حرب فاترة
«مرحباً لجميع الناس حول العالم، نحن مجموعة «أنونيموس» لقد حان الوقت لكي يدرك الجميع بأن وسائط التواصل الاجتماعي قد أصبحت طريقة، يستخدمها تنظيم داعش في اتصالاته وفي نشر الأفكار الإرهابية بين الشباب، لكنها في الوقت نفسه سلاح متطور علينا جميعاً أن نتعاون على استخدامه لإيقاف تلك الحسابات التي يستخدمها أولئك الارهابيون».
هذه هي الرسالة القصيرة التي حملها أحد المقاطع المنشورة على موقع اليوتيوب، كان قد أطلقها رجل وراء قناع أبيض يمثل مجموعة «أنونيموس» الشهيرة، تلك المجموعة من قراصنة الحواسيب حول العالم والتي سطع نجمها خلال السنوات الأخيرة مترافقة مع العديد من الأحداث العالمية كأحداث «احتلوا وال ستريت» وتسريبات ويكيليكس الشهيرة، وأصبح القناع الأبيض رمزاً عالمياً للصوت المدافع عن حقوق المناضلين في القضايا التي تشغل العالم والوجه الافتراضي لأولئك المرابطين في ميادين الاحتجاج، وها هو اليوم يعاود نشاطه بحماسة بعد أحداث باريس الأخيرة التي أودت بحياة العديد من المدنيين في انفجار مأساوي كبير، أعلن تنظيم داعش مسؤوليته عن هذا الفعل، فأعلنت مجموعة «انونيموس» حرباً «الكترونية» عليه.
«جواسيس» ضمن تنظيم داعش الإرهابي
حصد نشاط المجموعة اهتمام العديد من الوسائل الإعلامية، هذه المرة لم يكن الأمر مشابهاً عندما تم دعم حركات «احتلوا وال ستريت»، وسرعان ما تحدث الجميع عن خبر مفاجئ، أكده أحد المتحدثين باسم المجموعة، «تم إيقاف أكثر من عشرين ألف حساب لعناصر من تنظيم داعش على موقع تويتر»، وهو رقم قياسي لم تعهده تلك المجموعة من قبل وخاصة خلال أيام قليلة، وتابعت التصريحات من المجموعة لتتحدث عن طرق جديدة تم استخدامها للقيام بهذا العمل وشكرت جميع المتعاونين، وأشارت إلى وجود «جواسيس» ضمن تنظيم داعش الإرهابي، كان لهم دور كبير في الوصول إلى هذا الرقم الكبير، استمر تناقل الخبر عدة أسابيع في إشارة إلى اعتبار كل هذا انتصاراً جديداً في «الحرب الدولية على داعش»، واختفى ذلك التوجس من تلك المجموعة من القراصنة المجهولين، والذي كان عنوان جميع التقارير التلفزيونية التي تحدثت عنهم خلال العقد الماضي.
«أداة تبليغ رقمية»
حاز هذا الرقم الخيالي على اهتمام التقنيين قبل الجميع، وبدأت علامات الاستغراب تتجمع حول الرقم المعلن لتلك الحسابات، ولتبدأ الكثير من الخيوط بالتكشف، وأخذ الشك يتحول إلى حقائق مثبتة، ونشرت الكثير من المواقع المتخصصة تقارير عن استهداف المجموعة للكثير من «الحسابات البريئة» مما أدى إلى الوصول إلى هذا العدد من «الضحايا»، ثم تابعت لتتحدث عن الخطأ الذي لطالما تقع في الكثير من الهيئات الرقمية التي تتعامل مع خصوصيات الثقافة العربية أو الإسلامية، ووضحت بأن الكثير من منتقدي داعش والساخرين منها قد تم تصنيفهم من أتباعها، والسبب جهل المجموعة باللغة العربية، وأشارت بعض التقارير إلى الملاحظة الدائمة التي يطلقها الخبراء في تلك المجموعة حول ضرورة الحديث باللغة الانكليزية فقط في المنتديات والمجموعات الرقمية كافة التي تجمع عناصر تلك المجموعة، والذي يدل على معرفة ضئيلة باللغات الأخرى، كما وضحت ملابسات العملية «النوعية» التي قامت بها المجموعة، حيث تم استخدام «أداة تبليغ رقمية» يتم توزيعها على عناصر المجموعة ومن يتعاون معهم، تسمح لمستخدمها بتشكيل لائحة من الحسابات التي «يظن» بأنها تروج لأفكار تنظيم داعش الإرهابية، أي أن المجموعة لم تغلق أي حساب، بل قامت بتسليم موقع «تويتر» لوائح بالحسابات بعد أن قامت بـ«التبليغ» عنها فقط، ليقوم الأخير بإقفال تلك الحسابات دفعة واحدة.
لا ملاحقة للمجرمين الحقيقيين
ازداد الموضوع تعقيداً خلال أيام قليلة، وأخذت مصداقية المعلومات التي وفرتها المجموعة حول هذا الموضوع بالتضاؤل ساعة بعد ساعة، وبدأت الانتقادات تتصاعد من الناشطين أنفسهم، فقام حساب المجموعة الرسمي على تويتر بنشر اعتذار مقتضب، ذكر فيه بأنه سيراجع المسالة بشكل أكبر، لكن تلك التغريدة حذفت بعد دقائق، وكأن شيئاً لم يكن، لتبدأ التغريدات المتضاربة حول حقيقة ما يجري، علق أحدهم بأن كل تلك العملية لا تغني ولا تثمر، حيث يمكن لأي كان إعادة خلق حساب تويتر خلال دقائق بعد أن يتم إيقافه، لا يوجد «نصر» حقيقي كما تروج له المجموعة، وعلق آخر: «طرحت سؤالاً مجازياً على حسابي منذ بضعة أيام، قلت : ما هي داعش حقاً؟ ، وها أنا اليوم على قوائم الإرهابيين!»، كما استغرب الكثيرون تخلف المجموعة عن ملاحقة المجرمين الحقيقيين وراء إرهاب داعش «العالمي» وملاحقة الحسابات البنكية التي تمول الهيئات والتنظيمات الفرعية التابعة لها كما فعلت المجموعة من قبل، بدلاً من أن تكتفي بملاحقة كل من وضع على حسابه كلمة «داعش» والإبلاغ عنه كما يفعل الهواة لا «القراصنة» المحترفون!