الماء على القمر: اكتشاف سوفييتي منذ 1978

الماء على القمر: اكتشاف سوفييتي منذ 1978

قبل أيام قليلة، في 26 تشرين الأول 2020، أثارت وكالة الفضاء الأمريكية ناسا استغراب وسخرية كثير من العلماء، وحتى علماء أمريكيين، بسبب إعلانها التالي: «أكد مرصد الستراتوسفير التابع لوكالة ناسا لعلم الفلك بالأشعة تحت الحمراء (SOFIA)، لأول مرة، وجود الماء على سطح القمر المضاء بنور الشمس. يشير هذا الاكتشاف إلى أنه يمكن توزع الماء عبر سطح القمر، وليس مقتصراً على الأماكن الباردة الظليلة». وخرجت أكثر الردود تداولاً على هذا ادّعاء «الأسبقية» الأمريكي الكاذب هذا، من مدير مختبر التحليل الطيفي لأشعة غاما الفضائية الروسي ميتروفانوف في حديث لنوفوستي. مشيراً إلى أنّ اكتشاف الماء على السطح القمري المُضاء بالشمس ليس جديداً، بل أنجز بالفعل «بواسطة جهاز LEND الروسي» فيما يعتبر على الأقل اكتشافاً روسياً- أمريكياً مشتركاً، كون الجهاز صنع بالتعاون مع أمريكا، وثبت على القمر الصناعي الأمريكي LRO.

ملخص اكتشاف 2010

بالعودة إلى المقال الذي أشار إليه ميتروفانوف نقرأ في ملخصه بالفعل ما يلي: «تُظهر بيانات LEND عدة مناطق يتم فيها تثبيط تدفق النيوترونات فوق الحرارية من السطح، مما يدل على محتوى الهيدروجين المحسَّن. ولا تتطابق هذه المناطق مكانياً مع مناطق القمر الظليلة بشكل دائم» [أي: إنها مناطق تنار بالشمس].

أول من اكتشف الماء
القمري هم السوفييت

فيما يلي نورد المعلومات التي كتبها العالم أرلين كروتس Arlin Crotts في كتابه الصادر على 2014 عن جامعة كمبريدج، بعنوان «القمر الجديد، استكشاف الماء والاستيطان المستقبلي»:
بحلول أوائل السبعينات من القرن الماضي، كان الاعتقاد بجفاف القمر من الماء هو السائد. ولا سيما بين الجيولوجيين القمريين في الولايات المتحدة. لكن المهمة الأخيرة لسباق القمر، التي قام بها السوفييت، كان يفترَض أن تغير هذا الاعتقاد، لو لم يتم تجاهلها! ففي 9 آب 1976، أطلقت الرحلة غير المأهولة Luna 24 نحو القمر على صاروخ بروتون، وبعد تسعة أيام هبطت بسلام في جنوب «بحر الأزمات» على القمر Mare Crisium التي لم تكن مستكشفة بعد. في غضون 24 ساعة، نشرت منصة حفر، واستخرجت عينة أساسية من عمق مترين في القمر، خزنته في كبسولة العودة، وانطلقت مرة أخرى مع 170 جراماً من التربة القمرية. بعد أربعة أيام نجحت في دخول الغلاف الجوي للأرض فوق سيبيريا، مع أخذ العينة الأساسية إلى موسكو سليمة وغير ملوثة (على حدّ علمنا). وكانت هذه آخر مهمة قمرية للاتحاد السوفييتي.

وبفحص العينة اكتشف ثلاثة علماء الروس (م. أخمانوفا، ب. ديمنتيف، م. ماركوف) من معهد فيردانسكي للجيوكيمياء والكيمياء التحليلية التابع لأكاديمية العلوم السوفييتية، بأنّها تحوي على نسبة 0,1% من كتلتها ماءً، تمت رؤيتها بواسطة مقياس طيف الامتصاص بالأشعة تحت الحمراء (بطول موجة 3 ميكرونات تقريباً)، وهو كشفٌ يفوق العتبة بحوالي 10 مرات. كما اكتشفوا بأنّ إشارة الماء تميل إلى الزيادة كلما كانت حبيبيات التربة القمرية من موضع أعمق من العينة تحت سطح القمر.

عنوان متواضِع
و«العبرة ليست في الكمية»

عنوان ورقتهم الأصلي في مجلة الجيوكيمياء Geokhimiia باللغة الروسية بعددها الصادر في شباط 1978 يترجم إلى: «ماء في ثرى بحر الأزمات (لونا 24)؟» (مع إشارة استفهام) وفي الإصدار الإنكليزي للمجلة جاء العنوان «ماءٌ ممكن في ثرى لونا 24 من بحر الأزمات» Possible Water in Luna 24 Regolith from the Sea of ​​Crises. وذلك على الرغم من أنّ الورقة بالداخل وخلاصتها تشير بشكل تأكيدي على اكتشاف الماء، وأنّه لا تظهر أية علامات تشير إلى احتمال امتصاص الماء من الهواء (تلوث العينة لاحقاً بالماء مثلاً). ولكنهم كانوا على ما يبدو غير مستعدين للمغامرة بسمعتهم في تصريحات قاطعة كثيراً بشأن عدم وجود التلوث من ماء الأرض. رغم أنهم اتخذوا كل الاحتياطات الممكنة ويؤكدون على ضرورة متابعة هذه النتيجة بأبحاث لاحقة. البعثات السوفييتية التي جلبت عينات قمرية هي (لونا 16 و20 و24) من 1970 – 1976 وجلبت ما مجموعه 327 غراماً من التربة القمرية. في حين جلبت مهمات أبولو الأمريكية الست للهبوط على سطح القمر في 1969– 1972 كمية مجموعها 381700 غراماً (قرابة 382 كيلو غرام) من الصخور والتربة. فاز أبولو بسباق العينات، لكن لم يستشهد أي مؤلف آخر [قبل الكاتب سنة 2012 ثم 2014] بإنجاز لونا 24 السوفييتي، باكتشاف الماء، رغم عيناتهم الصغيرة.

لماذا احتمال تلوث عينة لونا24 ضعيف؟

يذكر مؤلف الكتاب آرلين كروتس، بأنّه تواصل مع بوريس ديمينتيف (أحد المكشتفين الثلاثة) في آذار 2010 وسأله عن سلامة عينة Luna 24 الأساسية؛ فلم ينفِ إمكانية امتصاص بخار الماء من المختبر، لكن اختباراتهم أظهرت أنه احتمال ضعيف جداً. والعينة تم نقلها في بيئة معملية/ قفاز، وليس صناديق قفاز لا مائية مثل عينات أبولو. سيكون لونا 24 حالة ممتازة لمقياس الطيف الكتلي بالتحلل الحراري للتمييز بين الترطيب الأرضي، وبين ذلك المرتبط بشدة في الثرى. تم دفع Luna 24 بواسطة UDMH (ثنائي ميثيل هيدرازين غير متماثل). ورابع أكسيد ثنائي النيتروجين (N2O4) بالإضافة إلى حمض النيتريك (HNO3)، وحرقه إلى N2 وHO وCO2، مما يشير إلى أن الموقع قد يكون ملوثاً ببخار الماء من عادم الصاروخ. ولكن للحصول على نسبة 0,1% ماء من كتلة الثرى التي اكتشفت إلى عمق مترين يتطلب الأمر 15 كيلوغراماً على الأقل من الماء، مقابل حوالي 300 كغ من الوقود المستخدم للهبوط (وبالتالي حوالي 100 كغ من الماء). تسربت الغالبية العظمى من عوادم بخار الماء مباشرة إلى الفراغ، لذا فإن وصول الماء إلى العينة الأساسية بواسطة العادم يبدو غير مرجح.

طرق سوفييتية
خاصة بكشف الماء

مع النيوترونات فوق الحرارية والرادار الذي يتتبع المياه القمرية، تم تطوير طرق إضافية. وإحدى التقنيات المستخدمة في عينات Luna 24 تمّ تطويرها بواسطة أخمانوفا وزملائها: امتصاص الضوء عن طريق ترطيب المشابك المعدنية لحبوب الغبار. يحدث نطاق الامتصاص هذا حوالي 2,9 ميكرون من الطول الموجي في الأشعة تحت الحمراء القريبة، بسبب زيادة طاقة الاهتزاز (والدوران) لجزيئات الماء. نظراً لأن هذه الاهتزازات تتوافق جزئياً مع تمدد وتقلص الرابطة بين الأكسجين وذرة الهيدروجين، فإن هيدروكسيل الجذور الحرة (OH) يمتص أطوال موجية مماثلة. يظهر الماء (والهيدروكسيل) أيضاً في الغلاف الجوي للأرض، لذلك يمتص نطاقاً جوياً مشابهاً في العديد من هذه الأطوال الموجية.

لونا 25 الروسية
إلى القمر في 2021

أوردت وكالة روس- كوزموس الخبر التالي في 7 أيار 2020: «من المقرر في عام 2021إطلاق المركبة الفضائية الروسية Luna-25، والتي ستكون امتداداً للمحطات السوفييتية التي تحمل الاسم نفسه. في الوقت الحاضر، أعمال تطوير Luna-Glob والتي في إطارها Luna-25 المركبة الفضائية التي يتم إنشاؤها، هي في مرحلة الاختبار الأرضي للمنتجات التجريبية. ومن المقرر الانتهاء من إنتاج واختبار المركبة الفضائية Luna-25 في صيف عام 2021. والخطوة الإلزامية في إنشاء المركبة الفضائية، هي الاختبارات الكهربائية والوظيفية اللازمة لتأكيد الخصائص المحددة لجميع المكونات. ستبدأ اختبارات الجهاز المجمع في الربع الأول من عام 2021. ومن المقرر إطلاق المحطة الآلية بين الكواكب لونا–25 إلى القمر الطبيعي للأرض في 1 تشرين الأول 2021»

معلومات إضافية

العدد رقم:
990