«قيادة ثورة النانو» إعادة ترتيب العالم وإنتاجه

«قيادة ثورة النانو» إعادة ترتيب العالم وإنتاجه

إن دماغ فرد واحد يستطيع من حيث المبدأ تخزين ومعالجة معلومات أكثر من حاسبات اليوم. لعله من غير المحتمل أن تتمكن أية كاميرا سينمائية من التقاط الصور المرئية بحيوية أكثر من العين البشرية. في هذا السياق يمكن القول إن حواس الشم التي يمتلكها «الكلب» أكثر حساسية من الحساسات التي نطوّرها. كما إن معظم منظومات الإنذار المبكر يمكن النظر إليها كمنظومات بدائية بالمقارنة مع الحاسة السادسة للحيوانات. في الواقع، هذه الوظائف كلها تؤدّى في الطبيعة دون جَلَبة. وحدث ذلك منذ زمن سحيق وبدقة مستدامة.

أثر العجلة ليس أعظم من العربة

تقول الحكمة التقليدية: إن ما يحدث في مصنع ليس إلاّ تقانة عالية، فالتقانة تحوّل المواد البدائية غير المستعملة إلى مواد مفيدة وحديثة. لكن التقانة لها أثر كبير في الطبيعة، ويتعاظم مع تزايد تعقيد التقانة، وعليه فإن أثر العجلة ليس أعظم من العربة. وإذا ما أسقطنا ذلك على الزمن، فسوف نرى أن تأثير التقانة يزداد مع التقدم الحضاري للبشرية، فالإزميل الذي كان في العصر الحجري يرمز إلى التقانة العالية. والرجل الذي كان يصنع أزاميله بشكل أفضل، كان يحصل على حصة أكبر من الطعام. في أيامنا هذه، يُنظر إلى الرقائق الفائقة المستخدمة في الحواسب الأسرع، كمنتجات ذات تقانة عالية جداً أو ذات تقانة مثلى. لكن مع ذلك، فهذه المنتجات وعبر مسيرة إنتاجها من الرمل إلى الرقائق، ومن ثم إلى دارات تكاملية، تسببت في ضررٍ شديدٍ على البيئة، حتى ولو كانت تسهم في الانفجار المعلوماتي. يمكن القول إن آثار التقانة الحديثة بينة وواضحة في الموارد الطبيعية كلها: كالماء والهواء وكل شيء من حولنا. وبالتالي فإن ما طورناه ليس تقانة عالية بالمطلق. من جهة ثانية، فإن استخدام التقانة التقليدية لم يؤمن المردود الأمثل في عمليات تحويل الطاقة. نضرب مثلاً على ذلك منظوماتنا الفوتوفلطائية التي تحوّل الضوء بمردود 16% فقط. كما إن محركات الاحتراق الداخلي تعمل بمردود يقارب 52%؛ وحينما نقوم بعملية الطهي لا نستخدم سوى 38% (في الحالة الأفضل) من الطاقة الحرارية المنتجة من الغاز. لكن أجسامنا بالمقابل تستهلك كامل الطاقة الكيميائية التي تنتجها. كما إن النباتات والبكتيريا على حد سواء تستخدم الطاقة بشكل أفضل.

أسلوب الطبيعة

في هذا السياق، يجب القول إنه فيما لو كان أداؤنا غير فعال كما هو الحال في المحركات الكهربائية، فإن ذلك يتطلب أن تستهلك عدة مرات أكثر مما نحتاجه من الطعام في اليوم، وقد يكون الطعام في هذه الحالة غير كافٍ للجميع. من الواضح إذاً أن الفاعلية القصوى يمكن تحقيقها فقط حينما نتبع أسلوب الطبيعة. إن الطبيعة تصلح سنوياً ما مقداره 110-120 بليون طن من الكربون من خلال التركيب الفوتوني. أما نحن البشر فنصدر فقط 0.65 بليون طن من ثاني أوكسيد الكربون من خلال التنفّس. كما إن إصدارات الكربون العائدة للنشاط البشري تشكل نحو 8 بليون طن، حيث إن 77.5% منها ينتج عن احتراق الوقود الأحفوري لوحده. أثناء هذه العملية، ننتج أيضاً الكثير من النفايات الأخرى، مثل: الدخان ومركبات عضوية معقدة وأكاسيد النتروجين. من البديهي أن تكون التقانات التي نطورها أقل فاعلية ومردودية من تلك العاملة في الطبيعة. لكن الأكثر أهمية من ذلك، الفوائد والمنافع الناتجة عن العمليات والآلات المطورة من قبلنا، فهي ليست متطابقة مع المقادير الكبرى من الموارد التي نستخدمها من أجل هذه التطويرات.

يتناول مؤلف «قيادة ثورة النانو» للدكتور عبدالقادر رحمو (دار نشر علاء الدين), نواح متنوعة من طيف علوم وتقانات النانو المستجدة. ويهدف باختصار إلى:

• تعريف القارئ بعلوم وتقانات النانو ومناقشة بعض أبعادها العامة في سياق التطور التقاني والفكري والتاريخي.

• إعطاء لمحة عن الأسس العلمية والتقانية للتصنيع في نطاق النانو.

• استعراض التطبيقات الحالية والمرتقبة لتقانات النانو.

• التطرق إلى أخطار تقانات «النانو» ومحاذيرها.

• التأكيد على أهمية وضع أطر قانونية ملائمة وصياغة تشريعات مناسبة تتناول تقانات النانو وتطبيقاتها.

• استعراض وتحليل لجهود الدعم والاستثمار وتوظيف رؤوس الأموال في تقانات «النانو».

• مناقشة طبيعة ودور المؤسسات الفاعلة وجهود دول العالم الثالث في تنمية وتوظيف هذه القدرات التقانية.

يستهدف هذا الكتاب أوسع شريحة متاحة من الفاعلين في مجالات العلوم والثقافة والتشريع والسياسة، لما لعلوم النانو وتقاناتها وتطبيقاتها من أهمية فائقة، وهو يحرص على أن يكون مدخلاً لتنمية الوعي الفردي بمقومات ثورة النانو وحافزاً لوضع استراتيجية شاملة, تخاطب مستلزمات علوم النانو وتقاناتها وتبعاتها في الحاضر والمستقبل.