هل الضواحي السكنية مشكلة حضرية جديدة؟

هل الضواحي السكنية مشكلة حضرية جديدة؟

تسارعت نسب التحضر بشكل ملحوظ في سورية، وارتفعت نسبة سكان الحضر من 43.5٪ من إجمالي السكان في السبعينيات إلى 49.8٪ في التسعينيات لتصل إلى 53.5٪ في عام 2006 ومن ثم إلى 54٪ في عام 2008 وفي مدينة دمشق العاصمة وصلت نسبة التحضر إلى  100٪ ومن ثَمّ أي حاجة لمناطق حضرية جديدة، ستكون على حساب ريف دمشق والمناطق المحيطة بها.

وبالمقارنة بين سكان الحضر والريف، ضمن محافظة ريف دمشق نلاحظ حتى منتصف عام 2004 كان يوجد تقارب في توزيع السكان ضمن الريف والحضر، ولكن من منتصف عام 2005 أصبح عدد سكان الحضر يزيد على عدد سكان الريف بنسبة تقارب  64٪  في الحضر و36٪ في الريف، واستمرت هذه النسبة حتى وقتنا الحاضر، وفي منتصف عام 2011 بلغ عدد سكان الحضر في محافظة ريف دمشق  1814000 نسمة، في حين بلغ عدد سكان الريف 976000 نسمة، أي أن  النسبة المئوية كانت 65٪ لسكان الحضر مقابل 35٪ لسكان الريف.

يحيط بمدينة دمشق في الوقت، الحالي ثماني ضواحٍ، هي ضاحية 8 آذار (أشرفية صحنايا) – ضاحية يوسف العظمة (المعضمية)– ضاحية الأسد (حرستا)– ضاحية قدسيا– ضاحية الفردوس (الهامة)– ضاحية العاملين بالمطار-ضاحية عدرا العمالية– ضاحية دمر؛ وقد اهتُم بوضع الدراسات والمخططات لهذه الضواحي باعتماد المعايير التخطيطية، ولكن الواقع الحضري لبعض الضواحي، بحاجة لتنمية، نتيجة عدم الالتزام الكامل بالمخططات الموضوعة من حيث تأمين الخدمات.

الواقع الحضري للضواحي 

في ريف دمشق

تأتي أهمية الضواحي الواقعة في ريف دمشق من علاقتها المكانية بالعاصمة، بوصفها جزءاً من إقليم دمشق الكبرى من جهة، وبوصفها الملاذ للسكان الراغبين في العيش في مكان هادئ قريب من العاصمة دمشق من جهة ثانية؛ ولأن الاستعمال السكني يستحوذ على النصيب الأكبر من استعمالات الأراضي، كان لابد من الاهتمام بخدمات السكان ونوعية الحياة ضمن الضواحي؛ إِذ لوحظ في معظم ضواحي ريف دمشق حاجتها لتطوير الخدمات التجارية وإعادة تنظيمها،  واستثمارها لتكون أحد عوامل الجذب للضواحي؛ فقد روعي تأمين هذه الخدمات في تصميم بعض الضواحي(كضاحيتي دمر والأسد) لتكون مكتفية ذاتياً بتوفير الأسواق الضخمة والمتاجر والمدارس والمعاهد والنوادي الرياضية والمسارح والمتاحف والمطاعم؛ وقد نُفِّذَت التصاميم الموضوعة بشكل دقيق، ضمن ضاحية دمر، في حين لم تُنفَّذْ بالمخططات والدراسات الخاصة بضاحية الأسد، مما سبب إشكالاً في تأمين الخدمات اللازمة فيها ضاحية الأسد إِذ لا ترقى الخدمات الموجودة فيها حالياً إلى ما هو مخطط، مع العلم أنّ الضاحيتين تتشابهان من حيث طبيعة الأرض وطريقة التنظيم بتقسيم الضاحية إلى جزر.

أما بالنسبة إلى علاقة الضواحي مع المدينة، فإن أحد الأهداف الأساسية التي أنشئت من أجلها الضواحي، هو تخفيف الضغط السكاني عن العاصمة دمشق، ولكن مع قلة توافر فرص العمل في الضواحي وتركزها في دمشق، أدى ذلك إلى الحاجة للقيام برحلات يومية بين الضواحي والعاصمة.

الحد الأدنى من الخدمات

بدراسة بعض الضواحي السكنية حول دمشق، وجِد أن معظمها يحوي الحد الأدنى من الخدمات؛ وذلك نتيجة البدء باستقبال السكان قبل الانتهاء من تنفيذ كامل الفعاليات الخدمية، بحسب المخططات الموضوعة والمعتمدة ومن ثَم -في معظم الأحيان-لم ترق إلى تلبية تطلعات قاطنيها، ومازالت بحاجة لوضع الخطط والآليات المناسبة للارتقاء بوضعها لتصبح نموذجاً حضرياً للتوسعات العمرانية.

ولأن نشوء ضواحي دمشق كان النتيجة الحتمية لزيادة الكثافات السكانية في المدينة، فلا بد من الاهتمام بها والإفادة القصوى منها عن طريق دراسة واقعها الحضري ورصده، وتنميتها ومراقبة مؤشراتها، لمعرفة مدى تحقيق الغايات التي أنشئت من أجلها، ويكون ذلك عبر وضع استراتيجيات مناسبة تتلاءم مع هذه الضواحي وتطوير آليات ومعايير لتصنيفها، وبدراسة الوضع الراهن لضواحي دمشق يمكن العمل على تصنيفها بحسب موقعها، من حيث قربها وبعدها عن مركز المدينة، إلى الضواحي القريبة (ضاحيتي دمر وقدسيا) والضواحي البعيدة (ضاحيتي عدرا العمالية وضاحية العاملين في المطار) والضواحي المتوسطة البعد (ضواحي الفردوس، يوسف العظمة،8آذار، الأسد) فإذا اعتُمد هذا التصنيف يمكن تحديد الخدمات والفعاليات الواجب توافرها في الضاحية وما يمكن الاعتماد عليه من المدينة، ففي الضاحية القريبة تُؤَمن الخدمات الأساسية فيها وتعتمد في باقي الخدمات على المدينة، وفي الضواحي البعيدة يمكن جعلها مستقلة بتأمين الخدمات كّلها، وتطويرها لتصبح مركزاً خدمياً للقرى والبلدات المحيطة بها، والتي من الممكن أن تعتمد عليها، أما في الضواحي المتوسطة البعد يمكن الاستفادة من الطرق الواصلة بين الضاحية والمدينة، بوصفها تشكل مساراً يومياً يسلكه عدد كبير من الأفراد، ويكون ذلك بتأمين فعاليات واستثمارات على هذه الطرق الواصلة كإنشاء مراكز استخدامات متعددة، مدارس، ومبانٍ مكتبية ضخمة، أو متاجر كبيرة تلبي حاجة سكان المدينة والضواحي. 

فرص العمل

ضرورة إيجاد فرص العمل اللازمة لسكان الضواحي الحالية والمزمع إنشاؤها مستقبلاً، بهدف تخفيف الضغط عن المدينة، ويكون ذلك عبر إقامة مشاريع تنموية (سياحية، وتجارية، وتعليمية، وترفيهية، وصحية..) ضمن الضواحي، أو بإقامة مراكز خدمية تؤمن الخدمات اللازمة للضاحية والقرى والبلدات المحيطة بها، فضلاً عن فرص العمل التي ستؤمنها لسكان هذه  الضاحية، مع تأكيد توزيع هذه المراكز الخدمية والمشاريع التنموية، وفق رؤية إقليمية شاملة لمدينة دمشق وريفها، وهذا الأمر سيدفع بسكان الضواحي إلى الاستقرار في أماكن إقامتهم وعدم التنقل يومياً إلى مدينة دمشق.