الأنانية والمنافسة واللاانتماء ومصير البشرية
في المقالين السابقين تحدثنا عن المعنى وتغيّره، وكيف يصب في الهدف العام من الحياة. وبالتالي، مع تغير المعنى سيتغير الهدف، والهدف يكون هدفاً عاماً يصبّ في أهداف البشرية ككل وهدف (أهداف) خاص(ة) يكون منطلقاً لتحصيل الهدف العام. وهذه الأهداف تنشأ من المصالح المادية والمعنوية الحقيقية، والأهم من فهمنا للحياة والعلاقات الاجتماعية فيها، أي من فهمنا (أو تشوه فهمنا) لهذه الحاجات الضرورية. فالمنطلق الأول لأي هدف نريد، هو من أي موقع ننظر إلى الحياة، أو بالتحديد من أي منطلق إيديولوجي (وطبقي بالضرورة). وهذا المنطلق الإيديولوجي يأتي من التربية وطبيعة القيم الاجتماعية الموجودة في المجتمع والوعي الاجتماعي ككل. وهذا يتضمن مفهوم الانتماء للمكان أو القضية أو الحدث المستقل.
الملكية الخاصة في نفيها للانتماء
هناك مفهومان يحكمان منطق الفكر الليبرالي، التنافس والأنانية. والاثنان ينبعان من منطق الملكية الخاصة المحددة، بحسب النظام الليبرالي، لقيمة الفرد في المجتمع. ففي المجتمع الليبرالي، الملكية الخاصة (في شتى أنواعها) هي المحددة لقيمة ومستوى الفرد ووجوده في المجتمع وإمكاناته وفرصه. لذا رسا مفهوم الثراء على أنه من ضرورات العيش الكريم أو السعادة. وتكوين هذا الثراء أو الوصول إلى هذه السعادة يكون عبر ما نملك، الذي غالباً ما يتمثل بالماديات (أو المفهوم الخارجي للجمال المحدد من خلال النموذج المعمم للجمال). ولكن للوصول إلى هذا الثراء وهذه السعادة يجب المنافسة مع باقي الأفراد، لكون النظام الليبرالي قائماً على معاداة الإنسان في مواجهة الإنسان، وعلى معادلة أن الوضع الذاتي للأفراد هو الذي إمّا يسمح لهم أو يمنعهم من الثراء أو السعادة. وفي هذا العديد من النظريات إمّا الفلسفية أو الاجتماعية أو النفسية السائدة، التي تضع الثقل الأكبر في التغيير على الذّات البشرية، وليس على الظرف الموضوعي والنظرة إلى وحدة الرؤية والتعامل مع الأحداث أو الأزمات. وبالإضافة إلى منطق السوق الذي يعتمد على المنافسة في التسويق والإنتاج، وهذا ما يلتقي مع قانون النظام الرأسمالي نفسه نحو تعميق الاحتكار، فهذا نفسه في كافة المجالات، والعلاقات الإنسانية لا يخرج عنه كقانون. ويعززه في ذلك مجال التربية والتعليم الذي يؤسس للمفاهيم الأخرى في الحياة. ومن هذه القيمة تأتي القيمة الأخرى وهي الأنانية، فهي مرافقة لمفهوم التنافس، لكونه لا يمكن لأي فرد أن يتنافس بشكل مستمر مع غيره، أو أن ينظر إلى كل عمل أو فعل على أنه منافسة إذا لم يكن أنانياً في هذا الفعل أو هذه النظرة. وهذه المفاهيم لم تبعد البشر عن بعضهم البعض في مفهوم العمل أو الوصول إلى هدف الحياة فقط، بل أيضاً أبعدتهم عن بعضهم في المفاهيم العامة، مثل كيفية تحقيق مصلحة الأكثرية في أي حدث أو أزمة.
الاحتباس الحراري وإمكانية الوصول للحل
أحدى الأمثلة الملحة اليوم هي أزمة الاحتباس الحراري، وتفاقم الأزمة إلى على ما يبدو إلى نقطة اللاعودة. فحتى لو كان بمقدور الجميع أن يروا أنّ العالم اليوم في أزمة وجودية قد تكون بداية نهايته ككوكب وعمر للبشرية، إلّا أنّ الموضوع لا يأخذ حقه في النقاش اليومي أو في المحاولة الفردية أو الجماعية في المشاركة في الحل. فهذا هو نتيجة عدة مصالح (النظام الإمبريالي نفسه) والمعتقدات التي تدعمها، وهذا ينسحب على الوعي بأن الفرد لا يعتبر نفسه معنيّاً بالموضوع، ويعبّر عن أنّه غير متأثر بشكل مباشر بمصدر رزقه، فهو يتصرف بأنانية تجاه الطبيعة أيضاً، أو أنه يعتبر أن الإجراءات للحدّ من تفاقم الاحتباس الحراري قد تضر بمصلحته الخاصة ونمط حياته اليومي. أو أن الفرد يعتبر أنه لا يمكنه تغيير أي شيء كفرد منعزل عن حركة أكبر أو أقوى منه، ويخضع لاتجاه تحكيم الأمل وتعظيم العدمية والسوداوية التي يبتغيها الفكر السائد. مفهوم الأنانية والمنافسة إذاً كأسس السلوك والتفكير الليبرالي يضخم من العمل الفردي مع ضرب مفهوم العمل الجماعي التغييري. وهذا ما ينتج بالتالي أن هذا الفرد منفرداً لا يشعر بأنه قادر على لعب دور ما، ولا يعلم كيف يعمل من ضمن مصلحة المجموعة، لأن الجماعة في الفكر الليبرالي هي جمع سلبي للأفراد، وليس على مشروع وبرنامج. مما يؤدي إلى ابتعادهم عن التفكير الفعلي بالأزمة في العالم اليوم، المتمثلة عملياً بارتفاع درجات الحرارة والكوارث الطبيعية التي تحدث، فللإيمان بعدم القدرة على التحكم بالمصير دور في تكوين هذا المفهوم عن السلبية تجاه القضايا. كما هناك دور لابتعاد العلم عن الحياة اليومية، وعن الأفراد، مما يضرب العلاقة العلمية بين الأفراد والطبيعة وبينهم وبين الحياة بعامة.
ويمكن لنا عكس التعاطي مع أزمة الاحتباس الحراري على الأزمات الأخرى، في الهروب من الحدث أو الأزمة و«النفاذ» الفردي من تبعاتها المباشرة، بغير اكتراث لما قد يحدث للمجتمع ككل أو للغير. وهذا التعاطي الذاتي مع المسائل يخلق دوّامة من التناقض لا تنتهي، من العمل على الوصول إلى الهدف الذاتي وعدم القدرة إلى الوصول إليه، لأن طريق الحل الفعلية ليست بفردية أبداً. ولهذا فإن غياب انتماء الأفراد لبعضهم البعض وإلى واقعهم أو اغترابهم عنه هو الصورة الأخرى لعدم اكتراثهم له. فإذا أردنا حقاً تحسين الوضع الحالي والوصول أقله إلى الاستقرار النفسي والاجتماعي، بالإضافة إلى السماح للأجيال القادمة بالعيش، يجب علينا تحويل حِسّنا الذاتي إلى حِسّ جماعي في المعالجة والطرح، وهذا يعني تغيير علاقات الإنتاج والعلاقات الاجتماعية، الذي يكون بالسعي إلى مجتمع اشتراكي بمفهومه الجماعي.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 932