة السادسة عالمياً بين الزيوت الغذائية النباتية، بعد زيت النخيل وفول الصويا وزيت اللفت ودوار الشمس والفول السوداني (الفاو 2009). وكانت مساهمة سورية خلال الأعوام 2005 إلى 2008 بإنتاج زيت بذور القطن هي 52% من الإنتاج العربي، وكانت تليها مصر 31% ثم السودان 13%، وباقي الدول العربية 3%. ويستخدم هذا الزيت غذائياً وبصناعة الزبدة النباتية، وإنتاج سمن صناعي للمأكولات والحلويات. ولذلك يستهلك بكميات كبيرة في دول حوض المتوسط. ويحوي زيت بذور القطن من الأحماض الدسمة المشبعة نحو 24 إلى 27% وغير المشبعة 73% إلى 76%، والنسبة الكبرى حمض اللينولييك يليه الأولييك[1]. ونسبة البروتين في كسبة بذور القطن عالية لذلك فهو مرغوب للأعلاف، وفي سورية تراوح نسبة البروتين في بذور القطن ما بين 48,9% لصنف «حلب-118» وحتى 51,6% لصنف «رقة-5».[1].
وتتألف بذرة القطن المحلوجة من 3 أقسام: أ- اللنت 7–13% من البذور. ب-القشور 32–40%. ج-اللب 50–58% ويتركز فيه الزيت [1].

الجوسيبول سُمّ طبيعي في القطن

يتميز زيت بذور القطن بلونه الأسمر الداكن واحتوائه على الجوسيبول ومشتقاته التي تصعب إزالتها أثناء التكرير فتؤثر بنوعية الزيت الناتج وتكسبه لوناً بنيّاً قاتماً [1]. لذلك تميّزه المراجع بخصوصية أنه لا يمكن تكريره بطرق فيزيائية بحتة، بل يتطلب تنقية كيميائية عبر معالجته قلوياً لإزالة الجوسيبول الحر السام منه.
والغوسيبول Gossypol، أو «جوسيبول»، هو مركب كيميائي عضوي يوجد طبيعياً كصباغ أصفر اللون عديد الفينول غير طيّار، عُزِل لأوّل مرة عام 1889 من نبات القطن حيث يتركّز في بذوره الكاملة ضمن غدد صباغية (ولكن يوجد أيضاً في جذوره وسوقه)، ولذلك سمّي «غوسيبول» من اسم جنس نبات القطن وهو «غوسيبيوم» Gossypium التي تنتمي للفصيلة الخبازية Malvacea. ويستخدمه نبات القطن كمبيد طبيعي ليدافع عن نفسه ضد الحشرات.
ويوجد بشكلين أساسيين: الجوسيبول المرتبط بالبروتينات (غير سامّ)، والجوسيبول الحرّ غير المرتبط وهو السامّ الموجود في بذور القطن الخام غير المعالَجة أو سيئة المعالجة، والمشكلة أنّ الشكل السام يمتص بسهولة من أمعاء الحيوانات ذات المعدة الواحدة (ومنها الإنسان)، أما الحيوانات المجترّة البالغة فتكون مقاوِمة نسبياً له بفضل قدرتها على نزع سمّيته بربطه بالبروتينات في المعدة الأولى (rumen). ولكن حتى المجترّات قد تتسمّم بالغوسيبول في «الكسبة» فوق كميات مفرطة معيّنة.

الغوسيبول كسبب للعقم

لوحظ تأثير الغوسيبول على الخصوبة لدى البشر لأول مرة في الصين خلال سنوات ما بعد 1930 و1940 حيث لم يتم تسجيل أيّة حالة ولادة في منطقة محددة من الصين تخلّى أهلها، لضائقة اقتصادية، عن زيت فول الصويا واستعملوا بدلاً منه زيت بذور القطن الخام (غير المعالج)، فعانت نساؤهم من انقطاع الطمث ورجالهم من العقم. حتى أن دراسات لاحقة توجهت للتفكير باستعماله كمانع حمل.
وعموماً، يعطل الجوسيبول الحر التناسل لدى الحيوانات أحادية المعدة (حتى بالتراكيز التي تصادَف أحياناً في المقنّنات العلفية التجارية). حيث يضر بآليات إنتاج النطاف وحركتها.

سمّية الغوسيبول للقلب والأعضاء

يسبب الغوسيبول الحر تنكّساً مترقّياً (تدريجياً) ونخراً للعضلة القلبية وفشلاً بالنقل الكهربائي القلبي، ويعرقل حركة شوارد البوتاسيوم عبر الأغشية الخلوية، والتي افترضت كآلية للموت المفاجئ به. ويؤدي إلى قصور القلب الاحتقاني. سميته الكبدية هي غالباً نتيجة ثانوية لقصور القلب الاحتقاني، أو تثبيط وظيفة أنزيم glutathione-S-transferase.
والغوسيبول الممتص عبر الأمعاء طويل العمر في الجسم، تم كشفه في بلازما الدم والقلب والكلى والعضلات والخصيتين. وطريقة إطراحه الأساسية هي عبر البراز، مع إطراح محدود لمُستَقلباته في البول. ورغم عدم إطراحه في حليب المُرضِع، لكن ذكرت تأثيراته الضارة على التطور الباكر للجنين، ربما بسبب سميّته للجسم الأصفر. أما المراجع البيطرية فتذكر بأنّ التسمم بالغوسيبول سيّئ الإنذار، فليس له ترياق أو علاج، والحل الوحيد التوقف مباشرةً عن تقديم العلف الذي يحتوي عليه.

الجوسيبول في بذور القطن السوري

ذكرت «مجموعة البروتين الاستشارية للأمم المتحدة» أنّ نسبة الغوسيبول الحر (السامّ) في دقيق بذور القطن المصنّف قابلاً للاستهلاك الطعامي البشري edible-grade يجب ألّا تتجاوز نسبة 0,06% (ستة على عشرة آلاف). وهناك واحدة قياس أخرى هي عدد الجزيئات بالمليون ppm، فإحدى طرق الفلترة الفائقة عبر المعالجة بالأمونيا تستطيع تخفيض تركيز الجوسيبول من 3800 جزيئاً بالمليون ليصبح 100 جزيء بالمليون [2].
سنعتمد أدناه على دراسة مهمّة للأستاذ الدكتور محمد ديب ندّاف، من قسم علوم الأغذية في كلية الزراعة في جامعة تشرين السورية (اللاذقية)، منشورة عام 2011 بعنوان «دراسة أهم المكونات الكيميائية لبذور بعض أصناف القطن المزروعة في سورية، وبعض مواصفات الزيت والكسب الناتجين منها» [1] حيث درس أربعة أصناف من بذور القطن المزروعة في سورية (صنف حلب-118، حلب-90، حلب-40، الرقة-5).
وكانت نسب الجوسيبول الحر (السام) والمرتبط في زيت بذور الأصناف المدروسة كما يلي:
أولاً– الجوسيبول الحر: 0,25% و0,31% و0,30% و0,40%. وتعليقاً على هذه النسب تقول الدراسة «وهذا ما يؤكد انخفاض استخلاص الجوسيبول من العجينة مع الزيت بالمذيب العضوي الهكسان في ظروف الاستخلاص المباشر دون معاملة العجينة قبل الاستخلاص بهدف تحرر الجوسيبول من الغدد الجوسيبولية».
ثانياً– الجوسيبول المرتبط: 0,14% و0,14% و0,16% و0,16%. ويعود اختلافها «إلى اختلاف كل من درجة الحرارة التي يتعرض لها الزيت ومدة التعرض».
ثالثاً– الجوسيبول المتغير: 0,20% و0,16% و0,22% و0,20% ويعود اختلافها «إلى عوامل عدة، منها مدى توافر الأوكسجين وتغيرات درجة الحرارة التي يتعرض لها الزيت».

خلاصة

في ظلّ القضية المثارة حالياً حول عدم صلاحية كميات من زيت القطن الموجود في سورية للاستهلاك البشري، يجدر التذكير بأنّ هناك بوناً شاسعاً وانفصالاً خطيراً بين واقع الممارسات الاقتصادية الفعلية من جهة ومخرجات الأبحاث العلمية في سورية، كما سوف يتبيّن القارئ نفسه من مقارنة الواقع الحالي بـ «الاستنتاجات والتوصيات» التي انتهت إليها الدراسة السورية المذكورة أعلاه من جامعة تشرين (منذ 10 سنوات) ونذكرها هنا بتلخيص:
1– إجراء دراسات علمية دقيقة لبقية الأصناف المزروعة لاختيار أفضلها مصدراً لزيت جيد في صفاته ونوعيته وصالحاً لاستخدامه بعمليات التصنيع الغذائي.
2– إجراء الأبحاث العلمية في مجال إيجاد أصناف قطن محلية تتميز بانخفاض محتوى بذورها من غدد الجوسيبول.
3– مراقبة كمية بذور القطن المنتجة محلياً في مصانع الزيوت من حيث محتواها من الجوسيبول الحر، وهذا له كبير الأثر على قيمتها الغذائية وصلاحيتها للاستخدام علفاً للحيوانات والدواجن.
4– بذل الجهد ما أمكن لتقليل تحولات الجوسيبول في أثناء عمليات استخراج الزيت وتنقيته وتكريره لأنه ينتج عن هذه التحولات مركبات تصعّب التنقية وتزيد فاقد الزيت وتخفّض جودته.
5– إجراء المزيد من الأبحاث العلمية للوصول إلى طريقة تكنولوجية يمكن استخدامها وتضمن عزل الجوسيبول في أثناء استخلاص الزيت من عجينة بذور القطن بشكلها الحر وذلك لتحسين جودة كل من الزيت والكسبة الناتجين، والاستفادة منه في مجالات صناعية مختلفة.

المصادر:

[1] د. محمد ديب نداف، مجلة جامعة تشرين للبحوث والدراسات العلمية (سلسلة العلوم البيولوجية، المجلد33، العدد3، 2011).
[2].Bailey’s Industrial Oil and Fat Products, 6th ed., Edited by Fereidoon Shahidi, 2005, John Wiley & Sons, new jersey (USA) and Canada.
[3].Irradiation of Food Commodities, Techniques, Applications, Detection, Legislation, Safety and Consumer Opinion (Ioannis S. Arvanitoyannis 2010).

معلومات إضافية

العدد رقم:
1036
آخر تعديل على الإثنين, 20 أيلول/سبتمبر 2021 23:08