الرأسمالية البطيئة والعلوم بين الاقتصاد السياسي والعلوم؟
إلى القرن السادس عشر تعود بدايات تشكل علاقات الإنتاج الرأسمالية، والنهضة التي شهدتها مختلف العلوم، لتسير في ترافق مع تطور علاقات الإنتاج الرأسمالية، وحاجتها، بغاية الصناعة والتجارة والحرب، فتطورت الفيزياء والكيمياء والبيولوجيا وعلم الفلك والجيولوجيا والرياضيات وغيرها، كجزء مما سمي بـ«عصر النهضة».
واعتبرت العلوم ضمن النظرة السائدة المعممة، أنها تقدمت بنقلات نوعية كبيرة في إطار النظام الرأسمالي، وهذا لا يمكن نكرانه نسبياً، ولكن هل ظاهرة التطور «الكبير» للعلوم لم تشهد نقلات أخرى لاحقة في نماذج أخرى، يجري التعتيم عليها أو التقليل من شأنها من قبل الإعلام والعلوم المسيطرين؟
تضخيم القدرات العلمية في دول المركز الرأسمالي
هناك مثال من الحاضر حول التضخيم الموازي للتعتيم، حيث تسود في الإعلام المسيطر ظاهرة تعيد يومياً إنتاج وتعميم نظرية ثنائية «التخلف-التحضر»، فللغرب(الرأسمالي} العلوم والتقنية والتقدم، ولشعوب العالم الباقية «الجهل» وغياب أية قدرة على فكر علمي، وتؤخذ تجارب مختلفة يجري الإضاءة عليها، كاليابان مثلاً. ولصفحات التواصل الاجتماعي المختلفة كما للإعلام والدعاية الواسعة دور إبراز «علميّة» هذه المجتمعات وجهل مجتمعات العالم الأخرى، أوعدم قدرتها على أن تكون علميةً.
إظهار الميزات «العلمية الخارقة» لدول المركز وعلى الرغم من شكله العلمي يحمل مضموناً مزدوجاً غير بريء، أولاً: للمبالغة الضمنية بقدرات الرأسمالية، وثانياً: في التعتيم على تجارب علمية بارزة ومتقدمة تاريخياً وحاضراً، كمؤشر على تقدم وصعود مقابل للتراجع الإمبريالي، ولتثبيت جهل شعوب المنطقة من جانب آخر.
العلم والاقتصاد الرأسمالي
دافعية العلوم في النظام الرأسمالي تجد أرضها بشكل أساس في الإنتاج الرأسمالي وعلاقاته، وبالتالي هي محكومة إلى حد ما في تطورها كعلوم في سقوف هذا الإنتاج و«طموحاته» وحاجاته، وليس في حاجات المجتمع ككل، كحاجات إنسانية عامة نحو التقدم والسيطرة على الطبيعة وتطور قدرات الإنسانية جمعاء.
وبالتالي ضمن هذه السقوف، النسبية، يحدث التطور التاريخي للعلوم في المجتمع الرأسمالي، وفيه يجد قوته الدافعة، ولو كان له هوامشه الخاصة في حركته.
الاشتراكية تخطت قوة الدفع الرأسمالية
عندما قامت الثورة البلشفية(1917) في روسيا التي تصادف هذا العام ذكراها المئوية، أي بعد مرور حوالي 400 عام على تشكل العلاقات الرأسمالية في أوروبا وتطور الرأسمالية الإمبريالية، كانت روسيا دولةً فلاحية بشكل غالب، تطغى على أغلب السكان الأمية والذهنية الفلاحية.
وخلال أربعين عاماً تقريباً من هذا التاريخ صعد السوفييت إلى الفضاء(أول كائن حي الكلبة «لايكا»- 1957، وأول إنسان «غاغارين»-1961، وأول محطة فضائية مأهولة “مير”-1986) أي قبل قوى المركز الإمبريالي جميعاً، وأنتجوا القنبلة النووية ومجمل العلوم الفيزيائية، وتقدموا في البحث الزراعي والكيمياء والطب والعلوم الإنسانية والتصنيع والإبحار والطيران، والرياضيات، والفنون وغيرها.
لن نبسط المقارنة ولكن على سبيل الشكل، أنجز السوفيات والاقتصاد الاشتراكي في 40 عاماً ما لم تنجزه الرأسمالية في 400 عام، أي تسارع تاريخي بنسبة 10 أضعاف.
هذا التعتيم على هذه المنجزات هو تعتيم على قدرات الاقتصاد الاشتركي وقوته الدافعة لقوى الإنتاج(العلوم منها) عكس العلاقات الرأسمالية الكابحة لهذه القوى.
مراكز الثقل العلمي اليوم:روسيا والصين مثال!
مع التراجع الإمبريالي وتقدم القوى الصاعدة، يشهد العلم في بعض الدول الصاعدة كروسيا والصين نقلات كبيرةً على المستويات كلها مدفوعاً بحاجة هذه الدول إلى التقدم والتطور خارج إطار الربحية والاحتكار الرأسمالي، في التكنولوجيا والطب والزراعة والبيولوجيا والكيمياء وغيرها.
وإلى جانب التعتيم تجري أيضاً شيطنة هذه المجتمعات في الإعلام السائد عالمياً، وإظهار الطابع «الحربي» لهذا التقدم، فهل نريد دليلاً أكثر من فيديو عن روبوت عسكري روسي «مخيف» («إيفان» الروبوت القاضي-Terminator) على حد قول الموقع الذي نشره، كصورة سخيفة لهذه الادعاءات، مقارنة بالآلة الحربية الإمبريالية والتمويل المالي الضخم لها.
هذا الانتقال للثقل العلمي وتسارعه في هذه الدول، يتخطى في كثير من المجالات التقدم الحاصل في دول المركز الرأسمالي نفسه، من جهة كمؤشر آخر على جدلية الاقتصاد- العلوم، ومن جهة أخرى كدليل على التفارق ما بين النماذج الصاعدة الجديدة والنموذج الإمبريالي.
علاقة العلوم بالاقتصاد، مؤشر على تقدمية النموذج الاقتصادي، ما بين إمبريالي رأسمالي بشكل عام مدفوع بقوة الربحية والسيطرة والحرب، وما بين اقتصاد مدفوع بقوة التقدم الاجتماعي الشامل، وأرضية لأي مجتمع قادر على إنجاز نقلات نوعية علمياً واجتماعياً، وإظهار لأي النماذج الاقتصادية المطلوب اعتمادها اليوم(في دولنا كذلك)، تفلتاً من علاقات النهب والتبيعة، أو تحرراً منها نحو نهضة شاملة.
الوعي يجد في البنية الاجتماعية أرضه الموضوعية، يستمد منها قدرته على الإنتاج والإبداع والتطور. والتاريخ أظهر ويظهر نقيضاً لـ «حضارة» الليبرالية و«علمية وتقدمية» الرأسمالية و«إبداعها» في النهب والتدمير، ويحمل ضرورة عالم آخر يسير سريعاً ويكثف الزمن.
معلومات إضافية
- العدد رقم:
- 804