بأيّ معنى لقاح كورونا الروسي «استثنائي»؟
أعلنت روسيا الاتحادية (ممثلة برئيسها ووزير صحتها) في 11 آب 2020 عن أول تسجيل رسمي في العالم للقاح فيروس كورونا المستجد، وفق نوعٍ من تراخيص الطوارئ المشروطة باستكمال باقي أطوار التجارب السريرية والأبحاث، وذلك بعد إنهاء الطور الثاني منها، علماً بوجود سوابق حصلت فيها شركات غربية على تراخيص مستعجلة مشابهة في وقت لم تكن فيه قد أنجزت سوى الطور السريري الثاني Phase2 فقط، مثل لقاح بيل غيتس الجديد لشلل الأطفال nOPV2 صيف 2019، أو حتى الطور الأول Phase1 فقط، مثل لقاح للإنفلونزا من شركة ميد- إيميون (أسترازينيكا) عام 2016. تتناول هذه المادة عدة أدلة على أنّ اللقاح الروسي الجديد استثنائي بالفعل، ولكن ليس بسبب «الانتهاك» المزعوم للقواعد والعادات العلمية الدولية، بل لأنه تحديداً خرقٌ علميٌّ واقتصادي- سياسي وحضاري لقواعد الهيمنة الغربية المُزمنة في الاحتكار والتبادل اللامتكافئ وتقسيم العمل الدولي.
يأتي هذا الإنجاز الروسي بعد أقل من تسعة أشهر من ظهور وباء كوفيد19، وتجاوزت الإصابات المسجلة عالمياً 21 مليون إنسان، و768 ألف وفاة، في 213 بلداً. وأعلنت روسيا يوم أمس، 15 آب، البدء بإنتاج أولى دفعات اللقاح، مع تخطيطها لكشف تفاصيل أكثر عن نتائج التجارب والأبحاث أمام العالَم قبل نهاية هذا الشهر، والانطلاق بالإنتاج الواسع في أيلول، وبدء التطعيم العام في تشرين الأول، مع إعطاء الأولوية لجيشها الأبيض ومعلّميها، بسبب الخطورة العالية لهاتين الشريحتين كمعرَّضين للعدوى وناقلين لها.
اللقاح غير قسري
شدد الرئيس بوتين على أن التطعيم سيكون طوعياً وليس قسرياً؛ وهو أمر في غاية الحساسية والأهمية، يساعد في طمأنة كثيرٍ من الناس المتشككين، لاعتبارات واعتقادات مختلفة ومتنوعة قد لا يلام الناس عليها، بسبب تجاربهم المريرة مع فضائح الأضرار والاستخدامات المشبوهة للقاحات غربية ارتبطت تحديداً باسم بيل غيتس، سواء لإحداث العقم مثلاً دون «موافقة مستنيرة»، أو بسبب الأضرار؛ فحسب آخر تقرير عن «برنامج تعويضات أذيات التلقيح الوطني» VICP في الولايات المتحدة، الصادر في الأول من الشهر الحالي: «منذ العام 1988، رُفعت إلى البرنامج 22130 قضية. وعلى مدى 30 سنة تم البت في 19114 قضية منها، حيث حصلت 7477 قضية على تعويضات، بينما رُفضت 11637 قضية. وبلغ مجموع التعويضات منذ تأسيس هذا البرنامج مبلغ 4,4 مليار دولار». وبالطبع هذا المبلغ ليس كبيراً بالمقارنة مع الأرباح الهائلة لشركات اللقاحات، عدا عن الأضرار التي رُفض التعويض عنها، أو لا يبلّغ الناس عنها أصلاً بسبب عدم شكّهم بأنها قد تكون فعلاً ناجمة عن اللقاح، ولا سيما مع الثقة المبالغ فيها والقدسية التي جذّرتها الشركات عبر عقود من الزمن في عقول الناس حول أمان لقاحاتها.
وخلافاً لما هو معتاد في كثير من اللقاحات الغربية، يجدر بالذكر بأن اللقاح الروسي الجديد لن يكون فقط غير قسري، بل ومجاني للمواطنين أيضاً، وفق ما صرح به على الأقل سوبيانين، عمدة موسكو، في 25 تموز الماضي.
من الجوانب العلمية لهذا اللقاح
اللقاح الروسي الجديد الذي أعطي لقب «سبوتنيك في» Sputnik V والتي تم تأويلها غالباً بأنّ V الحرف الأول من كلمة «انتصار» Victory حسب المعلومات المتوفرة من الموقع الرسمي للقاح sputnikvaccine.com المتوفر بسبع لغات، بينها العربية، فإن أهم المعلومات التي يمكننا معرفتها هي التالية:
اللقاح قائم على تقنية مطورة فريدة من نوعها في العالم من حيث استخدامها لنوعين مختلفين من النواقل الفيروسية الغدية Adenoviruses (الأول، من النمط المصلي Ad5 والثاني، من النمط المصلي Ad26). حيث يتم التعديل الوراثي لدنا الفيروس الغدي بتعطيل المورثات التي تسبب تكاثره من جهة، وبإضافة مورثة فيروس كورونا SARS-Cov-2 المسؤولة عن تشفير البروتين الشوكي S الذي يعتبر المستضد الأساس الذي تتعرف عليه مناعة الجسم. أي بما أنّ ما يدخل جسمنا مع اللقاح هو ليس الفيروس الكامل كورونا، لا حيّاً ولا مقتولاً، بل فقط هذا الجزء الصغير من مادته الوراثية، فهذا يمنح أماناً للقاح، ومعرفة هذا التفصيل العلمي يُعرّي تلك الانتقادات التي ادعت أن اللقاح ربما يزيد انتشار الفيروس عموماً، والتي لا أساس علمي مقنع لها.
وحسب دراسة على الفيروسات الغدية واستخدامها كناقل للقاحات، من جامعة شيكاغو 2007، حيث استخدمت لنقل لقاح يعتمد على مستضد سطحي لطفيلي الملاريا مثلاً: «تُظهر بياناتنا أن النواقل المستندة إلى الفيروس الغدي Ad5 تعزز الاستجابة المناعية الخلطية لمستضد الملاريا Pfs25 لتوليد الجسم لأضداد قادرة على منع انتقال العدوى». وتذكر الدراسة نفسها ملاحظة مهمة تتعلق بأنّ استخدام الفيروسات الغدية كنواقل يلعب بحد ذاته دور عامل مساعد محرض للمناعة adjuvant وهذا قد يعني بأن هذا اللقاح ولا سيما بسبب اعتماده على نوعين وليس على نوع واحد من الفيروسات الغدية، يعطيان بفاصل 3 أسابيع، ربما يغني عن إضافة أية مواد اصطناعية إضافية من تلك التي تستخدم في أنواع أخرى من اللقاحات، والتي قد تسبب تفاعلات تحسسية، وغيرها من المشكلات.
«الاستعجال الطارئ» حلال للغرب حرام على الشرق
يجدر التأكيد على أنّ شهادة التسجيل الرسمية التي يحيل إليها الموقع تنص بوضوح على صياغة تشبه تلك التي تذكر في الموافقات من النوع المشروط المستعجل للطوارئ، كما في بروتوكولات مشابهة في الغرب نذكر منها: الموافقة المستعجلة Accelerated Approval من منظمة الأغذية والأدوية الأمريكية FDA والتي على أساسها منح مثلاً لقاح الإنفلونزا نانوفلو، وكذلك ترخيص التسويق المشروط CMA من لجنة الأدوية الأوروبية التي يذكر موقعها بوضوح بأنها منحت نحو 30 منتوجاً بين دواء ولقاح موافقات مستعجلة من هذا النوع، منذ إنشاء هذا النوع من التراخيص، وذلك بمجرد أن تثبت أن الفوائد أكبر من الأضرار المحتملة، وأن لا بديل علاجي فعال لمرض معين، وخاصة إذا كان إما شديداً وقاتلاً مثل: السرطان أو في حالة طوارئ وبائية... وتقبل معلومات أقل من المعتاد عن النتائج والدراسات ومراحل أدنى من الطور الثالث للقبول (قد تكتفي بالطور الثاني من الدراسات السريرية) ما يعني أنها الشروط ذاتها المحققة حالياً لفيروس كورونا.
وحتى منذ ما قبل وباء كورونا، يضغط بيل غيتس على منظمة الصحة العالمية وجِهات ترخيص اللقاحات لتسهيل «موافقة طارئة» مستعجلة على «طلبيّة» لنوع جديد من لقاح شلل الأطفال الحيّ، دُعِيَ nOPV2، ليكون جاهزاً للتسويق بحلول حزيران 2020 وإعطائه لملايين الأطفال قبل بدء الطور الثاني Phase2 من التجارب السريرية! (ستجرى في بنغلاديش). وهذا اللقاح الجديد يحوي النمط 2 من فيروس الشلل المهندَس وراثياً بذريعة «تجنّب عيوب لقاح سابين». وحتى الدكتور نفسه الذي صمَّم هذا اللقاح الجديد، وهو «أندرو ماكادام» الخبير الرئيس في «المعهد الوطني للمعايير البيولوجية والرقابة» NIBSC في بريطانيا، عبّر عن مخاوفه، وخاصةً من ظاهرة التأشيب recombination التي قد تحدث بشكل طبيعي عند تواجد عدة ذراري، أو أنواع من الفيروسات معاً (إذ قد تتبادل فيما بينها قطعاً من حموضها النووية لتعطي ذرية جديدة قد تكون خطيرة)، وحذّر مكادام من إعطاء هذا اللقاح الجديد بشكل متزامن مع لقاحَي سابين1 وسابين3، قائلاً «لا أستطيع أن أتقبّل المنطق من وراء القيام بذلك»، حسب ما نقلت عنه مجلّة TheScientist في 17 كانون الأول 2019. لكن طالما بيل غيتس وراء التمويل فإنّ «المنطق» الوحيد هو مصلحة الطغمة المالية الضيقة، مهما جلبت من كوارث وشرور إلى ملايين البشر. وتمويل تجهيز «مخزونات للطوارئ» من هذا اللقاح nOPV2 خصص لها وحدها (عدا الأبحاث والتطوير) مبلغ 118 مليون دولار أمريكي، ويخطط لـ 200 مليون جرعة أواخر 2020.
وأحدث المعلومات عنه نشرت منذ نحو ثلاثة أسابيع (25 تموز 2020) في الموقع الرسمي للمبادرة الدولية لاجتثاث شلل الأطفال GPEI: حيث تعترف الوثيقة بشكل واضح وصريح، بأن اللقاح مُنح ترخيصاً رغم أنه أنجز فقط «حتى الآن الطور الأول والثاني من التجارب السريرية»، أمّا «الطور الثالث والدراسات الإضافية فيجري حالياً التخطيط للقيام بها»، أي الطور الثالث لم يبدأ حتى الآن. ومع ذلك انتزع هذا اللقاح المدعوم من مؤسسة غيتس من منظمة الصحة العالمية موافقتها على إدراج هذا اللقاح تحت تصنيف موافقة «إجراء الإدراج للاستعمال الطارئ» المعروفة اختصاراً بـ EULP (وفق الإصدار التاسع للبروتوكول 2018).
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 979