وجدتها: رموز وسيوف
في طريق تشكيل الوعي البشري، يلعب علم الإشارة دوراً رئيسياً أو ما يسمى في المصطلح العلمي علم السيميولوجيا، وهو علم يهتم به الفنانون من تشكيليين ومسرحيين والأدباء من كتاب وشعراء كما يهتم به علماء النفس والعسكريون والإعلاميون، لما له من دور كبير في التأثير على جموع الناس.
حيث تبدو الجموع هدفاً وحيداً، متأثراً بما تريد أي جهة بثه من أفكار وعقائد وأفكار وحتى مزاجات.
وحينما يتردد مصطلح التلاعب بالوعي يتبادر إلى الذهن على الفور كتاب التلاعب بالوعي لمؤلفه سيرجي كارامورزا الذي تحدث عن التلاعب بالوعي وسلوك الإنسان باستخدام الوسائل القانونية الواضحة والمرئية، وعن التكنولوجيا الهائلة التي يستخدمها، انطلاقاً من واجباتهم الوظيفية ولقاء أجور غير كبيرة، مئات الآلاف من الموظفين المحترفين بغض النظر عن أخلاقياتهم الخاصة بهم وإيديولوجياتهم وذائقاتهم الفنية، إنها تلك التكنولوجيا التي تنفذ إلى كل منزل والتي لا يستطيع الإنسان من حيث المبدأ أن يختبئ منها. لكنه يستطيع دراسة أدواتها وأساليبها، وهذا معناه، أنه يستطيع أن يبني «وسائل حمايته الفردية».
فإذا غدت معرفة أدوات التلاعب بالوعي هذه وأساليبه متاحة لعدد كبير بما فيه الكفاية من الناس، فستصير ممكنة أعمال المقاومة المشتركة، أو في البداية، أعمال الوقاية من هذا التلاعب. طبعاً سوف يبتكر المتلاعبون أدوات جديدة، وأساليب جديدة. لكن هذا سيصير صراع قلة قليلة (وإن كنت تملك المال والتنظيم) ضد جمهور هائل من الناس المبتكرين والمفكرين تفكيراً خلاقاً. الانتقال بحد ذاته إلى الصراع يعني انعطافاً مهماً في مصير البشرية كلها.
كان تمثال يوسف العظمة الشاهر سيفه في وجه الأعداء، رمزاً إشارياً هاماً في وعينا تجاه مؤسس الجيش السوري الذي طبعه بطابع المقاومة العنيدة للاستعمار، وليست إزاحته من واجهة دمشق ولبها واستبداله بعد حين بتمثال يوسف العظمة المسدل سيفه والمزاح إلى الخلف قليلاً في إشارة إلى خوف أو خجل من هذا السيف، إلا إشارة أخرى في الاتجاه المعاكس، ولا يمكن الاستعانة بحسن النوايا وللأسف في علوم السيميولوجيا حتماً.
إن معرفة أن هذا التغيير يعني تلاعباً بوعي شعبنا تجاه واحد من أوائل الرموز الوطنية السورية وواحد من أهمها يستدعي تغييراً يعيد لنا وعينا الوطني الحقيقي، وليس تمثال يوسف العظمة هو المثال الوحيد في هذا المجال لكنه المثال الأكثر فجاجة، وللحديث تتمة.