«نظرية المؤامرة» لتغطية المؤامرة
يحوم حول فيروس كورونا العديد من التكهنات والنظرَّيات والحلول. بعضها مثلاً: أن الدواء هو في بعض الأعشاب الشعبية، أو في التعقيم، أو شرب المياه. جميعها تحمل الكثير من المبالغة، كون الشّيء الوحيد الذي يمكن أن يقتل الفيروس هو مضاد له غير موجود حالياً، وهو في حالة التجارب التي ستأخذ أشهر عديدة لكي تصبح مصرَّحة. ما يفتح الباب أمام هذه التساؤلات هو الجهل بما هو الفيروس وكيف يمكن التخلص منه. وهذا نابع من مشكلة العلوم وبُعدِها عن الحياة اليومية للبشر. وعنصر آخر، مرتبط بالجهل أيضاً، هو محاولة السيطرة على أيّ شيء مقلق بالنسبة إلينا.
قبل الغوص في أي من هذه التحاليل، من المهم أن نعلم أنه إلى اليوم لا يوجد حلّ يقتل الفيروس، جميع الإجراءات المتّبعة هي محاولة للحد من انتشاره، وقد نجحت الصين في ذلك. والفيروس يصيب الرئة لذا فإن أي نوع من المشروبات لا يمكن له أن يقتله. بينما الدعوة لشرب المياه الدافئة بشكل مستمر نابعة من أنّه في حالة الإصابة بالفيروس عن طريق الفم، وإذا كان الفم والحلق رطبين فهذا قد يساعد أو يعمل على تحويل مسار الفيروس إلى المعدة بدلاً من الرئتين، وأسيد المعدة قد يفكك الفيروس، فبالتالي هو إجراء لا ضرر فيه. أما التعقيم وغسل اليدين فهو إجراء يقلل من إمكانية وفترة عيش الفيروس على هذه الأسطح. الإجراء الأكثر منفعة والذي يساعد على تراجع نسبة الحالات هو عدم الاختلاط أو الاختلاط بالحد الأدنى، وهو شيء غير ممكن في العديد من البلدان.
نظريّة المؤامرة في أي تحليل؟
نظريات المؤامرة الموجودة حول الكورونا عديدة ومتعددة المستويات. من كون الفيروس سلاح بيولوجي مُعَدّ من قبل الصّين ضد الاحتجاجات في هونكونغ، وأفلت من السيطرة، إلى كونه قد جُرِّب على المسلمين في الصين، أو أن الصين تفضل خسارة طاقتها البشرية على خسارة اقتصادها (وكأنّ الاثنين غير مرتبطينّ!)، أو أنه مؤامرة إيرانية على الولايات المتحدة الأمريكية أو على العالم أجمع، أو في كونه سلاحاً بيولوجياً ضد الصين نفسها. جميع هذه التكهنات ممكنة عملياً في عالم تسيطر عليه الرأسمالية التي أجرت تجارب شنيعة، ومن غير المستغرب أن تقوم بهكذا حرب أو تجربة. ولكن لا يوجد إثبات على أيِّ من هذه التكهنات. فبينما تعاطى الصينيون بأغلبهم بتضامن كبير بين بعضهم البعض وبمسؤوليّة عالية، تعاطى قسم كبير من العالم بعنصريّة تجاه الصين. وانطلاقاً من نظريات المؤامرة التي تؤسس لعدم التضامن مع الصين (حيث حمّل الشعب الصيني المسؤولية بسبب نوعية طعامه التي غالباً هي تشويهات واضحة للنظام الغذائي الصيني).
تنشأ نظرية المؤامرة (ولا نقول احتمال الحرب البيولوجية) من أكثر من عامل. فهي محاولة لتخفيف القلق الصادر عن كارثة أو صدمة، وذلك عبر جعل الكارثة وكأنها مؤامرة، وهكذا نجعلها أولاً مُسيطرٌ عليها، لكوننا نعلم من قام بها. وثانياً نجعلها خارجنا. أي نتخلى عن المسؤولية تجاهها. وفي حالة الكورونا اليوم، بعدما أصبح الفيروس منتشراً في العالم، فالمسؤولية تقع على الجميع في الحدّ منه. بينما إذا جعلناه بمسؤولية أداة أو مجموعة أخرى فإننا غير مسؤولين عن السيطرة عليه. وفي الوقت نفسه نُؤسِّس لشعور السيطرة على حاضرنا، في كوننا «لم نقع ضحية هذه الأداة أو المجموعة، بل إننا نعلم ما الذي يحصل». العامل الثاني الذي ينشأ عن نظرية المؤامرة هو عدم المعرفة أو الجهل تجاهها. فعامل أنه لا يمكن لنا السيطرة على انتشار الفيروس أو البقاء بأمان من دون الإصابة به، فذلك يجعل منا عرضة لأية معلومة عنه، والمعلومة التي تطمئننا هي التي نتمسك بها أو نصدقها مهما كانت غير علمية أو مختلقة للتشويش. وكوننا صدّقنا نظرية واحدة مغلوطة يجعلنا نصدق نظرية أخرى مغلوطة أيضاً، وهذا هو العامل الثالث، فمن يصدق الإشاعات التي تقال عن الصين سيقوم بتصديق أنها قامت بصنع سلاح بيولوجي لقتل شعبها!
هذه الأفكار التي توجد أينما كان، المروَّج لها خاصة من قبل هوليوود والولايات المتحدة الأمريكية، جعلت من الفيروس مؤامرة كونية على أي فرد في العالم. مؤامرة على شخصه أولاً وعلى بيئته ثانياً. ومن يتحمل هذه المسؤولية هو النظام الذي بث الخوف والقلق في نفوس البشر فأصبحوا من الضعف أنهم يلجؤون إلى تفسير معظم الحالات على أنّها مؤامرة. إنهم ببثِّهم نظرية المؤامرة على من «هُم ضدّه» قد جعلوا من أنفسهم الضحية دائماً، ولكن هنا تم تجهيل السبب الحقيقي. فيصبح من السهل مثلاً تصديق أنه «يمكن للصّين أن تقتل شعبها» (حتى لو لم يوجد في تاريخ الصين الحديث أي حدث يمكن أن نستند عليه في هذا)، ولكن من غير الممكن للولايات المتحدة مثلاً أن تقوم بصنع سلاح بيولوجي حتى لو أنَّ تاريخها الذي أصلاً بدأ بمجزرة، يحمل العديد من الأحداث التي يمكن أن نستند عليها. تماماً كاستبعاد أنه لا يمكن لأي من الدول الأوروبية أن تقوم بهذا الفعل حتى لو أن الفاشية ظهرت هناك. إن السياسة الرأسمالية بجميع أدواتها قد حولت مفهوم الصراع السياسي والصراع من أجل البقاء السياسي الذي خاضته منذ سيطرتها على العالم نظرية مؤامرة، ولكن معكوسة. فبدل أن نقوم بتحليل إمكانية أن يكون السلاح بيولوجياً لصالح المستفيد من تراجع الصين الاقتصادي، يصير تحليلنا على أنها مؤامرة كونية من جهة خفيّة (إلا الرأسماليّة) ضدّنا نحن المستضعفين الذين «يعاديهم كل العالم» حسب نظرية المؤامرة المقلوبة أيضاً.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 956