اكتشاف كائنات غريبة في الصين تعود لأكثر من نصف مليار سنة!
شيانفينغ يانغ وزملاؤه شيانفينغ يانغ وزملاؤه

اكتشاف كائنات غريبة في الصين تعود لأكثر من نصف مليار سنة!

كشف فريقٌ صيني من علماء الحفريات، في تقرير نُشِرَ أواخر حزيران الماضي، عن عثورهم في كونمينغ في الصين، على أقدم سجل أحفوري بيولوجي رسوبي معروف حتى الآن وأكثره تنوعاً. وتضم المكتشفات كائنات صغيرة متحجّرة، بما فيها نحو 17 من الأنواع الجديدة التي تكتشف لأول مرة، مدفونة تحت انهيار جليدي من رواسب مغرقة في القدم، وتعود إلى العصر الكمبري قبل نحو 518 مليون سنة. ويتضمن موقع الاكتشاف المدعو «مَرسَب هايان» أكثر من 2800 عينة من 118 نوعاً على الأقل، بما فيها السلائف للحشرات الحديثة والديدان والقشريات وقنديل البحر والإسفنج وثلاثيات الفصوص والفقاريات الباكرة ذات الصلة بالأسماك عديمة الفك. ولا تزال الأنسجة الرخوة الداخلية مرئية، كما وجدوا هناك بيوضاً محفوظة ويرقات. وتم نشر تقريرهم في مجلة «الطبيعة لعلوم البيئة والتطوّر» Nature Ecology and Evolution بتاريخ 28 حزيران 2021. وفيما يلي ملخّص عن بعض هذه الاكتشافات المهمّة.

تعريب وإعداد: د. أسامة دليقان

شهد العصر الكمبري، في الفترة بين 541 إلى 485 مليون سنة خلت، تغيرات مناخية وبيولوجية كبيرة، بما في ذلك «الانفجار الكمبري»، وهو التنويع الأسرع والأكثر انتشاراً للحياة في تاريخ كوكب الأرض. وهناك سجلٌّ أحفوري كبير من تلك الحقبة، عندما كان المحيط هو المكان الحصري الذي يعجُّ بالحياة.

مَرسَب هاينان

تحتوي الرواسب الأحفورية المكتشفة في الموقع المسمى «مَرسَب هاينان» Haiyan Lagerstätte، على مجموعة دفينة محفوظة بشكل استثنائي من الفقاريات المبكرة وغيرها من الكائنات النادرة ذات الأجسام الرخوة، والتي يوجد أكثر من 50% منها في مراحل تطور اليرقات والأفراد الفتية. يعود تاريخها إلى العصر الجيولوجي الكمبري منذ حوالي 518 مليون سنة، واستطاع الباحثون الحصول على 2846 عينة منها حتى الآن.
وقاد فريق البحث العالم الصيني شيانفينغ يان Xianfeng Yang المختص بالأحياء القديمة في جامعة «يونان» بالصين. وميّز الباحثون 118 نوعاً بين الأحياء المكتشفة، بما في ذلك 17 نوعاً جديداً تُكتشف لأول مرة، في هذا «المَرْسَب الأُحفوري الاستثنائي» lagerstätte (وهو مصطلح يعني موقعاً لرواسب من حفريات محفوظة بشكل أكثر من المعتاد، بما فيها أحياناً الأنسجة الرخوة).
وتشمل الأنواع المكتشفة بالموقع وَفرةً من حفريات فتيّة نادرة لا تزال زوائدها بحالة سليمة وأنسجتها الرخوة الداخلية مرئية، وأجزاء من الجسم لم تسبق رؤيتها من قبل، مثل «العيون ثلاثية الأبعاد».
ووفقاً للباحثين، يمكن للعلماء استخدام التصوير المقطعي المُحَوسَب CT لإعادة بناء أشكال ثلاثية الأبعاد للحيوانات.
ويحتوي المَرسَب المذكور على العديد من «مِهادات الأحداث»، أو الطبقات الرسوبية حيث توجد الحفريات. وتمثل كل طبقة منها «حدث دفن واحد». وجميع الأنواع التي تم تحديدها في الدراسة موجودة في الطبقة الدنيا، إضافة للطبقات اللاحقة التي تحتوي على أنواع متنوعة، ولكنّ امتدادها لا يصل إلى المستوى الأدنى.

1026-i5

«ماوتنشانيا الأسطوانية» Maotianshania Cylindrica دودة بحرية منقرضة من العصر الكمبري، من شعبة «القضيبيات»، تشبه الدودة متوسطة الحجم، تظهر قناتها الهضمية المركزية مظلمة، ويحمل بلعومها الأمامي و «طوقها» أسناناً داكنة اللون.

لماذا لجأت الأحياء إلى هنا؟

يعتقد الباحثون أن هذه الفواصل الزمنية ربما كانت تمثّل فترات «الازدهار» و«الكساد» في الجماعات الحية البحرية. وربما جاءت العديد من الأنواع إلى المنطقة– في ذلك الوقت الذي كانت فيه المياه العميقة تقع باتجاه وسط خليج كونمينغ– لأحد السببين التاليين أو لكليهما معاً: (1) إما بحثاً عن الحماية من التيارات البحرية القوية. ومع ذلك، فإن التغيير في مستويات الأكسجين أو الأحداث العاصفة التي تسببت في تدفق الرواسب إلى أسفل المنحدر، ودفن كل شيء في مسارها ربما تَسبَّب في حدوث انقراضات. (2) أو ربما اختارت الأنواع الموجودة التكاثر بالموقع لما يوفره من حماية لها من المفترسات، حيث تشير الوفرة من حفريات الكائنات اليافعة إلى أنّ مَرْسَب هاينان ربما كان «حضانة لأحياء قديمة» paleonursery.
وتساءلت سارة كيميغ: «هل يمكن لهذه الديدان وقناديل البحر والبق تطوير شيء معقّد مثل حضانة أحياء قديمة لتربية صغارها؟ مهما كانت الحالة، من الرائع أن تكون قادراً على موازاة هذا السلوك مع سلوك الحيوانات الحديثة». وهذا يساعد على دراسة كيفية تطور هذه الحيوانات القديمة من اليرقات إلى مرحلة البلوغ.
وبدوره قال جوليان كيميغ: «سنرى كيف نمت أجزاء الجسم المختلفة بمرور الوقت، وهو شيء لا نعرفه حالياً لمعظم هذه المجموعات... وستعطينا هذه الحفريات مزيداً من المعلومات حول علاقتها بالحيوانات الحديثة. وسنرى ما إذا كانت كيفية تطورها اليوم مشابهة للطريقة التي تطورت بها قبل 500 مليون سنة، أم إذا تغير شيء ما على مدار الزمن».
وقالت سارة كيميغ: «سيكون مَرسَب هاينان ثروةً من المعرفة تتحرك إلى الأمام للعديد من الباحثين، ليس فقط بالنسبة لعلم الحفريات، بل وكذلك لإعادة بناء صورةٍ عن البيئة القديمة». وتودّ هي وزملاؤها القيام بذلك عبر إجراء تحليلات جيوكيميائية على العينات والرواسب.

1026-i6

حفرية لكائن يدعى Leanchoilia illecebrosa من مفصليات الأرجل اليافعة، تظهر تفاصيل تشريحية دقيقة للزوائد والمحافظة على القناة الهضمية.

1026-i7

حفرية لكائن في طوره اليافع، ويسمى «متساوي الأسطح كبير الأذن» Isoxys auritus وهو من مفصليات الأرجل. وما تزال الحفرية محتفظة بعينيها الكرويتين الكبيرتين وأنسجتها الداخلية الرخوة. من المحتمل أنه كان مفترساً بصرياً يصطاد ويسبح فوق قاع البحر. ولديه زوائد أمامية قوية للإمساك بالفريسة، ويدفع بنفسه عبر الضرب بنحو 14 من أرجل السباحة المقلوبة (exopods) ويتوجّه بذيل يشبه الرفراف.

  • مؤلّفو البحث الأصلي: شيانفينغ يانغ، جوليين كيميغ، دايو تشاي، يو ليو، سارة كيميغ، شانتشي بنغ. وتقريرهم بعنوان «مجتمع كائنات قديمة غنيّ بالأطوار الفتية وعائد إلى العصر الكمبري الأدنى في شينجيانغ يسلّط الضوء على ازدهار وانهيار البيئات المغرقة في القدم».
    A juvenile-rich palaeocommunity of the lower Cambrian Chengjiang biota sheds light on palaeo-boom or palaeo-bust environments
    وهو منشور بتاريخ 28 حزيران 2021 في مجلة «الطبيعة لعلوم البيئة والتطور». وأُجري البحث بتمويل من المؤسسة الوطنية للعلوم الطبيعية في الصين، ومختبر الدولة الرئيسي لعلم الأحياء القديمة وعلم الطبقات في معهد نانجينغ للجيولوجيا وعلم الحفريات، وبرنامج البحوث الرئيسية لمعهد الجيولوجيا والجيوفيزياء، الأكاديمية الصينية للعلوم.

معلومات إضافية

العدد رقم:
1026