شركات الأدوية الكبرى: ما الذي فعلتموه بي مؤخراً؟
إيفان ليفاين إيفان ليفاين

شركات الأدوية الكبرى: ما الذي فعلتموه بي مؤخراً؟

لقد تمّ تطوير دواء يعدّ بمثابة معجزة حقيقية في الصيدلة. أقول هذا عنه لكونه يقدر على التقليل من الوفيات بين مرضى قصور القلب الاحتقاني، بالقدر الذي يفعله جهاز إزالة رجفان القلب الذي يكلّف عشرة آلاف دولار. ربّما هو الدواء الأكثر فاعليةً لدينا في المساعدة على علاج المرضى الذين يعانون من ارتفاع ضغط الدم المقاوم. يمكنه أن يصـحح مستويات البوتاسيوم المنخفضة، ويمكنه حتّى أن يعالج بعض أنواع الصلع والبثور ومشاكل شعر الوجه لدى النساء. وقد أظهرت بعض الدراسات الكبرى بأنّه يقلل من انسكاب البروتين في البول. ويجب علينا أن نشكر «شركات الأدوية الكبرى» على هذا الدواء المعجزة. 

 تعريب: عروة درويش

الدواء الذي أتحدث عنه، والمعروف باسم «ألداكتون» أو باسمه الشعبي «سبيرونولاكتون»، وهو الدواء الحاصل على موافقة إدارة الأغذية والدواء الأمريكية، لم يتم تطويره حديثاً، بل هو موجود في السوق منذ 1959! وسعر هذا الدواء القادر غالباً على إنقاذ آلاف الحيوات ومساعدة ملايين أخرى بحدود 10 سنتات للحبّة. نعم فقط عشر سنتات. 

لو نظرنا إلى عَقاقير رئيسية أخرى أنقذت الكثير من الحيوات في حالات قصور القلب الاحتقاني لوجدنا أموراً مشابهةً. لقد تمّ تطوير صنف الأدوية الوحيد الذي يساعد مرضى القصور منذ عقود خلت، وهي تكلّف بضعة سنتات للحبّة. 

لقد طُورت «حاصرات بيتا»، وهي نوع مهم من الأدوية التي تنقذ حياة مرضى القصور، لأول مرّة في ستينيات القرن العشرين من قبل العالم الإنكليزي: «جيمس بلاك»، والذي حصل على جائزة نوبل في الطب على اكتشافه. 

تمّ اكتشاف «إنزيم أنغيوتنسين كونفرتنغ المثبط – إس المثبط»، الذي سوّق أول مرة باسم «كابتوبريل»، عام 1975 من قبل علماء كانوا يحللون مكونات سهام مسمومة يستخدمها رجال القبائل الأصلية في البرازيل. لم يتلقَ السكان الأصليون أيّ شيء على اكتشافهم بكل تأكيد. يشكّل «إس المثبط»، جنباً إلى جنب مع حاصرات بيتا وسبيرونولاكتون، ثالوث أدوية تستخدم لتحسين أعراض المصابين بقصور القلب. 

أظهرت أدوية أخرى، وخصوصاً التي تدفع القلوب الضعيفة للعمل بجدّ أكبر مع استثناء دواء واحد، بأنّها تزيد نسبة وفاة المرضى الذين يتعالجون من قصور القلب. الدواء الذي يبدو بأنّ تأثيراته محايدة، أو الذي لا يقتل المريض على الأقل، اسُتعمل أول مرّة في علاج المرضى عام 1785 بعد أن ذكر «وليام ويثرنغ» بأنّ مستخلص أوراق نبات «كفّ الثعلب – الديجيتال» ساعد المرضى مع ما كان يسمى في حينه «دروبسي – خزب»، وهو مصطلح يشير في الأرجح إلى المرضى الذين يعانون من قصور القلب ودقات القلب السريعة غير المنتظمة. يدعى المشتق المعاصر من هذا الدواء «ديجوكسين»، ويستمر مرضى القصور القلبي باستخدامه وخاصةً أولئك الذين يعانون من ضربات غير منتظمة معروفة باسم الرجفان الأذيني. 

ويبقى مدر البول الأكثر استخداماً، مع المرضى في المستشفيات وخارجها هو دواء يُعرف باسم «لاسيكس» (اسمه الشعبي فيورسمايد). لقد تمّ تطوير هذا الدواء وتسويقه منذ أكثر من أربعين عاماً ماضيةً، ويكلف بشكله الفموي مجرّد قروشٍ أيضاً. قامت شركات الأدوية الكبيرة، أثناء تسابقها لتحقيق المكاسب الكبيرة، بتسويق ما ادعوا بأنّها أدوية أكثر فاعليةً وأمناً للمساعدة في إزالة السوائل من المرضى المصابين بالقصور القلبي الاحتقاني. أحد هذه الأدوية هو «ناتريكور»، ويكلّف قرابة 500 دولار للجرعة الواحدة، والذي أثبت في النهاية بأنّه لا يملك أفضليةً على بديله الذي يكلّف قروشاً: «لاسيكس». بأيّة حال، لن أشعر بالتعاطف مع شركة «سايوس» صانعة هذا العقّار (والتي اشترتها شركة جونسون & جونسون)، حيث استطاعت بيع ما قيمته مليارات الدولارات من هذا الدواء، بعد أن سمحت لهم إدارة الأغذية والدواء والأمريكية عام 2001 بطرحه في الأسواق قبل التأكد من أنّ فاعليته تزيد على العلاج المعتاد، باستثناء زيادة الوهم. 

من المعروف انتفاع بعض أطباء إدارة الأغذية والدواء من إلقاء المحاضرات في شركات الأدوية، ومن بينهم رئيس مجلس الإدارة الدكتور «ميلتون باكر». 

الدكتور «ستيف نيسن»، الذي يعرفه الكثيرون منّا بوصفه ناقداً صريحاً للعلاقة الحميمة بين الأطباء وشركات الأدوية الكبرى، لم يحمل ذاته الرأي عام 2001 عندما أعلن عن فعالية الدواء وأوصى بقبوله، حتّى دون وجود بيانات تجريبية تظهر منعه حدوث أيّة حالة وفاة. 

عندما بدأت شركة «سايوس» بتسويق الدواء، قام طاقم تسويقها الماهرون بإسداء النصح للأطباء عن كيفية جني المال من فتح مراكز علاج وريدي. هناك، بدلاً من استخدام مدرات البول البسيطة التي تكلّف قروشاً، علموا الأطباء كيفيّة إنشاء أوقات زيارات معقدة تشمل علاجاً وريدياً طويلاً، باستخدام «ناتريكور». أذكر مجيء البائعين إلى مكتبي وهم يحملون جداول معقدةً، تظهر كيف يمكنني جني آلاف الدولارات شهرياً من ذلك، وبأنني طلبت منهم المغادرة وعدم العودة مطلقاً. يمكنكم أن تخمنوا بأنّ الكثيرين تربحوا من هذه الخدعة. 

إنّ ثمن علاجٍ لمدّة يومين باستخدام «ناتريكور»، وهو الدواء الذي يضيف لا شيء نافع إلى نسب وفاة مرضى القصور القلبي، يكفي تقريباً لمؤونة عامٍ كامل من حاصرات بيتا و«إس المثبط» و«سبيرونولاكتون» و«فيورسمايد»، التي يوصى بها لتقلل بشدّة من أعراض ووقت الاستشفاء والوفاة، جرّاء قصور القلب الاحتقاني. 

أريد في الختام أن أشكر شركات الأدوية الكبرى، أو على الأقل الشركات التي طورت هذه الأدوية منذ خمسين عاماً من أجل مساعدتنا على علاج مرضى قصور القلب الاحتقاني. أمّا بالنسبة لشركة «سايوس»، فيمكنكم الحكم بأنفسكم أين تكمن أولوياتهم.

 

نشرت في «ليفتيست ريفيو» في كانون الأول 2013 

معلومات إضافية

العدد رقم:
807