دفاتر ماركس وأصول علم البيئة الماركسية 2 من 2
تم أخيراً نشر دفاتر ماركس الكاملة في الستينات من القرن الماضي، وهي تقدم رؤى مهمة حول آرائه حول البيئة وتدمير رأس المال للطبيعة.
الماركسي السويدي، سفين إريك ليدمان، الذي ظهرت سيرته الذاتية لماركس باللغة الإنجليزية في عام 2018، يعلق على «قراءة ماركس التي لا نهاية لها ومقتطفات من المقتطفات: قبل كل شيء، لا يمكن ترك أية فجوات في المعرفة مفتوحة». في عام 1866، عندما كان ماركس يقرأ ليبج وآخرين حول الزراعة، كانت ملاحظاته التي كان إنجلز سيجمعها فيما بعد لتشكيل المجلد 3 من «رأس المال»، موجودة بالفعل على مكتبه.
كان أحد الأسئلة التي لم تتم الإجابة عنها حول ماركس سبب نشره القليل في سبعينات القرن التاسع عشر بعد نشر المجلد الأول من «رأس المال». من المحتمل أن تساعد دفاتر الملاحظات، التي ما زال يتعين نشر الكثير منها، في الإجابة عن هذا السؤال. وفقاً لليدمان، قال ماركس إنه «استمر في القراءة وتدوين الملاحظات كما لو كان هو نفسه خالداً». كتب الاشتراكي الألماني وصديق ماركس، فيلهلم ليبكنشت، عن اهتمامات ماركس في هذه الفترة:
«تابع ماركس خاصة في مجال العلوم الطبيعية، بما في ذلك الفيزياء والكيمياء، والتاريخ، عن كثب ظهور كل جديد، وتحقق من كل تقدم؛ وأسماء مثل موليشوت وليبيغ وهكسلي- التي قد حضرت محاضراتنا الشعبية بضمير حي- كانت أسماء مذكورة في دائرتنا مثلما ذكر ريكاردو وآدم سميث ومكولوتش والاقتصاديون الأسكتلنديون والإيرلنديون».
الأزمة البيئية
إذا كان هناك أي شك في السابق حول ما إذا كان هذا الجانب البيئي محورياً بأية حال من الأحوال في تفكير ماركس، فإن دفاتر الملاحظات التي تم نشرها الآن، تبين بوضوح مدى أهمية هذا بالنسبة لماركس، أكثر أهمية من «جميع الاقتصاديين» وما زال هناك الكثير من دفاتر الملاحظات غير المنشورة منذ سبعينات القرن التاسع عشر. كانت المشكلات البيئية التي أثارها ماركس مختلفة عن مشكلات اليوم، ولكنها مرتبطة بها. تشير الدفاتر إلى أن فكرة الأزمة البيئية كانت ستلعب دوراً مركزياً أكبر في نظرية ماركس لو كان قادراً على الانتهاء من نشر مجلدي «رأس المال» الأخيرين اللذين تم تحريرهما ونشرهما من قبل إنجلز بعد وفاته.
استقلاب اجتماعي
في المخطوطات الاقتصادية والفلسفية لعام 1844، كتب ماركس أن «عالمية الإنسان، تتجسد في الممارسة، في العالمية التي تجعل الطبيعة كلها جسده غير العضوي». كانت هذه العلاقة بين البشر كنوع وبقية الطبيعة جزءاً رئيساً من تفكير ماركس منذ البداية. استخدم في وقت لاحق مفهوم «الاستقلاب» في تحليله للعمل. العمل هو عملية يقوم بها البشر «بتنظيم الاستقلاب والتحكم فيه بينه وبين الطبيعة». حتى التبادل يُنظر إليه باعتباره عملية «استقلاب اجتماعي».
الأزمة البيئية
تم استخدام مفهوم الاستقلاب بواسطة ليبيغ والعلماء الطبيعيين في القرن التاسع عشر في سياق علم وظائف الأعضاء والكيمياء الحيوية، ووصف عمليات التبادل الكيميائي الحيوي داخل الكائنات الحية، على سبيل المثال، تحويل المادة العضوية داخل الجسم إلى طاقة، أو التفاعلات الكيميائية بين النباتات والتربة. جميع الكائنات الحية جزء من عملية الاستقلاب هذه، وفي بعض الأحيان يمكن أن ينهار هذا، على سبيل المثال، عندما يتم إخراج الكثير من التربة، أي أكثر مما يتم إرجاعه، أو عندما لا تستطيع النباتات والأشجار امتصاص كمية ثاني أكسيد الكربون التي يتم إنتاجها. ثم لدينا «صدع استقلابي». استخدم ماركس مفهوم الاستقلاب الاجتماعي في الستينات من القرن التاسع عشر في التعامل مع الأزمة البيئية التي أوجدها ما وصفه البعض بـ «الثورة الزراعية الثانية» في القرن التاسع عشر.
بالنسبة لماركس، كان العمل هو الوسيط بين عملية الاستقلاب البشري والطبيعة، وبالتالي كانت مرتبطة بطريقة الإنتاج الخاصة السائدة في ذلك الوقت. لذلك رأى «الصدع الاستقلابي» لليبيغ، بمثابة تناقض رأسمالي على وجه التحديد. في المجلد 3 من رأس المال، قال ذلك صراحة: «إن حكاية الحكاية... هي أن النظام الرأسمالي يتعارض مع الزراعة العقلانية، أو أن الزراعة العقلانية لا تتوافق مع النظام الرأسمالي».
اهتم ماركس في عام 1868، بكارل نيكولاس فراس. ما كان مثيراً للاهتمام في نهج «فراس» للزراعة هو تركيزه القوي على تأثير الزراعة وإزالة الغابات على المناخ وتغير المناخ. قرأ ماركس ونسخ من منشور «فراس» لعام 1847، (المناخ والعالم النباتي مع مرور الوقت) (تاريخ الزراعة، 1852).
ما حاول «فراس» إظهاره هو أن البيئة والظروف الطبيعية للإنتاج قوضتها الحضارة الإنسانية وخاصة الزراعة. وأدان إزالة الغابات لأنه «في منطقة تمتلك تربة حمضية ورملية للغاية، أو حتى لتربة جيرية، تعتبر إزالة الغابات أهم سبب لتوليد الحرارة». لقد بحث نمو النبات في اليونان القديمة وروما وخلص إلى أن تغيّر المناخ مرتبط بالزراعة وإزالة الغابات، وأن هذا الأخير قد أدى تاريخياً إلى نشوء الصحارى وانهيار الحضارات.
كتب «فراس» في «المناخ والعالم النباتي» أن «البشر يغيرون عالم الطبيعة، الذي يعتمدون عليه، بطرق عديدة وبقدر أكبر بكثير مما يدركه الجميع. في الواقع، يمكن للبشر تغيير الطبيعة إلى حد أنه في وقت لاحق تصبح هذه الطبيعة غير قادرة تماماً على توفير ما هو مطلوب... لا يوجد أمل في تغيير هذا».
أعجب ماركس بشدة بفراس وكتب إلى إنجلز في 1868 أن كتاب فراس كان «ممتعاً للغاية، لا سيما أن إثبات أن المناخ والنباتات قد تغيرا في الأزمنة التاريخية. الاستنتاج كله هو أن الزراعة عندما تتقدم بطريقة بدائية ولا تخضع لرقابة واعية (كالبرجوازي بالطبع الذي لم يصل إلى هذا)، يترك الصحارى وراءه...».
بطبيعة الحال، لم يكن حل ماركس الاعتماد على الحلول العلمية ولا التشاؤم بشأن المستقبل، بل وضع حداً للنظام الرأسمالي ومجتمع اشتراكي يحكم فيه «المنتجون الرابطون للاستقلاب البشري بالطبيعة بطريقة عقلانية، مما يجعل هذا الاستقلاب تحت حكمهم، أي السيطرة الجماعية... ممكن الإنجاز بأقل قدر من الطاقة وفي الظروف الأكثر ملائمة ومناسبة للطبيعة البشرية».
بعد ذلك قرأ ماركس جورج لودفيغ فون ماورير، وهو مؤرخ وقانوني قام بتدريس الفقه التاريخي الألماني والفرنسي في جامعة ميونيخ. بين عامي 1856 و1871، كتب التاريخ القانوني المكون من 11 مجلداً عن حقوق الملكية لدى الشعب الألماني القديم. قدم ماركس ملاحظات مستفيضة من كتاب ماورير (مقدمة في تاريخ دستور العلامة والمزرعة والقرية والمدينة والسلطة العامة). دافع ماورير عن النظرية القائلة بأنه بين أوائل الألمان كان هناك نظام اجتماعي ساد فيه العمل الجماعي والملكية الجماعية للأرض. تم تنفيذ إدارة الشؤون من قبل المنظمات المجتمعية. وحافظ هذا النظام الاجتماعي على الزراعة المستدامة.
في عام 1876 كان ماركس لا يزال يدرس ماورير (ثلاثة دفاتر من ذلك العام مع مقتطفات) وكذلك في عام 1882، العام السابق لوفاته. بتحفيز من عمل ماورير، أراد فحص الاستقلاب بين البشر والطبيعة في المجتمعات ما قبل الرأسمالية وغير الغربية. ومن هنا اهتمامه بالقرية الروسية. في ١٨٧٠-٧١، تعلَّم ماركس اللغة الروسية بنفسه حتى يتمكن من الانخراط مباشرة في المناقشات والأبحاث التي تجري في روسيا. كما كتبت زوجة ماركس، جيني، إلى إنجلز: «لقد بدأ دراسة اللغة الروسية كما لو كانت مسألة حياة أو موت». بعد عقد من الزمان، في عام 1881، تحدث مع فيرا زاسوليتش حول هذه المسألة. لقد كتب إليها أن المجتمعات في أوروبا الغربية وأمريكا الشمالية كانت «في صراع مع الجماهير العاملة، ومع العلم، ومع القوى المنتجة التي تولّدها، - باختصار، أزمة ستنتهي بإزالتها، من خلال عودة المجتمعات الحديثة إلى شكل أعلى من النوع «القديم» للملكية الجماعية والإنتاج». كان ماركس مقتنعاً منذ زمن طويل بأنه لا يمكن إصلاح الأزمة البيئية بالعلم أو الكيمياء الحديثة، ولكن بواسطة التغييرات الأساسية في قوى وعلاقات الإنتاج.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 933