التغير المناخي خطيئة رأسمالية يزول بزوالها
المشاكل المناخية التي أضحت تهدد الوجود البشري على الأرض، لم يعد الحديث عنها أو عرضها للنقاش سواء في ندوات تُقام لهذا الغرض، أو على صفحات الكتب والصحف والمجلاّت، يمرّ دون إثارة مزيد من الجدل حول الحلول التي تطرحها تلك المحاولات. خاصّة فيما يتعلق بفرضية أن الرأسمالية، هي المتسبب الأول في تلك المشاكل.
يودي التغيّر المناخي بحياة 150 ألف شخص سنوياً، وقد سبق أن حكم على 20 بالمئة من الأنواع الحية البرية بالانقراض مع حلول العام 2050. كما سبق أن بدأ يكبّد صناعات العالم خسائر بمليارات الدولارات كالصناعات الزراعية، إضافة إلى تكاليف التنظيف جراء ظروف مناخية قصوى.
لكن ما حدث ويحدث ليس بهول ما قد يأتي في المستقبل، وفق المحللين ذاتهم، فإذا تقاعس العالم عن التحرك لكبح سرعة عواقب التغير المناخي، سيتفاقم عدد البشر المهددين وترتفع نسبة الكائنات الحية المعرضة للانقراض من 20 بالمئة إلى الثلث، بينما من المتوقع أن تؤدي العواقب المالية للتغير المناخي إلى تجاوز إجمالي الناتج المحلي في العالم أجمع، مع حلول العام 2080.
من المسؤول عن التدهور المناخي؟
«هل نحن على الطريق الصحيح؟ هل نفعل الأشياء الصحيحة لأنفسنا ولمستقبلنا؟ وهل هذا هو أفضل ما نستطيع فعله في ما يتعلق بالمناخ؟» من ثمّ تمحورت جلّ الأجوبة التي قدمتها صاحبته، حول فكرة مركزية تتعلق بمفهوم العدالة الاجتماعية والبيئية، فـ»الحلّ للاحتباس الحراري العالمي مثلاً: لا يتعلق بإصلاح العالم بل هو منوط رأسا بـ»إصلاح أنفسنا»، وفق تعبير كلاين.
لم تتوقف الكاتبة عند طرح المشاكل فحسب، بل عمدت إلى تقديم الحلول، حيث أشارت إلى أنّ هذه المشاكل سرعان ما تكمّلها الحلول الّتي تتمثّل في أفكار الأمل، وما يستطيع الأفراد فعله بشكل مختلف، واقتراحات لحلول اجتماعية جذرية، شأن الملكية العمومية للخدمات الأساسية التي توفرها قطاعات الطاقة والنقل والمياه.
كما تقرّ الكاتبة كلاين بدورها، بأنّ كتابها لا يُقدّم وقائع مهمّة حول علم المناخ، بل يهدف أساسا ًإلى معالجة «سياسة القوة البشرية»، ويمكن قراءته على أساس أنّه مثال آخر عن انتقاداتها العميقة للرأسمالية، والقوة الجامحة للسوق الحرّة.
يقدّم الكتاب شرحاً للأفكار المقترحة في كتابيها السابقين «لا شعار» و»عقيدة الصدمة». كما تشدد كلاين على ضرورة الانتباه إلى الدور الّذي يلعبه الجشع «الّذي حرّرته بالكامل القوانين والرقابة المهلهلة» في المجتمعات الحديثة.
ما علاقة المشاكل المناخية بالفقر؟
في كتاب «هذا يغير كلّ شيء» تقوم كلاين بما تحسن القيام به أكثر من أي شيء آخر، أي الاستفادة من دوافع الحراك الاجتماعي. حيث تبحث كلاين عمّا هو أبعد من النمو بوصفه المحدد الذي نضعه للقوة الاجتماعية، فهل نحن بصدد دخول مرحلة ما بعد النمو؟»
الثابت، وفق كلاين، أنّ التقارير الأخيرة المتعلّقة بالاقتصاد المناخي الجديد، لا تكاد تفعل شيئاً لتحدّي التّماثل الحالي في الآراء، الّذي يدعم ما تسميه بـ»الواجب الأساس الموجود في صميم منوالنا الاقتصادي الحالي: النمو أو الموت».
غياب العدالة الاجتماعية والبيئية يحول دون إرساء عدالة مناخية.
وبذلك فإنّ أفكار كلاين المنتقدة لاستراتيجيات التلطيف الحالية، قد تصف كذلك «التجارة في التلوث»، خاصة تلك التي تستخدمها أوروبا حالياً لتنظيم الانبعاثات من قطاع الطاقة.
حيث يتضمن هذا القسم عدّة أمثلة لطرق مبتكرة جديدة في وصف مشاكل قديمة، مثل استعمال «النزعة الاستخراجية» و»الطاقة القصوى» لوصف العقلية التي نتناول بها الموارد الطبيعية للكوكب ووصف الفحم الحجري كإسفنجة تحدّ من الكربون لملايين من السنين.
يكتسب القسم المخصص للحديث عن «الحرب على العلم» أهمية قصوى، خاصة أنّه يتحدث عن المفارقة البغيضة المتمثلة في ادّعاءات صناعة النفط والغاز، وتقديمها على أنّها بديل علمي واقعي ونظيف، في حين أنّ هذه الصناعة نفسها تهاجم الدراسات العلمية المتعلقة بآثار التغيّر المناخي والتلوث البيئي.
تقرّ كلاين بأنّ البشرية مطالبة بعدم الاقتناع بتكرار الخيار المضلّل بين «فرص العمل والنمو»، بل عليها أن تحاول إيجاد طريقة إيجابية لإعادة الاستثمار في المشاريع العادلة اجتماعيّاً. كما طرحت مشكل السكان ومشكل جلب «المستهلكين الفائقين» إلى العالم.
هل هنالك حلول للوضع الراهن؟
إن تأكيد كلاين في كتابها على أنّ الوضع القائم البائس المتمثل في «رأسمالية كوارث يغذيها التغير المناخي، والتّربح المُقنَّعُ في شكل تخفيض الانبعاثات، والحدود المخصخصة شديدة العسكرة، وربما اللجوء إلى الهندسة الجيولوجية عالية المخاطر، عندما تخرج الأشياء عن السيطرة» يفيد بـ»أنّنا الآن جميعاً في منطقة التضحية»، لا ينفي أنها تركت بصيصاً من الأمل في أنّ حركات العدالة المناخية والتعبئة الاجتماعية يمكن أن تقدم مستقبلا بديلاً، باقتراح فكرة حبل النجاة المتمثل في «أنّنا نستطيع تحديد طريقنا إلى التّغيير».
هل يمكن أن تقدم الرأسمالية حلولا؟
الفقر والاستهلاك الفائق جزءآن من المشكل، لا من الحل
ما طرحته كلاين في كتابها، هو في حقيقة الأمر ليس غريباً عن مشاغل السياسيين المعنيين بالأساس، بإيجاد حلول للمعضلة المناخية التي أضحت تؤرّق العالم، فقد سبق للرئيس الفنزويلي، نيكولاس مادورو، أن عبّر عن أسفه حيال الوضع المناخي الذي صار عليه العالم، خاصة أنّ الدول الغنية ما زالت تواصل اقتراح حلول لتقديم النموذج الرأسمالي المدمّر على أنه قادر على الاستجابة للمشاكل الخطيرة، التي تمّ إنشاؤها في السنوات المائة الأخيرة»، مؤكّداً «أنّ الشركات الرأسمالية العابرة للقارات لا يمكن أن تصبح بين عشية وضحاها قاطرة لإنقاذ كوكب الأرض».
وبهذا، يؤكّد مُراقبون على أنّ الرأسمالية التي تسببت في هذه المشاكل المناخية كلها، جراء تغوّلها وبحثها الدائم عن الربح دون حساب العواقب، لا يمكن لها أن تقدّم حلولاً لما أفسدته على مدى عشرات السنين.
نقلاً عن موقع الحوار المتمدن بتصرف