الأوبئة وأزمة النظام العالمي إما الاشتراكية أو الفناء!
محمد المعوش محمد المعوش

الأوبئة وأزمة النظام العالمي إما الاشتراكية أو الفناء!

أَخذ نقاش فيروس كورونا عدة أوجه، منها العلمي المتداخل مع السياسي، لناحية احتمالية كونه حرباً بيولوجية ضد الصين تحديداً، أو لناحية استغلال الفيروس لتشويه صورة الدولة الصينية، وخوض حرب إعلامية ودعائية وعنصرية كاستكمال للحرب الاقتصادية والسياسية ضد الصين، ولكن في مرحلة توسع الفايروس عالمياً، وبغض النظر عن مدى قدرة تأثيره الصحية وخطورته على شعوب العالم لناحية الإصابة واحتمالية الوفاة، في هذه المرحلة تظهر هشاشة النظام العالمي، وتحديداً في نقاط ضعفه، خصوصاً في دول الأطراف الأضعف سياسياً واقتصادياً، وتشهد أساساً أزمات بنيوية عميقة. وهذا يصح في أية حالة وبائية أخرى، حرباً بيولوجية كانت أم «طبيعية».

دور الدولة

أثبتت الصين في المرحلة الماضية الدور الذي قد يلعبه جهاز الدولة المركزي القوي والكبير ذي التنظيم المتنوع والتقسيم العالي للعمل فيه في مواجهة حالات طوارئ مختلفة كالزلازل (نموذج زلزال سيشوان سابقاً) والأوبئة (كورونا مؤخراً)، حيث يتم حشد جميع الطاقات وانتظامها في مواجهة الخطر. بينما مثلاً ظهر النقيض من ذلك في العديد من الدول الإفريقية التي شهدت هكذا أنواع من المخاطر الوجودية، والتي تعاظمت فيها حالات الخسائر وطول مدة السيطرة، والحد من تأثير هذه المخاطر، وذلك ناتج عن ضعف دور الدولة إلى حدود دنيا في هذه الحالات. وضعف دور الدولة يعني الدور الأكبر لفوضى السوق والقطاعات الربحية الخاصة الداخلية والعابرة للحدود.

زمن الأزمة التاريخية العميقة للرأسمالية- الإمبريالية

إنَّ الترابط الشديد للمجتمعات البشرية وبغض النظر عن اتجاه هذا الترابط ولصالح من يصب، يجعل من المخاطر الطبيعية والصحية مؤثرة على البشرية كلها، ولكن طابع العلاقات الإمبريالية والتقسيمات السياسية والتناقضات والحروب البينية بين الدول والتوتر السياسي العالمي على أساس الأزمة، يجعل من مواجهة هذه المخاطر الجماعية صعباً، لا بل غير قابل للتنفيذ عملياً. على الرغم من الترابط الذي بدأ يشد الدول المتضررة من الإمبريالية إلى بعضها البعض سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، إلا أنّ هذا الترابط والوحدة ليسا من المدى المطلوب في حالات انتشار عالمي كالأوبئة، ولم يبلغا المستوى المطلوب حتى بين الدول التي بدأت بتأسيس هذا الترابط. والأهم هو أنّ طبيعة الاقتصاد العالمي تجعل من نقاط الضعف العالمية مؤثرة على الجميع. وفي حالة الوباء مثلاً يلعب دور الترابط الشديد عالمياً عاملاً مسهّلاً لانتشاره، آخذاً بعين الاعتبار شبكة النقل العالمية وحركة المسافرين، إما التجارية أو السياحية.
وأية محاولة لمواجهة تداعيات هذا الانتشار مثلاً تنقلب إلى نقيضها، فإيقاف حركة الطيران والنقل بين الدول مثلاً تؤدي إلى تراجع التجارة (حكماً الإنتاج) والسياحة، مع ما يعنيه ذلك من مضاعفة لمخاطر الأزمة الاقتصادية القائمة أساساً. وفي دول تعتاش على الخدمات أساساً تتفاقم فيها هذه الظاهرة بشكل أكبر. فالصين وبسبب دور قطاع التصنيع فيها ستتأثر حكماً، ولكن الدول التي يقوم اقتصادها على السياحة والخدمات فتتأثر أكثر. ونُعيد، خصوصاً في لحظة أزمة بنيوية تعيشها الدول التي تلعب دوراً هامشياً في التقسيم العالمي للعمل.

أزمة مشتركة في عالم منقسم

يشتغل إذاً النظام الإمبريالي باتجاهين متناقضين، الأول هو توحيدي بالمعنى تعميق الروابط في المجتمعات والبشرية (وهي اليوم وحدة في الأزمة الوجودية)، وشدها إلى بعضها، والاتجاه الثاني هو تقسيمي وتفتيتي ويكبح الوحدة بين شعوب العالم على المستوى السياسي ويضعف قدرة المجتمعات على مواجهة هذه الأزمة. وحتى لو برزت اتجاهات للعمل المشترك على أساس المصالح المشتركة بالتضاد من الاتجاه الإمبريالي التقسيمي والتفتيتي، كالمحاولات التي نضجت في السنوات الماضية بين روسيا والصين وغيرها من الدول، إلّا أنّها لا زالت تعاني من تناقضات تجعلها تتأثر بشكل كبير بالانفجارات التي تُولدها أزمة الإمبريالية اقتصادية وسياسياً، وهي أيضاً لم تبلغ ذلك المستوى القادر على مواجهة مخاطر وجودية كالأوبئة والأزمات الطبيعية (ليست اتفاقية المناخ الأخيرة إلا محاولة على مستوى علاج النتيجة وليس السبب).

الدول المنكوبة

تتلاقى إذاً الأزمة العميقة للرأسمالية مع تعاظم هكذا مخاطر شاملة، عابرة للحدود التي تزيد الأزمة عمقاً وتهديداً. فالدول التي تعاني أساساً من أزمات وطنية، وتعيش شعوبها على حدود الجوع، وتعاني من تعطُّل في دولها وما زالت تعيش أزمات عسكرية وأمنية، لا تحتمل انتشاراً وبائياً ككورونا اليوم، مهما كانت مستوى مخاطره. وهذا يعني أيضاً مضاعفة الحمل على الدول التي تقدر على التدخل لصالح كبح هذا الوباء بالمعنى الطبي والبشري والتنظيمي، فبروزه في لبنان مؤخراً سيكون كنقطة الماء التي تسقط من السماء دون أي عائق في طريقها. فضعف جهاز الدولة إلى حد التعطل في ظل أزمة النظام السياسي، وغياب البنية التحتية الطبية والتكنولوجية والدوائية القادرة، وغياب أية سياسة طوارئ وطنية، في بلد مهدد في أمنه الغذائي والطاقي والصحي أساساً، كونه يستورد أغلب ما يستهلك، وهو اليوم غير قادر حتى على هذا الاستيراد، كل ذلك سينتج خليطاً مثالياً لاتجاه المجتمع إلى إعلانه منكوباً صحيّاً، مع ما يعنيه ذلك من ضرورة تدخل أممي إن توفر ذلك التدخل، كما حصل في حالات مختلفة في إفريقيا مثلاً!.
إنّ ضرورة قيام نظام عالمي جديد، على قاعدة الاشتراكية هو شرط أساس لبقاء البشرية في المدى القريب، بعد أن كان منذ سنوات في المدى المتوسط. فلا قدرة لمواجهة هذه المخاطر المستجدة في ظل أزمات سياسية واقتصادية وانقسام في القرار السياسي الأممي. ففي أيام الشهرين الماضيين تكثيف حي لمقولة إما الاشتراكية أو الفناء.

معلومات إضافية

العدد رقم:
954
آخر تعديل على الإثنين, 24 شباط/فبراير 2020 13:04