مهارة اتخاذ القرار وأثره على النجاح
د.مرسلينا شعبان حسن د.مرسلينا شعبان حسن

مهارة اتخاذ القرار وأثره على النجاح

إن النّاجحين في أي مجتمع هم أناس يتخذون قراراتهم – اعتماداً على المدى الزّمني البعيد، وعبر وضع خطط مرحلية، وعن طريق بذل تضحيات في الوقت الحالي وفي المدى القصير، من أجل عوائد مستقبلية. هذا الإتقان هو نقطة البداية لتحقيق أي نجاح أو إنجاز بالمعنى المادي أو المعنوي في الحياة.

فعندما تتمكن من إتقان فن التّحكم والسّيطرة على النّفس، من خلال ضبط معايير نعتمدها لحياتنا في آليات منطقية عمادها العقلانية وملامسة الواقع في البت بآرائنا وبالتالي قراراتنا، بعيداً عن الارتجال والتّقليد والانفعالات المشحونة بردات فعل لحظية، عندها فقط يمكننا الثّقة بقدراتنا وبأنفسنا.
فن التّحكم والسّيطرة
والسّؤال المطروح، ما الذي يمكن أن نفعله لو لم يكن هناك أية عوائق أو صعوبات تواجهنا في مسيرة حياتنا؟
الأمر يبدأ بفكرة أو حلم، وأن نضيف إليه الثّقة، سيتحول إلى إيمان أو معتقد، وإن نضيف إليه الالتزام من خلال اتخاذ القرار ليتحول إلى هدف قريب نراه، ولنضف إليه العمل والحركة، ليحصل الانجاز. وسيتحول هذا الانجاز ليكون جزءاً من حياتنا، وإن أضفنا إليه الإصرار والعزيمة وأعطيناه الوقت المناسب، ستتحول أفكارنا وبالتالي أحلامنا إلى طموحات واقعية.
 في السّنوات الأخيرة بتنا نسمع وبتكرارات كبيرة، كلمات معينة تكاد تشكل قاموس مفردات عامة بين النّاس اليوم، من هذه المفردات المكررة من أغلبية الأشخاص عبارات من مثل: طاقة سلبية / طاقة إيجابية / قانون الجذب / قانون الوفرة / حظ،
 بدلاً من الاعتماد على ذهنية معينة أو منهجية في حل إشكالات وفق معايير صحيحة لاتخاذ القرار، عمادها جمع المعلومات والمعرفة بقدراتنا.
قانون الجذب
فقانون الجذب بالمعنى الدّارج يصور الإنسان، وكأنه عبارة عن مغناطيس حيّ، يخلق أفكاره ومعتقداته من حوله مجالاً من القوة الجاذبة تشع، فتجذب الناس والظّروف والمواقف والفرص، الذين يتناغمون مع أفكارنا ومعتقداتنا، والذين يساعدوننا لتحقيق أهدافنا التي نريدها.
هذا القانون بات معياراً جامعاً يفسر العديد من حالات النّجاح، والإخفاق في العمل والتّجارة، فكل ما نحن عليه في حياتنا اليوم هو نتيجة جذبنا له بطريقة تفكيرنا.
مجالنا الحيوي
نحن قادرون على تغيير حياتنا، لأننا قادرون على تغيير طريقة تفكيرنا. بمعنى أدق الجذب يبدأ من داخلنا فنحن نستدعي الأمور الجيدة بقدر جودة تفكيرنا، ونستدعي التّجارب النّاجحة لمن في مجالنا الحيوي بقدر حيوتنا، والعكس بالعكس.
إن تحمل المسؤولية بأكملها عن الأشياء الجميلة في الحياة كلها، وكذلك عن تلك التي لا نراها جميلة، يعطينا التّقبل ومن ثم التّفاؤل، فعندما نتفاءل، ما فعلناه هو أننا ننفتح من الدّاخل لتلقي هذا الخير.
أشكال الاعتقاد
هناك أشكال خمسة للاعتقاد هي (الاعتقاد الخاص بالذات – الاعتقاد الخاطئ بالأسباب-الاعتقاد الخاطئ بالأشياء-الاعتقاد الخاطئ بالماضي، وفيما يأتي سأحاول شرح مضامين هذه المعتقدات الخمسة:
1- الاعتقاد الخاص بالذات، فما نعتقد به حول أنفسنا يمكنه أن يساعدنا على النّجاح، أو يدمر حياتنا إلى الأبد، فالإنسان نتاج ما يعتقد به، والنظرة للنفس من كونها هي الموصلة لوعينا لذاتنا، ومن ثم البصيرة في الإجابة عن وعينا لم سنقدمه للحياة، من خلال الدّور الاجتماعي المنوط بكل منا.
2- الاعتقاد الخاطئ في أسباب الظّواهر الحياة والسّلوكيات المتكررة من مثل: كأن يعتقد المدخن أن التّدخين مفيد، ليريح أعصابه، حتى يصاب بأزمة في القلب أو تظهر عليه مشاكل صحيّة مختلفة العامل الأبرز المسبب لها هو التّدخين، حتى يخرج بعدها معتقداً أن التّدخين مضرّ ومميت، وفي الحالتين كلتيهما بقى التّدخين كما هو لم يتغير.
3- الاعتقاد الخاطئ حول الأشياء والاشخاص، يسهم في ضلال المعارف، بمعنى الاكتفاء بما نتصوره عن الأشياء دون معاينتها أو البحث للتعرف عليها، كأن نحكم على مطعم بالجودة أو على أية سلعة من خلال الحكم الظاهري عليها، والأخطر هنا الحكم على الأشخاص قيلاً عن قال دون معاملتهم، بأن نقرر مسبقاً أنهم سيئون او جيدون من خلال التّعميم الذي وصلنا من حيث لا نعلم وثوقية ذلك.
4- الاعتقاد عن الماضي يمدنا بالسّلبية مرات، أو أيضا قد يعطينا طاقة وعزيمة إيجابية من خلال سبرنا لحصيلة من التجارب المؤثرة على سلوكنا الحالي، والتحكم في تصرفاتنا المستقبلية.
5- الاعتقاد الخاطئ عن المستقبل: هؤلاء الذين يضعون العصي في العجلات، ويتوقعون الإخفاق على الدوام، من أمثلتي على ذلك، شخص يخاطب نفسه بالقول: لن أجد وظيفة حين أنهي دراستي الجامعية، لن أجد الزّوجة المناسبة، لن ...
المعتقدات الخاطئة
من نجده يركز تفكيره فيما لم يجد ضالته، ويسقط من حساباته الفرص الجيدة الممكنة، فهذه المعتقدات الخاطئة سمة للتّفكير القهري تهد العزيمة، فلا تغيير دون أن ينطلق من تغيير الأفكار والمعتقدات الخاطئة عن أنفسنا أولا، وعن رؤيتنا للغير ثانية.
إن الهروب من مواجهة مشاكل علينا حلها، بأن نعقد حياتنا ونجعلها أصعب بدون داع لذلك، من خلال التّحجج بأعذار بدلاً من اتخاذ قرارات جادة بمواجهة الصّعوبات وجدولتها، إن التّبرير أداة الضّعفاء، لأنه حيلة دفاعية سلبية للتّكيف تكلف الشّخص مجهوداً كبيراً لتصحيح صفاء ذهنه بعد كل موقف يسلك به هذا السّلوك.
ولنتخيل أن الحياة سيل لا ينقطع من المشاكل المبدعة التي تبحث عن حل، ولنجرب آلية واقعية لاتخاذ قرار جاد لكل مشكلة أو تحدٍ يعترضنا، لا أن نستسلم لقرارنا بالهروب أو الهزيمة في التزاماتنا الحياتية في مناحيها المتعددة.
 فلا يتحول الخطأ إلى فشل إلا حين نرفض تصويبه، ولهذا فالإخفاقات طويلة الأجل ما هي إلا نتاج أناس اختاروا المجيء بأعذار بدلاً من أن يتخذوا قرارات صحيحة بالمبادرة نحو معاينة هذه الأخطاء وتصحيح مساراتها.

آخر تعديل على الأحد, 28 شباط/فبراير 2016 23:37