الزراعة البيئية في كوبا: مفتاح الاستدامة
نوريا باربوسا ليون  نوريا باربوسا ليون 

الزراعة البيئية في كوبا: مفتاح الاستدامة

أظهر الباحثون الكوبيون اهتماماً كبيراً بتعميم استخدام التقنيات التي درسوها من أجل تقليل استخدام الأسمدة الكيماوية، ولحماية التربة وللتأكّد من البذار وللسيطرة على الأعشاب الضارّة، عن طريق استخدام منتجات طبيعية للقضاء على الآفات والأمراض النباتية.

 

تعريب: عروة درويـش

يراهن المزارعون الكوبيون اليوم، على تقنيات الزراعة البيئية، وذلك باستخدام مصادر أكثر ملائمةً للبيئة، وبالتركيز بذات القدر على إنتاج الغذاء وعلى المحافظة على نظام بيئي متوازن ومستدام. 

استخدام منتجات الطبيعة

الكثير من هذه التقنيات موروثة عن الأجداد، رغم النظر إليها عادةً بأنّها لا أساس لها أو بأنّها ساذجة. بدأ الخبراء في السبعينيات بصياغة مصطلح «الزراعة البيئية»، والمعرّف بأنّه: علم متعدد المجالات، مكرّس لتعزيز الغذاء والحفاظ على البيئة. 

أظهر الباحثون الكوبيون اهتماماً كبيراً بتعميم استخدام التقنيات التي درسوها، من أجل تقليل استخدام الأسمدة الكيماوية، ولحماية التربة وللتأكّد من البذار، وللسيطرة على الأعشاب الضارّة، وذلك عن طريق استخدام منتجات طبيعية للقضاء على الآفات والأمراض النباتية، مثل: النباتات المنفرة مختلفة الروائح والأذواق، والفخاخ الملونة التي تشتت الحشرات الضارّة. 

أحد الإجراءات التي تمّ قبولها بسرعة، هي إنتاج المواد أو الأسمدة العضوية التي تضيف العناصر المغذية إلى التربة، والتي يتمّ الحصول عليها من فضلات الطعام وقشور البيض والأوراق المتساقطة وروث الحيوانات، وقد لاقت رواجاً أيضاً الأسمدة الحيوية والمبيدات الحيوية التي طورتها المؤسسات العلمية، وتحديداً الفطريات المؤذية للحشرات والطفيليات الحشرية.

قدر ة على الصمود!

في التسعينيات، وعلى إثر انهيار الاتحاد السوفييتي والحصار الأمريكي، اكتسب هذا العمل أهميةً كبرى. اعتمد العاملون في الحقول الكوبية هذه الممارسات من تلقاء أنفسهم دون أن يدركوا ما بات يُعرف بالزراعة البيئية. 

هذا ما قاله كثير من المزارعين لصـحيفة «غرانما إنترناشيونال» خلال ورشة عمل للمنتجين بعنوان: «من أجل زراعة مستدامة قادرة على الصمود».

علّق «سيرانو» أحد المهندسين الزراعيين: «لقد اضطررنا، نحن المزارعين الكوبيين، إلى التحالف مع مراكز البلاد العلمية، ولنعمل بكامل قدرتنا الإبداعية على تحقيق غلّة أكبر من التربة. نحتاج للابتكار بشكل مستمر كي نجعل من نظامنا الزراعي مستداماً». 

في مزرعته البالغة مساحتها 40 هكتاراً، يربي سيرانو الأبقار والأغنام والماعز والخيول والخنازير، بالإضافة للنحل والدجاج، ومن أجل إطعام هذه الأنواع، يزرع 16 محصولاً من علف الحيوانات. ويكرّس مساحاتٍ واسعةً لزراعة أشجار فاكهة، ممّا يزوده بـ 35 نوعاً مختلفاً من المنغا و26 من الأفوكادو، وأكثر من عشرة أنواع من أشجار جوز الهند، ذات الارتفاعات المختلفة، من بين أنواع أخرى. 

علّق قائلاً: حددت الجمعية الوطنية للمرشدين الصغار، منذ عدّة أعوام 50 مبدأً زراعياً بيئياً يجب على المنتجين أن يطبقوها، وأنا أمتثل لـ 32 منها. يتمّ الوصول إلى 75% من الإنتاج في مزرعتي عبر طرق زراعية بيئية، و25% عبر الطرق التقليدية

يرى سيرانو نفسه مروجاً لتقنيات الزراعة البيئية، ويعتقد بأنّ مسؤولية مشاركة هذه المعرفة والخبرات، يجب أن تكون مختلفة من مزارع لآخر، وذلك من أجل الحفاظ على استمرارية عملية التبادل والتواصل. كما أنّه يدعو للالتزام بالمعايير الزراعية لتجنّب السلوك غير المسؤول الذي يلحق الضرر بالبيئة والتربة. يقول: «يكمن التحدي الأكبر في نقل النجاحات التي حققها الباحثون إلى أيدي المنتجين». 

الهاضمات الحيوية

ومن الممارسات الزراعية البيئية التي لاقت قبولاً جيداً: بناء هاضمات حيوية في المزارع لمعالجة نفايات الماشية، ولتوليد طاقة متجددة نظيفة للأسر والمجتمعات الريفية. 

هناك مدافع عنيد عن هذه التكنولوجيا، هو مهندس الكهرباء الشاب «ألكسندر لوبز سيرفان». 

بدأ بعد حصوله على درجة الماجستير في النظم الكهربية بالعمل في ثلاثة هكتارات من الأرض، عينتها له الحكومة الكوبية ليربي فيها الخنازير. يعدّ الحقل الآن نموذجاً في الاكتفاء الذاتي من الطاقة. يشرح ألكسندر: «تأتي جميع الطاقة التي استخدمها في المطبخ ولتشغيل الأدوات المنزلية من الهاضمات الحيوية». 

تكمن مهمته الرئيسة في تعليم المنتجين الآخرين، وإظهار كيف يمكن إنتاج الطاقة النظيفة من موارد قليلة. وهو شيء تعامل معه بكامل الجديّة صديقه «يونير باز مارتينز»، وهو تقني الكمبيوتر المرخص، الذي يربي الخنازير أيضاً. 

شرح باز: «بنيتُ في المنطقة التي أعيش بها شبكةً لتوزيع الطاقة، لتزويد عدّة عائلات بالهاضمات الحيوية. يمكنني ضـخّ الغاز عبر أنابيب إلى ثمانية منازل، ويمكنني إضافة 50 آخرين. تقتضي خطتي توسيع مخزوني من الخنازير، وتطوير الغاز الحيوي كمصدر طاقة نظيفة، يستخدمه المزارعون الكوبيون». 

يستخدم «فلور دي كايو»، الكثير من وسائل الزراعة البيئية. يقول باز: «أنا أطبّق المعرفة التي حصّلتها أثناء دراستي الجامعية، وأهتمّ بالتقدّم العلمي التقني، كي أحصل على غلّة أكبر في إنتاجي. أكثر ما يهمني هو استغلال التطور العلمي في محاولة رعاية البيئة وحماية التربة».  

زيادة الغلال

هناك الكثير من المزارعين حول العالم، الذين لا يدركون فوائد تقنيات الزراعة البيئية، ويلـجؤون إلى الكيماويات، لأنّ لها تأثيراً سريعاً، معتقدين بأنّ تلك الممارسات تزيد الإنتاج بالهكتار مقارنةً بالأساليب التقليدية، وهو افتراض خاطئ كليّاً. 

تكشف الأرقام بأنّه في ظلّ ظروف مختلفة، في أوروبا على سبيل المثال، تزيد غلّة المحاصيل قرابة 30% عندما يتمّ استخدام وسائل الزراعة البيئية. بينما كانت النتائج في أمريكا الوسطى أكبر بثلاث مرّات في بعض الحالات. 

لدى كوبا قاعدة شعبية واسعة، تدعم الإنتاج الزراعي البيئي، بوصفه المفتاح للأمن الغذائي. وبالاستناد إلى الجهود لتحويل هذا النهج إلى سياسة عامّة، والحصول على نتائج إيجابية مع المزيد من المساهمات البشرية بدلاً من المزيد من المال والتكنولوجيا.

معلومات إضافية

العدد رقم:
806