كيف كان الطب في شرقنا القديم؟
إعداد سلمى السعيد إعداد سلمى السعيد

كيف كان الطب في شرقنا القديم؟

 دون طب الآشوريين على قمع آجري في هياكل العبادة، وكانت تبحث في المداواة والعلاجات. وقد عرف البابليون والآشوريون البابونج والخردل، كما استعملوا الحشيش والأفيون للتخدير. وكان الطابع الغالب على طب بابل وآشور (أو وادي الرافدين) هو الكهنوت والسحر، لأن العلم كان مرتبطاً ارتباطاً وثيقاً بالكهانة.

إن القسم الكبير من المعارف الطبية يرجع إلى الألف الثالث ق م، تعتبر مكتبة آشور بانيبال في نينوى أول مكتبة منظّمة في الشرق الأدنى القديم، ويرجع تاريخها إلى سنة (668ـ 626ق م)
 حوت أكثر من ثلاثين ألف لوحة طينية، في مختلف العلوم منها ثمانمائة لوحة نقشت عليها نصوص طبية
اعتقد البابليون والآشوريون أن الأمراض من أعمال الأرواح الشريرة، وكان يتم تشخيص المرض عن طريق الكاهن الذي يقوم بتلاوة بعض أنواع الرقي وصنع الأحجبة. بالإضافة الى الأدوية


صورة رقيم بابلي
من الآجر يشرح نوبة الصرع

لجأ الآشوريون إلى الجراحة في طبهم، ولكن معرفتهم بالتشريح كانت بدائية بل أكثر بدائية من المصريين القدماء، وقد جاءت معرفتهم هذه من تقطيع الحيوانات التي تذبح لتقدم قرباناً للآلهة أو لإطعام الناس، أما فيما يخص التشريح البشري فإنه عرف الكثير من النواحي التشريحية من ملاحظة مظاهر الجسم، وازدادت معرفته بملاحظته ما كشفت عنه جروح القتال خاصة الكبيرة منها، ومن مقارنة المعلومات التشريحية في حيوانات القرابين مع شبيهاتها في جسد الإنسان.
درس البابليون والآشوريون التشريح ولاسيما تشريح الكبد، وعرفوا التشوهات التي تطرأ على الإنسان والحيوان. ويُعزى سبب تعمق البابليين في دراسة الكبد إلى اعتقادهم بأن هذا العضو يسيطر على سائر أعضاء الجسم وأنه رئيسها كلها.
كانت المواد التي استخدمها الطبيب من أصول مختلفة فقد استخدمت كثير من الأعشاب وخلاصات نباتية التي كانت من أكثر الأدوية شيوعاً»، بحيث إن كلمة عشب أصبح يطلق عليها اسم دواء.


الثعبان رمز الشفاء
كان يعتقد أن هذا الشعار من وضع اسكليبيوس الإغريقي، ولكنه توجد في متحف اللوفر بباريس منحوتة وجدت في «لكش» يرجع تاريخها إلى سنة
(2000ق م) تشتمل على دورق فيه صورة لحيتين ملتفتين على بعضهما يقف خلفهما «جوديا» أمير لكش، ومكتوب عليها أنها مهداة إلى «نينكيش زيدا» إله الشفاء.


شريعـة حمورابي والطـب
لم تكن تشريعات حمورابي الأولى من نوعها في تاريخ بلاد الرافدين، فقد سبقتها ثلاث محاولات للتشريع دونت في «أور» و«إشنونا» و«إسين». ولقد تولى تجميع هذه التشريعات في عهد حمورابي عدد من رجاله القانونيين والإداريين. وتعد شريعة حمورابي من أعظم الوثائق التي أمدتنا بمعلومات طبية خاصة عن قوانين الجراحة عند البابليين والآشوريين.


الطب والأطبـاء في مملكة ماري
كان الأطباء في ماري يعتمدون بشكل عام على الأعشاب والنباتات فقد كان الطب في بابل بشكل عام طبا «عشبياً»، كما كان الناس في ذلك العصر يعتمدون على ملاحظة مصدر الأمراض ويطبقون طرق الوقاية من العدوى.
وكان الزيت ضرورياً لعلاج الأمراض الجلدية، إن رسائل مملكة ماري تعلمنا بوجود أطباء موظفين في خدمة القصر أو الحكومة. يبين ذلك أن مهنة الطب كانت مقصورة على الطبقة الحاكمة.


الطب عند الفينيقيين
كانت تجارة الأدوية مزدهرة عندهم، ينقلونها إلى بلاد الغرب والبلاد الواقعة حول البحر الأبيض المتوسط، وكان للدين عندهم تأثير كبير في الطب لذلك كان الكهان يتعاطون هذه المهنة.
يقول المثل الفينيقي «إذا طلب المرض تاجاً، أعطه اثنين لعله يذهب»
في حوالي الألف الأول ق.م. ظهر إله الطب إشمون وانتشرت عبادته، ظهر اسم إشمون في جيل بعل، أي جيل أبناء إيل، ويظهر معه اسم الإله شدرافا زوج الإلهة شديد والإلهة كوثرات إلهة الحمل والولادة. إن المستوى الحضاري الذي تمتعوا به ارتفع بهم إلى فهم أهمية النظافة والوقاية من الأمراض، وكانت هناك طقوس يومية للاغتسال بالماء، وغسل البيت بجميع غرفه ومحتوياته وما تحتها» وهناك أنواع أخرى من الاغتسال كانت تتم بقصد الوقاية من الأمراض ووضع حد للأوبئة، ولم يكن طقس الدهان بالزيت(التمسيح) مقصوراً على الملوك، بل كان يقوم به عامة الشعب. كذلك كان اللون الأرجواني مفضلاً من ناحية سحرية ضد بعض الأمراض ولاسترضاء الآلهة. «وكانت النار أعظم وسائل التطهير، فالذبائح تطهرها النار، والمعادن تطهرها النار عند ما تصهر فيها، وكانت النار وسيلة التبخير، وكان طقس التطهير بالتدمير يجري عادة عن طريق النار، وكانت هناك أعياد (طقوس دورية للآلهة رشف وإشمون. وكانت هناك أمراض كثيرة منتشرة مثل الأمراض الجلدية وأمراض الحشرات الممرضة كالديدان والبعوض، وكان الناس ومازالوا يستعملون المياه المجموعة في الآبار (خزانات) والتي لم تكن غالباً بعيدة عن المراحيض البيتية، التي تؤدي إلى حفرة امتصاصية، وقد تنشر الأمراض عن طريق امتصاص الماء وما قد يحتويه من جراثيم.  لقد أظهرت الحفائر في صيدا أنهم كانوا أطباء أسنان مهرة» الفك العلوي لامرأة وجد في تابوت، ووجدت به أسنان  من آخر مربوطة بأسنانها بخيط من الذهب، هل كان العمل من أجل هدف تجميلي( السن الأمامي كان هو الجديد)، أو لإعطائها شيئاً للعض به غير واضح، ولكنه وجد في تابوت آخر، ولكن الهدف النفعي كان واضحاً، إذ كان يعاني من التهاب اللثة واضطر إلى فقد ستة من أسنانه، وجميعها كان مثبتاً في موضعه بسلك من الذهب ملتف حول الأسنان الثابتة وقد حملها المريض فترة طويلة، إذ تظهر عليها علامات الاستعمال الطويل، ووجدت في عين الزيق(قلعة نبطية قديمة) في شمال النقب أسنان مغروزة بواسطة أسلاك برونزية ، ووجدت في أريحا عدة  جماجم مثقوبة من العصر النيوليثي(الحجري الجديد) كما وجدت في حازور(شمال فلسطين) عدة نماذج  للكبد، ربما كانت تستعمل للنظر الكبدي (طريقة تنبؤ  بابلية  قديمة) Hepatoscopy  ، ولكنها بالتأكيد لأغراض طبية. وتذكر رسائل تل العمارنة وجود أمراض وأطباء في البلاطات الكنعانية، وبعد، فليس هناك وثائق كنعانية تتحدث عن الطب، وإن كان هناك أمل بالكشف عن مزيد من ألواح أوغاريت التي سبق وغيرت النظرة العالمية إلى حضارة الكنعانيين، وقد هلكت الوثائق الكنعانية مرتين: مرة في صور عندما أحرقها الإسكندر المقدوني عام 330 ق.م. ومرة أخرى في قرطاجة عندما أحرقها الرومان عام 146ق.م. 


هل كان الطب ميتافيزيقياً
مع أن الطب يبدو ميتافيزيقياً مرتبطاً بالآلهة ولكني أعتقد أنه كان كذلك نظرياً فقط، ولكنه كان عملياً مرتبطاً بالطبيعة، فالناس تلجأ إلى النباتات (تحت رعاية الإله، أله الطبيعة والخصب) وتعرف خواص هذه النباتات وتستعملها في استطبابات معينة، كما تستعمل النار (تحت رعاية إله النار)، فيصبح وجود الإله صورياً، وربما يضيف الإيمان بالإله لقوة الشفاء لدى الناس. تشير الوثائق إلى وجود طبقة الأطباء في البلاطات الملكية، وإلى وجود أطباء أسنان أيضاً.

آخر تعديل على الأحد, 03 كانون2/يناير 2016 00:16