أين تقع مدينة «الشَّجوة»؟

أين تقع مدينة «الشَّجوة»؟

تصدر خبر السيطرة على مدينة «الشجوة» العراقية الشاشات في كل مكان، إنها نقطة استراتيجية هامة تصارعت حولها «داعش» والقوات العراقية المدافعة بأنواعها المختلفة، وهاهي اليوم أصبحت تحت سيطرة ما يعرف بقوات الحشد الشعبي هناك، هبت مواقع التواصل الاجتماعي تتحدث عن المعركة الدامية التي شهدتها المدينة الواقعة شمال غرب مدينة كربلاء العراقية..

لكن تمهلوا قليلاً.. هل هي بالفعل كذلك؟ هل حدث ذلك حقاً؟ أين تقع هذه «الشجوة»؟ لا يستطيع الكثير من العراقيين تذكر هذه المدينة على الإطلاق، أليس هذا غريباً؟ ربما هم محقون في ذلك.. قد تشعر ببعض الحرج

حين تعلم بأنها مدينة تخيلية.. غير موجودة أساساً!

نشرت صحيفة الأندبندنت البريطانية منذ أيام تقريراً صادماً وطريفاً في آن واحد، اعترف فيه العراقي «أحمد المحمد»، بتلفيق إحدى أكبر الفضائح الصحفية المعاصرة، لقد سئم «أحمد» خلال وجوده في بريطانيا من انقطاع الأخبار عن العراق يومان على التوالي، فخطرت بباله فكرة مجنونة: «إن لم أجد أخباراً.. سأقوم بتلفيق بعض الأخبار»، وهذا ما فعل، وجد الرجل الأمر طريفاً للغاية ونال الكثير من الضحكات من أصدقائه على «تويتر» بعد أن أطلق أخباره تلك للفضاء الرقمي الواسع، أراد أن يرى كيف يتحلق المناصرون والمعارضون حول مثل تلك الأخبار، لم يكن يظن بأن الأمر سيتخذ منحاً جدياً للغاية، وبالتأكيد، لم يكن يتوقع أن تفرد قناة CNN  الأمريكية الشهيرة تقريراً كاملاً عن مدينة تقع في رأسه لوحده!


تمييز الخبر الكاذب

تدل كلمة «الشَّجوة» في اللهجة العراقية المحلية على الكيس الجلدي الذي تحتفظ به القرويات بالحليب الطازج ليتم تحويله إلى زبدة، رأى «أحمد» أن هذا الاسم يصلح لمدينته التخيلية، ووجد بأن هذا الاسم سيفضح سخريته دون أن يضلل أحداً، لكن الصدمة لم تسع الرجل حين رأى الكثير من أصدقائه على تويتر يلومون «داعش» لتقاعسه عن نصرة «الشجوة»، كما أصابه الذهول حين رأى ستة من مذيعي قناة CNN يتحلقون أمام خريطة كبيرة للعراق في خضم تحليلاتهم لتقدم القوات هناك وتراجعها، وضعت القناة الأمريكية حينها عنواناً لتقريرها: «ما الذي يتوجب على الولايات المتحدة الأمريكية فعله بعد ما حدث في الشجوة؟»، أو كما وضعت في تقرير آخر: «المعركة بين القوى العراقية المشتركة وداعش في الشجوة» ، انفجرت التعليقات الساخرة على تويتر، مصدر الخبر الأساسي، خلال ساعات، استطاع بعض العراقيون تمييز هذا الخبر الكاذب على الفور، وبدأت السخرية تتصاعد، رسم أحدهم خريطة جديدة للعراق واختار شمال «كربلاء» موقعاً لها فزادت حيرة المتابعين وأخذت المزحة بعداً جديداً، يقول المدعو «أبو بكر الأزدي» على حسابه على تويتر مازحاً: «هجوم عنيف على تل الزبد وتل الخاثر أيضاً» ويترك آخر على الموقع صوراً كثيرة لقدر كبير مملوء بالحليب والزبدة قائلاً : «بعض غنائم معركة الشجوة».


ستكون الاخبار «مرة» المذاق

يقول« أحمد» للصحيفة البريطانية: «أحسست بالمفاجأة بالتأكيد، لكن الأمر متوقع إلى حد ما، الكل يريد تفسير الأخبار وفق ما يريد، لا أحد يهتم كثيراً يما يحصل هناك»، وهذا بالفعل ما حدث، «كان من الممتع مشاهدة ذلك» يضيف «أحمد» حيث بدأت التعليقات تحتد على تويتر بعد أن شعر الكثيرون بالفخ الذي نصب لهم عن غير قصد، نشر «احمد» بعد عدة أيام «تغريدة» لتوضيح الأمر، اعترف بها بكل صدق أنها كانت مجرد مزحة، وبأنه لم يكن يود أن تصل الأمور إلى هذا الحد، لكن الحديث عن «الشجوة» لم يتوقف، أدرك الكثيرون من متابعي مواقع التواصل الاجتماعي بأن عليهم إعادة النظر في كل ما يشاهدونه يومياً، تلقت الصحافة الإلكترونية ضربة أخرى وتبين بأن الاهتمام بالدماء العراقية والضحايا اليومية هناك هو شكلي محض، أصبح الخبر اليومي اعتيادياً إلى حد استطاع فيه شاب عراقي إشغال القنوات العالمية، ومواقع التواصل الاجتماعي لأيام، بفبركة غير مقصودة، فما بالكم لو أرادت جهة ما فبركة المزيد من الأحداث بشكل مقصود وباحترافية أعلى؟ هل سيستطيع أي منا عندها التمييز بين الحقيقة والكذب في تلك الحالة؟ حينها لن نسمع أخباراً عن مدينة «العسل» أو قرية «التمر»، ستكون الأسماء حقيقة للغاية وستكون الأخبار ستكون «مرة» المذاق إلى أن نفقد الإحساس بـ «طعمها» يوماً بعد يوم..