وجدتها: مجاهيل التمويل في الجمعيات
تعتمد المنظمات غير الحكومية بغض النظر عن نوعها (بيئية اجتماعية ثقافية) بنسبة كبيرة على التمويل الآتي من الوكالات الدولية للأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي وبعض الدول الأجنبية عبر الصناديق والمؤسسات التي تخصصها للمجال الإنساني والتنموي، وبعض المصادر الخاصة كالشركات والمؤسسات الخيرية الدولية. لكن هذه الجهات المانحة لا تعطي تمويلها بالسهولة التي يتخيلها بعض من تذهلهم كمية الأموال التي تضخ فيما يسمى بالمجتمع المدني. تضع الجهات المانحة شروطا صارمة تشمل كل التفاصيل سواء تعلقت بتنظيم نشطات الجهة المستقبلة للتمويل أو بنوعية هذه النشاطات وميادينها.
في سعيها للحصول على تمويل لنشاطاتها ومشاريعها، أو حتى لضمان بقائها في بعض الأحيان، تضطر المنظمات غير الحكومية إلى إدماج معايير ومبادئ تمت صياغتها من طرف موظف أو سياسي أو تكنوقراطي بمكتب في إحدى العواصم الشمالية، ومن دون النظر في كل حالة على حدة. مهما كان تاريخ المنظمة غير الحكومية وحجمها وإمكانياتها البشرية والإستراتيجية ومكان تواجدها (بالمدينة أو بالريف) ونوع نشاطها... فهي تضطر للانصياع لقائمة من الشروط المعدة مسبقاً والمختلفة حسب المؤسسة المانحة. تبدأ هذه الشروط بمنهج صياغة طلب التمويل، وتنتهي بالتدقيق بكل المصاريف ومحاولة تقليصها قدر الإمكان. وفي إطار علاقة التبعية التي تربط المنظمات غير الحكومية بمموليها، هناك عدد من السلوكيات التي تنهش استقلاليتها. فالجهات المانحة تصدر إعلانات التمويل محدِّدة نوعية المشاريع التي تنوي تمويلها، والفئات التي ترغب باستهدافها، ومدة التمويل...
في إطار علاقتها مع الجهات المانحة أو المنظمات الدولية التي تلجأ إليها لاكتساب الشرعية، ممن لا يؤمنون إلا بالخبرة الأجنبية، لا تستورد المنظمات والجمعيات المحلية عناصر وطرق عمل وتدبير فقط، بل هي تستورد كذلك مجموعة من المفاهيم كـ«عالمية المعايير الأخلاقية» الليبرالية، و«الحياد» الإيديولوجي والسياسي. برامج التنمية المستدامة ومحاربة الفقر تأتي لتعالج أضرارا ناتجة عن سياسات اقتصادية ليبرالية، من دون أن تتساءل بشكل جدي عن الأسباب. فالمنظمات والجمعيات المحلية تضع نفسها في محل ما يسميه البعض بالوجه الإنساني للرأسمالية، الضامن لاستمرارية الوضع القائم. ففي آخر الأمر، «التنمية المستدامة» ما هي إلا وسيلة للحفاظ على اقتصاد السوق.