خطوط حمراء

خطوط حمراء

لا تحمل منصات التواصل الاجتماعي الرقمية الكثير من التغييرات اليومية في منطقتنا، وما زالت المواقع المعهودة تسيطر على النشاط اليومي للكثير من مستخدمي تلك الشبكات، لكن تلك الموجة لم تتوقف يوماً عن التغيير والتنوع، وأصبح مفهوم الشبكات الاجتماعية على الانترنت النواة الدائمة للعديد من التطبيقات الأخرى حول العالم، والتي تحاول استيعاب الاهتمامات العديدة لمرتادي الشبكة العالمية لكنها تنتهي بهم في كثير من الأحيان في أماكن غير متوقعة، أو حتى غير مفيدة على الإطلاق.

حظي دور تلك المواقع الالكترونية في موجات الحراك الشعبي التي شهدناها طوال السنين القليلة الماضية، لقد حظي هذا الموضوع بحصته الكبيرة من الجدل، ووضعت مقاييس حقيقية لمدى التأثير الجدي لمنابر التواصل الاجتماعي على مسار الحراك الشعبي الشبابي، وأجمع الناس على أن لها أثراً لا يمكن إهماله، بل لا يجوز إهماله في بعض الأحيان، لكن تلك الموجة قد بدأت تأخذ أشكالاً متطرفة للغاية، ولم تعد رسوم «تويتر» وتعليقات «الفيسبوك» كافية لإشباع جموع المدمنين على التواصل الاجتماعي الرقمي عبر الشبكة، فأخذت بعض الشركات المهتمة زمام المبادرة، وبدأت بدعوتهم إلى مجتمعات فرعية تخاطب الغرائز البدائية قبل العقول، وتمنحهم مساحة أخرى تختفي فيها الخطوط الحمراء لبعض الوقت.

منصات التواصل الاجتماعي «الغريزية»

يظهر موقع «راوست» كأحد الأمثلة الفاقعة عن منصات التواصل الاجتماعي «الغريزية»، فهو يمنح جميع مستخدميه أهم المزايا التي تتحاشاها بقية التطبيقات الأخرى، حيث يمكن لجميع مستخدميه مناقشة القضايا السياسية الحساسة بكل حرية، واستخدام ما يستلزمه الأمر من الألفاظ المسيئة والجارحة، وليجمع جميع محبي الآراء المشاكسة والعنيدة ممن لا يجدون لهم مكاناً مناسباً على المواقع التقليدية، عندها سيتحول الموقع إلى زوبعة صاخبة من النقاشات التي لا تنتهي، والتي يجمع المسؤولون عن هذه المنصة بان نسبتها قد بلغت 40 بالمائة من مجموع المحادثات الالكترونية التقليدية، كان لا بد من توافر مساحة ما لمثل تلك النقاشات، من دون أي تدخل، وهو ما أثار إعجاب العديد من المستخدمين ودعاهم إلى تزويد القائمين على تلك الفكرة العبقرية بمزيد من الاقتراحات قبل إطلاق الخدمة رسمياً في العام القادم.

«سوق النخاسة العصري»

هناك مثال آخر حاز على نصيب كبير من الضجة هذا الاسبوع، حيث قدمت إحدى الشركات التقية في كاليفورنيا تطبيقاً جديداً خاصاً بأجهزة الهاتف المحمول، دعي التطبيق باسم «بيبول» أو «الناس»، وهو يعتمد على فكرة بسيطة للغاية حازت على إعجاب وسخرية العديد من المتابعين في آن واحد، حيث يسمح التطبيق لجميع مستخدميه بـ «تقييم» بقية المستخدمين بدرجة تتراوح من نجمة ذهبية واحدة وصولاً إلى خمسة نجوم، فقط، هذا كل شيء، أي أن ذلك التطبيق سيعرض أمام مستخدمه لائحة مطولة من الأشخاص ابتداءً بمن يعرفهم مسبقاً ثم يتيح له إمكانية «التقييم» بما يراه مناسباً، لا توجد أي معايير محددة لذلك التقييم وستصل رسالة على الفور إلى الطرف الآخر لتخبره عن عدد النجوم التي حصل عليها من أحد أصدقائه، يمكن للمرء تخيل الفوضى التي سيسببها «سوق النخاسة العصري» هذا بين الأصدقاء والغرباء، لكن كل ذلك لا يهم بعد أن حققت النسخة الأولية من ذلك التطبيق نجاحاً باهراً بلغ أكثر من مليون عملية تحميل خلال أقل من أسبوع، وأصبح بالإمكان التعبير بكل صراحة عن جميع المشاعر التي تنتاب أي من المستخدمين حول جميع الأشخاص من حوله دون أي داعٍ للباقة المعتادة، على كل حال، ينتمي هذا التطبيق إلى سلسلة طويلة من التطبيقات المشابهة التي تستخدم فكرة «التقييم» كعامل أساسي للجذب، وما زال الكثير من تطبيقات «المواعدة» و «إيجاد الشريك» يسمح بتبادل الصور الشخصية و«تقييمها» من قبل الشركاء المحتملين، والتي كان لها أثرها البالغ السوء على جيل كامل من الشباب في أوربا وأمريكا وسبباً هاماً في حالات الاكتئاب النفسي والاضطراب العقلي.

وحيداً في فراش بارد!

يستطيع الجميع اليوم البدء بتنظيم أي نوع من «المجتمعات الرقمية»، والتي قد تشكل لمستخدميها نوعاً مفضلاً من الإدمان المعاصر يخاطب أبسط الغرائز ويدفع بالمشتركين للانخراط بقوة في تلك التجمعات، ليأخذ كل منهم استراحة قصيرة من «انسانيته» عارضاً جميع صوره الجميلة على إحدى تلك التطبيقات كأي سلعة مشابه على رفوف المحلات التجارية، وربما سيشعر ببعض السعادة إن قام أحد الغرباء بإعطائه أربعة نجوم من أصل خمسة، لكنه سيشعر بمزيد من الوحدة حين يضطر إلى إغلاق جهازه والخلود إلى النوم وحيداً في فراش بارد!