العمل المأجور وغير المأجور:  دراسة من جنوب سورية

العمل المأجور وغير المأجور: دراسة من جنوب سورية

تحت عنوان «ميزات ساعات العمل المأجور وغير المأجور لدى المرأة والرجل وقيمته المالية في الأسرة السورية-دراسة ميدانية تحليلية مقارنة في المنطقة الجنوبية من سورية» قدم أ.د. ريمون المعلولي من جامعة دمشق-كلية التربية في مجلة جامعة دمشق بحثه. الذي قدم فيه هذه الميزات.

 

بسبب ازدياد الفقر في كثير من البلدان النامية نتيجة تبنيها نُهج اقتصاد السوق وهو ما يعرف بإعادة هيكلة الاقتصاد «في فترة الثمانينات من القرن الماضي، ازدادت الأعباء التي تتحملها النساء، فمن أجل التعويض عن الخسارة في دخل الأسرة قامت النساء بزيادة إنتاجهن لأغراض الاستهلاك المنزلي، والعمل ساعات أطول، والنوم ساعات أقل، وغالباً تناول وجبات غذاء أقل.

تتجاهل النُهج الاقتصادية التقليدية، وكذلك البرامج الإنمائية التقليدية، إلى حد كبير الإسهامات الاقتصادية التي تقدمها المرأة-. ونخص التجاهل الكلي للقيمة الاقتصادية لعملها المنزلي والمحلي غير المأجور  إِذ «لا تظهر» في الحسابات القومية وفي الإحصاءات السكانية، على الرغم من قيمتها الإنتاجية والاجتماعية الواضحة.

تجاهل قيمة العمل غير المأجور

إن تجاهل قيمة العمل غير المأجور الذي تؤديه المرأة في المنزل، أو في الأنشطة الاقتصادية الأسرية المدرة للدخل، سواء عبر عدم الاعتراف بها أصلاً، أو من خلال تبخيس قيمتها يتطلب علاجاً جوهرياً هو حساب إسهامها في التنمية وفي الرعاية الاجتماعية العامة حساباً دقيقاً. إذ لو حسبت قيمة أعمال النساء بشكل أوفى، لاتضح وزن المرأة الكبير في عملية التنمية. وللقيام بذلك، يلزم اعتماد نُهج جديدة وإعداد بيانات أفضل تتعلق بالتنمية، تكون محسوبة على أساس التقسيم الجنسي (ذكر وأنثى). وهنا تبرز الحاجة إلى إعادة تصميم تعدادات السكان الوطنية ولا سيما عمليات المسح الزراعي.

مشكلة البحث

يصنف دليل المهن السوري، العاملين وفقاً لطبيعة الأعمال التي يمارسونها كمهن البيع والزراعة والصناعة والخدمات والمهن الفنية والتخصصية وأعمال الكتابة، ومهن الأعمال الهندسية المساعدة ولا توجد بينها «أعمال منزلية».

وعلى ذلك تنخفض معدلات قوة العمل في المجتمع، ومعدلات المشتغلين فيه. وعادة ما يعزو الاقتصاديون أسباب انخفاض تلك المعدلات إلى ضعف مشاركة المرأة في الحياة الاقتصادية.

ففي دراسة لوزارة الزراعة (2008) شكلت النساء في العمالة الأسرية غير المأجورة %37 من إجمالي العمالة النسائية الريفية، وتصل نسبة النساء في العمالة الأسرية غير المأجورة أقصاها في دير الزور 67 % وفي حلب 52 % وفي الرقة 49 % والحسكة  %47 وحماة46 %. 

وفي حقيقة الأمر، إن تحليل العمل (غير المأجور) الذي تمارسه المرأة، داخل المنزل أو خارجه، يفيد بأنها تمارس الأعمال والمهن جميعها، فالمرأة تمارس ومن دون أجر الأعمال التربوية- التعليمية وكذلك الصناعية الطبخ والغزل والحياكة وصنع الملابس للأولاد) والأعمال الزراعية (تربية الطيور والأبقار ورعايتها وزراعة الخضار وجنيها) والخدمية (تنظيف الثياب وكيها وتنظيف البيت والمطبخ) والرعائية) الصحية والنفسية والعاطفية) فضلاً عن دورها الإنجابي الذي لا يضاهيه عمل آخر). ففي المنزل تتكثف الأنشطة الاقتصادية الاجتماعية والإنسانية كافة، وبصورة خاصة في المجتمعات التي لم يبلغ بعد فيها التطور الاقتصادي والتقني مرحلة متقدمة.

إن قدراً كبيراً من العمل الذي تقوم به المرأة لا يظهر في الحسابات القومية وفي المسوحات الإحصائية السكانية، وفي الغالب الأعم تواجه المرأة السورية مأزقاً شديداً بتبخيس قيمة عملها والحط من مساهمتها في التنمية

ميزان العمل المأجور

ولدى النظر في متوسط وقت العمل المبذول داخل المنزل وخارجه) ميزان العمل المأجور والمقدر (لكل من الرجل والمرأة نجده موزعاً بين الرجل 7.84 ساعة يومياً، وقيمتها المنظورة المأجورة) وغير المنظورة (المقدرة 18643 ل.س شهرياً. مقابل 9.4 ساعة يومياً قيمتها 26344 ل.س شهرياً. أي في مقابل كل 100 ل.س يسهم الرجل في توفيرها لأسرته، تسهم المرأة في 141 ل.س وإسهام الإناث من بين الأولاد كان الأكبر في العمل غير المأجور، ما يعني التمييز على أساس الجنس.

حسابان للدخل المادي

إذن، هناك حسابان للدخل المادي على مستوى الأسرة: حساب تقليدي يأخذ بعين التقدير الدخل المنظور الناتج عن العمل المأجور، وهذا حساب ذكوري يظهر فيه الرجل المعيل الأساسي لأسرته. وحساب غير تقليدي يؤكد أن العمل المبذول – طالما أن له قيمة اقتصادية واجتماعية نافعة للأسرة والمجتمع-له قيمة مالية سواء أكان مأجوراً (منظوراً) أم غير مأجور، ويمكن تقديره بأساليب وأدوات إحصائية واقتصادية جديدة، عندئذ تدخل المرأة -التي تصنف كربة منزل (لا تعمل) ويتم إخراجها من قوة العمل لتبدو مستهلكة ومعالة من قبل الرجل-في تصنيف القوة العاملة. فمساهمة المرأة في الحياة الاقتصادية انطلاقاً من أسرتها ليس أقل من إسهام الرجل ويمكن أن تتفوق عليه في حالات كثيرة.

«تقديس دور المرأة»

إن البحث في عمق هذه الظاهرة -تجاهل عمل المرأة، وبخاصة عملها المنزلي-يمكن أن يوصلنا إلى حقيقة القيم والأفكار التي تتحدث عن تقديس دور المرأة في العائلة كزوجة وأم، بوصفه (الدور) وظيفة اجتماعية ترتبط بقيم أخلاقية. بالتالي، فإن العمل المنزلي ورعاية الأطفال، يكّلفان المرأة وقتاً ومجهوداً ويصبحان واجباً يومياً، تحصل المرأة في مقابله مديحاً زائفاً يتم تدريسه في المدارس والجامعات. ويأخذ الحيز الواسع في النقاشات حول «فضيلة» الأمومة وأهميتها على شاشات التلفزة وحلقات الحوار التي تدعي مناصرة المرأة.

إن هذا الوصف للدور الذي تقوم به المرأة في المنزل، هو محاولة لفصل تلك الوظيفة عن علاقتها المباشرة بعلاقات الإنتاج والإنتاج نفسه. فالعمل المنزلي الذي تقوم به المرأة من تحضير المأكل والمشرب وأعمال التنظيف والغسيل، إنما هي خدمات نراها تُباع في السوق بشكل يومي، بينما تقوم الملايين من النساء بهذا العمل من دون أن يتقاضين أجراً.

وهكذا يتم توجيه البحوث والدراسات، وبالتالي الحسابات الاقتصادية والاجتماعية لمصلحة الطبقات الاستغلالية، فمن المعروف أن وراء مناهج البحث وأدوات القياس للظاهرات الاجتماعية أيديولوجيات توجه تلك المناهج نحو مسارات تتلاءم وتلك القيم.

المقترحات

سوف تكون لنتائج حساب قيمة العمل المبذول بطريقة غير تقليدية آثار كبرى سوف ترتب واقعاً وموقعاً جديداً للمرأة في أسرتها وفي المجتمع: له أبعاده الاقتصادية، والاجتماعية، والنفسية، والإنسانية.

المقترحات والتوصيات

الاستمرار بمراجعة القوانين المتصلة بحقوق المرأة كي تتمتع بحقوقها غير منقوصة.

إعادة النظر بأساليب الحساب الاقتصادي التقليدية، واعتماد أساليب جديدة تأخذ البعد الجنسوي في الحسبان.

إعادة النظر بمناهج المسوح الاقتصادية) مسح قوة العمل، والمسوح الديمغرافية (وعد العمل المنزلي بين الأعمال ذات المردود الاقتصادي، الأمر الذي سوف يؤدي إلى تغيير موقع المرأة ومكانتها في الأسرة والمجتمع.

إجراء المزيد من الدراسات حول العمل غير المأجور وخصوصاً العائلي منه. واستنباط طرائق جديدة لتقييمه اقتصادياً على مستوى الأسرة والمجتمع.