(ديمقراطية الكربون): السلطة السياسية في عصر النفط

(ديمقراطية الكربون): السلطة السياسية في عصر النفط

مع انتهاء عصر النفط، وبداية عصر الطاقات البديلة، يتضح أن السبب الرئيس وراء ذلك، ليس حرص الدول الغربية على الطبيعة، بل انتهاء الجدوى الاقتصادية القائمة على أعلى معدل ربح ممكن من الطاقة، وليس بزوغ فجر الطاقات البديلة القائمة على الاكتشافات والاختراعات العلمية، تلك التي جرى قمعها طويلاً لصالح الاستثمار، حتى القطرة الأخيرة في الوقود الأحفوري.

 

في كتابه الصادر عن المركز القومي للترجمة، المعنون«(ديمقراطية الكربون) السلطة السياسية في عصر النفط»، يتحدث تيموثي ميتشل، عن فكرة تتمثل في: أن أساس الديمقراطية الحديثة على مدار القرن الماضي يربط دول الشرق الأوسط المنتجة للنفط ب«ديمقراطيات الغرب الصناعي»، ويذهب المؤلف إلى أن ديمقراطية الكربون في الغرب، قد قامت على فرضية أن النفط غير المحدود، سوف ينتج نمواً اقتصادياً لا نهاية له، وهو يخلص إلى أن هذا النموذج لا يمكنه أن يصمد لنفاد الوقود أولًا، ثم للتغير المناخي الذي يرتبط بوجوده .

تدور محاور الكتاب حول أبعاد العلاقة بين النفط والسياسة، من حيث تأثيره في تطور الأنظمة السياسية بالعالم وعلاقتها بالديمقراطية، خاصة في منطقة الشرق الأوسط الغنية بالنفط، حيث يدور الصراع السياسي ويحتدم في كثير من الدول.

 

العمال المذعنون

يقول المؤلف: إن الكتابات الأميركية عن مشكلة الديمقراطية في الشرق الأوسط، لا تقول سوى القليل عن العولمة الرأسمالية، والعمل الذي يجري القيام به لتحويل الناس إلى أن يكونوا «العمال المذعنين والمستهلكين الراغبين» المطلوبين لحل الأزمات الاقتصادية في الغرب، أو عن قوى الإمبريالية التي تعتبر مشروعات الدمقرطة بالنسبة لها جزءاً ضئيلاً دبلوماسياً من جهود أوسع ترمي إلى دعم هيمنة أصابها الضعف، أو عن أدوات العنف والقمع التي تستخدمها القوى التي تمارس الاحتلال، أو التي تستخدمها الأنظمة العسكرية.

إن القيمة المحورية في المناقشات المتعلقة بالشرق الأوسط في الولايات المتحدة، تتمثل في: مسألة كيفية صنع «أنواع جديدة» من المواطن، ففي المناقشات بشأن الحرب في العراق، أو الإصلاح الاقتصادي، أو مستقبل فلسطين، أو الإسلام السياسي، أو العقبات التي تقف في وجه الدمقرطة، أو انتشار المعاداة للولايات المتحدة، أو الحركات في العام 2011 يجد المرء اهتماماً متواتراً بمسألة كيفية إنتاج «نوع جديد» من الفاعل السياسي!

كيف يمكن خلق «ذوات سلطة» مجهزة بما يكفي لفرض حدود على السلطة، وباختصار تتساءل هذه المناقشات، عن الكيفية التي يمكن بها بناء أشكال جديدة للسلطة (أي ديمقراطية تحت السيطرة الغربية)!

ويتحدث عن البدايات الأولى للمفاهيم الديمقراطية في الغرب، والتي ظهرت قبل نحو مائتي عام، مع بداية عصر الثورة الصناعية، واستخدام الفحم في إنتاج الطاقة بدلا من الخشب، إضافة إلى بداية ظهور الاستعمار الحديث.

لقد تمكن النمو السريع للحياة الصناعية من هدم أشكال قائمة من أنظمة السلطة والحكم، وساهم تركيز السكان في المدن، وفي الإنتاج الصناعي كذلك، في تعبئة قوى جديدة فاعلة في العملية الديمقراطية، خصوصاً مع تنامي الاعتماد على الطاقة الناتجة من النفط، بدلاً من الفحم في بداية القرن العشرين، وزيادة أعداد العاملين في هذا المجال.

نفط الشرق الأوسط

ويتحدث عن بدايات إنتاج النفط في منطقة الشرق الأوسط والجهود التي بذلتها الشركات الغربية، سواء المنتجة للفحم أو النفط للحد من إنتاج البترول، أو عرقلة المزيد من الاكتشافات! في إطار عملية «سيطرة» غربية على الطاقة في المنطقة خصوصاً، وفي العالم عموماً.

لقد كانت السمة البارزة لنفط الشرق الأوسط، على مدار القرن العشرين، أنه كان على الدوام كثيراً جداً، وفي مواقع قليلة جداً، وربما هذا هو ما أدى إلى خضوعه لعملية «السيطرة» من جانب القوى الغربية السياسية والرأسمالية.

ويشير إلى أن العالم الصناعي، الذي أنجبته الطاقة المستمدة من الفحم ثم البترول لاحقاً، كان عالماً استعمارياً، فبينما ساعد الفحم على تركيز غير عادي للإنتاج وللسكان في المواقع قرب مناجم الفحم، حيث بدأ التصنيع،  فإن الحاجة إلى مواد غير متاحة في المناطق الصناعية، كالقطن والسكر والمطاط والذهب قد شجعت على توسع الاستخراج المنجمي والمزارع الكبرى والاستيطان الاستعماري، عبر مناطق من العالم غير الأوروبي.

ثم يناقش المؤلف، كيف أن أعباء التكلفة الاستعمارية في الفترة التي أعقبت انتهاء الحرب العالمية الأولى، أدت إلى سيطرة إنجلترا وفرنسا على نفط العراق والسعودية وسورية، وهو ما أدى إلى قيام حفنة من الشركات النفطية الغربية الكبرى بالسيطرة على نفط المنطقة.

ومع أن حقول النفط ومحطات الضخ وخطوط الأنابيب ومعامل التكرير في الشرق الأوسط، قد أصبحت في تلك الفترة مواقع نضال سياسي مكثف، فإنها لم تتح للمنخرطين فيها القوة اللازمة لإصابة منظومات الطاقة بالشلل، ولبناء نظام أكثر ديمقراطية.

وفي فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية، وفر نظام بنته أنابيب واتفاقات البترول واحتكارات القلة -التي وفرت إمداده وتسعيره- إطاراً لسياسة الشرق الأوسط بعد الحرب، حلت محل الحاجة إلى الانتداب والوصاية والبرامج الغربية وغيرها من روافع القوة الإمبريالية.

حكومات مستقلة

ويتحدث الفصل السادس، عن ظهور حكومات مستقلة عن النفوذ السياسي البريطاني والفرنسي، في كل من العراق والجزائر وسورية وليبيا، وهو ما سمح باستعمال البترول كأداة لأغراض سياسية أكبر ترمي إلى تغيير السيطرة عليه، أو تغيير جوانب أخرى في النظام السياسي في الشرق الأوسط.

ويدعو المؤلف في خاتمة الكتاب، إلى التقليل من الاعتماد على النفط، حيث أن عصر الوفرة أوشك على النفاد، فالعالم يستعمل مخزونات البترول أسرع من قدرة من يطورون حقوله لاكتشاف إمدادات جديدة، وبحلول عام 2008 كان مقدار البترول المتدفق من الحقول المنتجة بالفعل يتراجع بأكثر من 4% سنوياً.

معلومات إضافية

العدد رقم:
792