وجدتها:العمارة الصديقة للإنسان

في موسم الحديث عن إعادة الإعمار، بدأ الحديث يأخذ شكلاً حصرياً وكأن مثل هذه القضية هي من اختصاص شركات ما يسمى التطوير العقاري أو الاستثمار العقاري، تلك الشركات التي تقدر ميزانياتها بالمليارات، وكأن الحديث هنا لا يجري عن بيوت سيسكن فيها الإنسان، هذا الذي عانى من ويلات الحرب خمس سنوات متتالية، ومن حقه أن يعيش في مسكن إنساني لائق وبتكلفة إنسانية لائقة.

إن الاستثمار في آلامنا كان قائماً أثناء الحرب ويبدو أنه سيستمر في مرحلة ما بعد الحرب في إعادة الإعمار.

لكن أي مسكن نريد؟.

يقول المعماري جين نوفيل: «كل وضع جديد يتطلب عمارة جديدة»، ووضعنا يتطلب ما يعيد الإنسانية إلى نمط البناء، وإلى تكلفته بالطبع كي لا تصبح عملية إعادة الإعمار، عملية لإعادة النهب والفساد.

ويقول المعماري رالف ايرسكين: «دور المباني هو تحسين العلاقات بين الناس، العمارة يجب أن تسهل ذلك، لا أن تجعله أسوأ»، إن عمارة لا تأخذ بعين الاعتبار نمط العلاقات الاجتماعي الموجود، لا بل تسعى إلى توطيده وتحسنه ودفعه إلى الأمام، ليست بالتأكيد عمارة صديقة للإنسان.

فكما يقول المعماري برنارد تشومي: «دور العمارة ليس التعبير عن بنية المجتمع القائمة بالفعل، بل في توظيفها كأداة تساؤل عن تلك البيئة لمراجعتها من جديد»، إن مهمة المراجعة تلك يجب حتماً ألا تكون في يد شركات التطوير العقاري أو تجار البناء. إنها مهمة وطنية بامتياز، تتطلب معرفة آراء الأطراف الفاعلة والمنفعلة في المجتمع جميعها،  فمن حق ساكني تلك التجمعات أن تؤخذ آراؤهم بعين الاعتبار وخاصة أنهم هم المستفيد والمتضرر الأول ممّا يجري كله من تفاعلات في تلك المناطق.

والعمارة الصديقة للإنسان تتقاطع في كثير من جوانبها مع العمارة الصديقة للبيئة 

حيث ظهرت العمارة البيئية في الحضارات القديمة في صورة محاولة الإنسان للتأقلم والتعايش في بيئته. وتباينت صور هذا التأقلم من استخدام المواد المتاحة في البيئة المحلية في العمران مروراً بطرق استخدامها وانتهاء بالأساليب التي اتبعها للتعامل مع عناصر البيئة ومحدداتها من الأمطار والرياح والحرارة وضوء الشمس وغيرها.

وفي العمارة المحلية استخدمت العديد من المعالجات البيئية مثل استخدام الملاقف والقباب والأقبية والفراغات الداخلية وكذلك الأخشاب في المشربيات وغيرها. وذلك كله كان في إطار تأقلم الإنسان مع بيئته. وكان هذا الاتجاه سائدا على مر العصور والأزمان، فلم يتجه الإنسان إلى تجاهل بيئته مطلقاً، وإنما حاول بشتى الطرق التأقلم مع عناصرها. إلى أن قامت الثورة الصناعية وعززت اغتراب الإنسان عن نفسه وعن بيئته.