الفساد والعسكرة.. مأساة العلوم

لقد حولت الشركات والبنتاغون العلم من قوة خلاقة من أجل التقدم البشري إلى معادِله المدمر والمعادي للبشرية.
يقول كليف كونر مؤلف كتاب «تاريخ الشعوب في العلوم: عمال المناجم والقابلات والميكانيك المتدني»


إن وصف العلم بأنه مأساة كان سيبدو غريباً بالنسبة لمعظم الناس في النصف الأول من القرن العشرين. كانت سمعة العلم ذهبية. ثم إن التوقع بأن العلم الحديث يمكن أن يحل قريباً جميع مشاكل البشرية كاد أن يكون شاملاً.
تلك الصورة الحميدة تلقت ضربة مزدوجة خلال الحرب العالمية الثانية. أولاً: جاءت أهوال العلم العنصري النازي وما يقترن بها من تكنولوجيا الإبادة البشرية. تبع ذلك ظهور العصر النووي بالترميد الفوري لأكثر من مائة ألف نسمة من مدينتين يابانيتين.
وربما يكون انتشار أسلحة الدمار الشامل خارج السيطرة واستخدامها أسوأ ما في ثمار العلم المعاصر المأساوي ، ولكن هناك غيرها. كما أصبح سوء استخدام العلم وإساءة استعماله لتبرير تدمير سلامة الأرض مصدر قلق واسع الانتشار.
هذه الأخطار والأخطار الأخرى لها جذور مشتركة: فساد العلم الكبير بالمال الكبير. وبصورة أدق ، فهي نتيجة لنظام اقتصادي مدفوع بالربح يعوق قدرة البشرية على اتخاذ قرارات اقتصادية منطقية.
يفترض أن يكون العلم مصدراً موثوقاً للمعرفة يعتمد على الحقيقة الموضوعية بدلاً من التحيز الذاتي. وبحكم التعريف، يتطلب ذلك إجراء الأبحاث بشكل محايد من قبل العلماء الذين ليس لديهم تضارب في المصالح يمكن أن يؤثر على حكمهم. لكن العلم الذي يُسخّر لتعظيم الأرباح الخاصة، لا يمكن أن يتجنب تضارب المصالح الجوهرية الذي هو لعنة الموضوعية.
مع نمو هيمنة الشركات على العلم والتكنولوجيا ، تلاشى مبدأ البحث العلمي الموضوعي تبعاً لذلك. أصبح «العلم الكبير» على نحو متزايد الخادم المؤكد لمصالح الشركات والمليارديرات. ويبدو أن الدراسات العلمية تدار بشكل روتيني من قبل أفراد ومؤسسات ذات حصص مالية كبيرة في نتائجها.
صندوقا النفط الكبير والفحم الكبير أنتجا دراسات إنكار تغير المناخ. تنتج شركات التبغ الكبرى نتائج تقلل من الصلة بين التدخين وسرطان الرئة. تقوم شركات الصيدلة الكبرى بالتحقيق في فوائد ومخاطر الأدوية التي تبيعها. شركات الغذاء الكبرى تُسخّر العلوم الغذائية كأداة تسويقية لمنتجاتها. لقد تمت إعادة تصميم المنهج العلمي ليتناسب مع الواقع الجديد.