خرف «الرأسمالية»!
من المتوقع أن ترتفع نسبة الإصابة بالأمراض العقلية مع حلول عام 2050. ومن الأسباب التي تضعها منظمة الصحة العالمية هو: ارتفاع أعداد المسنين. هذه النسبة من الأمراض العقلية سترتفع أكثر في الدول ذات الدخل المرتفع، بينما ستكون منخفضة في الدول ذات الدخل المحدود.
تشتمل تقارير منظمة الصحة العالمية على معالجة الأمراض العقلية عند المصابين بها، بعد حدوث المرض، وليس الحد من الإصابة به. وتعتمد معظمها على تقارير من الدول ذات الدخل المرتفع عن نسبة أعداد المصابين بهذه الامراض، خاصة بمرض ألزهايمر الذي إلى اليوم معالجته مستحيلة بالنسبة لآلاف التقارير الطبية والعلمية.
مرض اجتماعي أم وراثي؟
يعود اسم المرض– ألزهايمر– إلى العالم الذي اكتشفه، وهذا بعدما لم يستطع معرفة المرض الذي يعتري مريضته إلا بعدما فارقت الحياة. المرض هو عبارة عن فقدان المريض صلته بالواقع، يصيب الأفراد من عمر متقدم (عادة بعد عمر الـ60)، كما يفقد الوعي (الإدراك) والذاكرة، وهذا ما يجعل المريض يفقد القدرة على الحركة وبالتالي التكلم. وفقدان الصلة بالواقع يأتي نتيجة فقدان التواصل بين خلايا الدماغ أو الأعصاب، فالدماغ يشكل أعقد عضو في الجسد لكونه في حركة دائمة، التفكير، الحركة، والتعلّم هي العوامل التي تقوم بتغذية وتشغيل الأعصاب، ففي حالة الحركة تكون الأعصاب في تطور دائم واتساع لرقعة وتطور الدماغ، أما في حالة الثبات تكون الأعصاب في حالة حركة أقل وبالتالي إلى تأخر في الوعي والتطور. بحسب تعريف الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات النفسية (DSM IV)، وهو الدليل المعتمد لتعريف الاضطرابات النفسية، يتم تشخيص مرض ألزهايمر إذا ترافق مع تراجع في الوعي، الذاكرة، النطق، والحركة، وإذا لم يترافق مع مرض عقلي آخر.
في علم الأحياء والأعصاب تعود أسباب ألزهايمر إلى العامل الوراثي، التقدم في العمر، الوضع الاجتماعي والعلاقات الاجتماعية، المستوى العلمي المعرفي والإدراكي، الوضع الصحي، الوضع النفسي، وأسلوب الحياة– النظام الغذائي، العمل، الخ... وتتناقض الأبحاث والنتائج، لذلك يتعرقل الحل في الشفاء. فالأبحاث التي ترجح كف عامل الوراثة تصطدم بحالات ألزهايمر من افراد لا ينتمون الى هذه الخانة. والأبحاث التي ترجح كف أسلوب الحياة تصطدم بعدم قدرتها على إيجاد الحل.
نسب مخيفة للمرض
تقدر منظمة الصحة العالمية نسبة الإصابة بألزهايمر في الأعوام القادمة بحالة كل أربعة ثواني في العالم. النسبة التي سترتفع بحسب تقديرات المنظمة لعام 2012، 46% منها قد يصيب آسيا، 31% قد يصيب أوروبا، 16% قد يصيب القارة الأمريكية، و7% قد يصيب إفريقيا. النسب الأكبر تحتلها كل من أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية. حيث نسبة الإصابة بالمرض في الولايات المتحدة أيضاً بالنسبة لمنظمة الصحة العالمية هي حالة في كل 66 ثانية في العام الحالي، وحالة كل 33 ثانية مع حلول عام 2050. هذه الحالات تصيب ما يسمى بالأقليات الإثنية في الولايات المتحدة_ أي: كل فرد من أصول غير أوروبية ويشمل السكان الاصليين_ والنساء أكثر من الرجال. مع أن الدولة الأعلى تغطية للأمراض العقلية في العالم هي كوبا، البيرو، فنزويلا، الصين، والهند، والتي تشكل حالات ألزهايمر فيها أقل من الدول الأوروبية والولايات المتحدة. هذا لا يعني أنّ نسب الإصابة في المرض متدنية في العالم العربي، ولكن العدد القليل من التقارير وإيعاز المرض إلى حالة تصيب «البعض» من كبار السن، مثل: المعنى الشعبي للخرف يقلل من هذه الأعداد في التقارير الموجودة.
الأمراض العقلية والإدراك
يعتبر المنهج العلمي في علم النفس، أن تكّون وتطور الإدراك مرتبط مباشرة بالعامل الاجتماعي للأفراد. فإن موقع الفرد في المجتمع هو الذي يؤسس إلى تكون إدراكه، وتغير وتقدم هذا الموقع هو الذي يؤسس إلى تطوره. وبالتالي إذا تطور إدراكنا تتطور معه القدرة الذهنية، الذاكرة، وبالإجمال حركة الدماغ. فما يصيب مرضى ألزهايمر، إنهم يفقدون أو يبتعدون عن موقعهم في الحياة. وهذا الابتعاد هو ابتعاد موضوعي لكون الأفراد لا يملكون القدرة على الاستمرار، أو الوجود في نمط الحياة نفسه، الذي كان يحتم وجودهم قبل التقدم في العمر. بالتالي مع تقدم العمر أصبح هذا الفرد من دون فائدة للمجتمع، لكونه في المجتمع الرأسمالي غير قادر على العمل، أي: أنه خسر سبب وجوده في الحياة بالنسبة لهذا النظام. بالإضافة إلى خسارتنا حاضنتنا الاجتماعية مع تقدمنا في العمر، ما يجعل المريض غير فاعل أي: غير موجود، وبالتالي يتراجع إدراكه والنشاطات التي يحركها جميعها لكونه لا يستعملها.
يسعى العديد من الباحثين، إما في العلوم العصبية، أو في علم النفس، أو في الاثنين معاً، لإيجاد شفاء من ألزهايمر قبل حصول المرض، وذلك للصعوبة الكبيرة في إيجاد الحل بعد حصوله إلى الآن. ولكن هذه الحلول تأتي من الحد من الأسباب التي قد تؤدي إلى المرض أي من العوامل التعليمية والمعرفية والوظيفية. فيأتي الحل إما من خلال دواء قد يمنع تخثر الأعصاب، أو بإتباع أسلوب حياة يؤجل تلفها. ولكن يبقى الحل ناقصاً، لأن هذه الحلول لا تأخذ بعين الاعتبار أن تلف الأعصاب، أو ثبات حركتها، يأتي من ثبات الفرد وثبات حركته ضمن البيئة التي يعيش. فأي حل لا يمكن أن يكون خارج إبقاء الأفراد، ضمن الحركة الاجتماعية، والذي سيخلق تحديات عديدة. ويجب أن يأتي في تغيير النمط الاجتماعي الذي سيؤدي، عندما يتقدمون في العمر، بثبات حركتهم، أي: تغيير النظام الرأسمالي إلى نظام أكثر عدالة يحقق دورهم الاجتماعي، لا المأجور السلعي في مراحلهم العمرية كافة.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 839