المدارس والتعليم في التاريخ القديم (بلاد الشام والرافدين)

المدارس والتعليم في التاريخ القديم (بلاد الشام والرافدين)

في كتابه المعنون المدارس والتعليم في التاريخ القديم (بلاد الشام والرافدين) الموجه للناشئة والذي أصدرته الهيئة العامة للكتاب للكاتب نزار مصطفى كحلة 

يتحدث الكتاب عن ظهور فكرة الكتابة فيقول: في الربع الأخير من الألف الرابع قبل الميلاد، حوالي 3200 ق. م.، توصل سكان مدينة أوروك السومرية إلى صيغة مبسطة للتواصل بين الناس، تمثل حالة من الكتابة التصويرية البدائية، والتي تطورت فيما بعد، وخاصة مع دخولنا الألف الثالث قبل الميلاد إلى كتابة رمزية، ومن ثم مقطعية متطورة، قادرة بشكل كبير على نقل ما يفكر فيه الناس وما يجول بخاطرهم، إضافة إلى تسجيل أحداثهم وتدوين أساطيرهم ومعتقداتهم.

وتعد الكتابة المسمارية أهم محصلة حضارية كبرى حققها إنسان بلاد الرافدين القديم. وقد عرفت الحضارة العربية السومرية الوركاء، قبل هور التدوين في أية منطقة من العالم. وذلك قبل أكثر من 5000 سنة حيث عثر في الطبقة الرابعة (ب) من المدينة المذكورة، وفي أحد معابدها على أكثر من 1000 رقم طيني، تتضمن وثائق اقتصادية بأقدم أنواع الكتابة وبأبسط أشكالها، وهي الكتابة التصويرية حوالي 3200 ق. م. في العصر المسمى الشبيه بالكتابي، ويشمل هذا الدور النصف الثاني من عصر الوركاء وعصر (جمدة نصر) 3200-2950 ق. م ويظهر أن الحاجة هي التي دفعت بالسومريين إلى اختراع الكتابة، وذلك لتسجيل وضبط واردات المعابد وحساباتها، وغير ذلك مما يتعلق بالشؤون الاقتصادية، لأن المعبد كان مركز الحياة الاقتصادية والسياسية والاجتماعية آنذاك. 

المدارس الأولى في بلاد الرافدين

لا يعرف بالضبط متى بدأ نظام المدارس في العراق القديم، وتشير المعلومات الواردة في النصوص إلى أن المدرسة كانت معروفة منذ بداية استخدام الكتابة وسيلة للتدريب حوالي 3000 ق. م. ويضم المتحف العراقي أعداداً كبيرة من الرقم الطينية التي تعود بتاريخها إلى الفترة السومرية القديمة 32002400 ق. م، والفترات اللاحقة لها والمدونة بنصوص مدرسية، وهي تلقي الضوء على استخدامها لتدريب الطلاب المبتدئين. كما وردت في نصوص أخرى إشارات إلى وجود المدرسة منذ العصر السومري، كمؤسسة تعليمية، بعضها أمثلة من نصوص خصصت للإشادة بأهمية المدرسة. وقد كشف عن أول وثائق مكتوبة في مدينة أوروك، وتتألف هذه الوثائق من أكثر من ألف لوح صغير من الطين منقوش بالكتابة التصويرية، أكثرها يحتوي على أجزاء من مذكرات اقتصادية أو إدارية، ولكن وجد من بينها جملة ألواح تشتمل على جداول بكلمات دونت لغرض الدراسة والتمرين، أي أن بعض الكَتَبة في زمن موغل في القدم، حوالي 3000 ق. م، كانوا يفكرون بعقلية تتضمن طرق التعليم والتدريس. 

ومن هذه النصوص الطريفة، حزورة سومرية، وهي كالآتي: (بيت بأسس كالسماء... البيت الذي يشبه إوزة واقفة على قاعدة متينة، يدخلها المرء بعيون مغلقة.... ويخرج بعيون مفتوحة.... فما هي؟: الإجابة-المدرسة).

وما إن حل منتصف الألف الثالث قبل الميلاد، حتى ظهر عدد كبير من المدارس في بلاد سومر وأكاد جميعها، إذ صارت الكتابة تدرّس تدريساً منتظماً.

ففي مدينة شوروباك، وفي التنقيبات التي أجريت هناك عام 1902-1903 عثر على عدد كبير من الألواح المدرسية التي كان يدرس فيها تلاميذ المدارس، ويرجع تاريخها إلى عام 2500 ق. م على وجه التقريب. كما كشفت أعمال التنقيب في أماكن أخرى عن حجرة دراسية يعود تاريخها إلى حوالي 2000 ق.م، وجدت على أرضها ألواح طينية لبنين وبنات، فيها حكم أخلاقية تحثّ على الفضيلة.

المهم في الأمر أن النصف الأخير من الألف الثالث قبل الميلاد 2500-2000 ق. م، كان هو الوقت الذي بلغ فيه نظام المدرسة السومرية-الأكادية طور النضج والازدهار.

نظام التعليم في المدرسة

يبدو أن التعليم في هذه المدارس كان لقاء أجر (مدارس خاصة)، عدا عن الهدايا الإضافية الواجب تقديمها إلى المعلمين، وهذا يعني أن التعليم لم يكن متاحاً لطبقات المجتمع كافة، وخاصة الفقراء. وقد كانت المدارس تدعى بالسومرية (دوب-سار) وبالأكادية (توفشارو)، والاسمان يدلان حرفياً على الذي يحفر العلامات الكتابية على الألواح الطينية (فعل سار يعني كتب) ثم أطلق على المعهد التعليمي، اسم (أدب-با) والكلمة سومرية، وتعني بيت الألواح أو دار الألواح، وربما منها أتت كلمة(أدب) في اللغة العربية.

الهيئة التدريسية

كان مدير المدرسة في السومرية يدعى (أوميّا) أي الخبير أو الأستاذ، ومن ألقابه أبو المدرسة، فيما يلقب التلميذ بابن المدرسة، كما وجد في المدرسة موظفون منهم: الأخ الكبير الذي يكتب الألواح للتلاميذ كي ينسخوها، وكان يفحص ألواحهم ويسمّع لهم دروسهم، فيما يقوم موظف آخر بالإشراف على الرسم، إضافة إلى المشرف على اللغة السومرية، ووجد أيضاً الرجل الموكل بالسوط أو الناظر الذي يحافظ على النظام.

ومن الألواح التي كتبها الطلاب يمكن أن نستنتج بأن البرامج الدراسية كانت تحوي قسماً في العلم والبحث، وقسماً في الأدب والتأليف، ونجد في بعض الألواح أسماء النباتات والحيوانات والحشرات والمعادن والحجارة والمواقع، إلى جانب ألواح في الحساب والنحو. وقد كانت الدراسة باللهجتين «اللغتين» السومرية في البداية والسومرية والأكادية فيما بعد، خاصة في النصف الثاني من الألف الثالث قبل الميلاد 2500-2000 ق. م.