النّمط «الغذائي الصحي» يفكك وحدة الإنسان
في دراسة أعُدَّت في السويد عن الفرق بين الزراعة العضوية والزراعة غير العضوية، تبين أنّ الزراعة العضوية تستخدم مساحة تقدر بحوالي 50% أكبر من تلك غير العضوية، وأنّها تختلف بنسبة كمية انبعاثات ثاني أوكسيد الكربون، فالكربون أكثر تشرباً وأقل انبعاثاُ في الزراعة غير العضوية. هذا ولم تأخذ الدراسة تأثير ذلك على منتجات الحليب واللحوم، ولكن الخلاصة: أنّ الزراعة العضوية تؤثر سلباً على البيئة، اليوم ونحن في مأزقٍ كبيرٍ مع الاحتباس الحراري، وكل ما ينتج عن ذلك، وضرورة إيجاد حل سريع له.
انتشرت في السنوات السابقة ظاهرة الزراعة العضوية، مع بدء الحديث عن النظام الغذائي الصحي وارتباطه بالصحة الجسدية. حديث يشبه العودة بالزمن إلى الوراء، من حيث تكلفة الزراعة وسعر المنتوجات، ومن حيث أن ليس بمقدور الجميع الزراعة المنزلية، ليس فقط لكوننا لا نعيش جميعاً في قرى تسمح لنا بذلك، بل لأن الوقت لا يسمح لنا أيضاً بممارسة هذا النوع من الزراعة.
بغضّ النظر عن مدى تأثير الرزاعة العضوية، أو الزراعة المنزلية على البيئة وعلى صحة الإنسان، يتحول موضوع الأكل وفوائده وكيفية استخدامه إلى نمطية في الطرح والمعالجة. فالطرح الليبرالي معروف، النظام الغذائي الصحي هو سبب من أسباب الأمراض، وهو سبب من مسببات الاحتباس الحراري، لكون الثانية مرتبطة بعدد السكان الذي يرتفع عاماً بعد عام. ويأخذ هذا الطرح بعداً أوسع عند البعض من اليسار الذي ينادي بتحسين النظام الغذائي الصحي، وكأنه يضع اللوم على الأفراد أنفسهم باتباع نظام صحي مؤذٍ يؤدي بهم إلى الأمراض أو الاضطرابات الصحية.
مشكلة الغذاء
في الوقت الحالي ومع ارتفاع الأزمة الرأسمالية، وبالتالي الحروب والتهجير وارتفاع حدة الاحتباس الحراري، أزمة الغذاء هي أوسع من زراعة عضوية أو غير عضوية، أو نظام غذائي صحي أو غير صحي. الأزمة أولاً: أنَّ معدّلَ الفقر يرتفع عالمياً، وهذا يضع العديد من الأفراد خارج رفاهية أي نوع من الأطعمة يمكنهم أن يتناولوا، وانعكاس الأزمة الاقتصادية على الزراعة بحد ذاتها. وعند طرح أية أزمة اجتماعية كانت أم اقتصادية، يجب طرحها في كلية الإنسان وليس في انقسامه. فالضغط المعيشي يؤثر على معدل حياة الإنسان، وعلى ارتفاع معدل القلق، ولا يسمح له بالعديد من الأمور، أبسطها هو: النظام الغذائي.
هذه الأزمة التي لا زال العِلم الرسمي يتجاهل أو يعترف فيها بتشويه، كأساس الأمراض النفسية، التي هي بدورها عامل مشارك للأمراض الجسدية، ومنها: السرطان مثلاً، كما أشارت العديد من المقالات السابقة.
هذه الوحدة بين النفسي والجسدي انطلاقاً من وحدة الإنسان، تقابلها وحدة مواجهة الأمراض وأساسها الاجتماعي الاقتصادي، الذي لا يكون فقط بالترويج للغذاء الصحي فقط، بل بالإشارة الضرورية إلى طبيعة التهميش والاستغلال، وانهيار نمط الحياة الرأسمالي، الذي هو أساس انهيار الحياة الروحية- العقلية للإنسان، ومعها انهيار بنيته العاطفية، ومعها الجهاز المناعي وتفجرها أمراضاً غير «منقولة» كالسرطان وأمراض القلب والدماغ، وفي جوهرها عدم انتظام الدورة الدموية والضغط (وفي أساسها اختلال المستوى الانفعالي). التي هي بالمناسبة أمراض المرحلة التاريخية الراهنة.
إذاً، أيَّ طرح منتقص في مواجهة هذه الأمراض يعني أولاً: انتقاص في تفسير أسباب تلك الأمراض، وما يعني بالتالي انتقاص في توجيه الوعي والجهود لمواجهة الأسباب التي تجد أساسها في التنظيم الاجتماعي الرأسمالي، كتهميش واستغلال وعدم رضى وصل إلى حدود عتبة التحمل، التي يمكن أن تعكس عتبة تاريخية لحدود الرأسمالية على المستوى الفردي.
وحدة الإنسان، هي انعكاس لوحة المجتمع، التي لا يجب على الوعي النقيض للفكر والنظام السائد أن يقع في تفكيكها أو تغييب جوانب منها، هذا التغييب الذي هو في الجوهر إسقاط المعركة في جانبها الكلي والجوهري، أي: الرأسمالية كنمط علاقات