أعاصير مربحة..
تمتلك المؤسسة العسكرية الأمريكية رصيداً كبيراً في نشر الموت والدمار حول العالم، ويتربع تجار المجمعات الصناعية لإنتاج وتصدير السلاح حول العالم على قمة تلك المجازر، وها هي الأموال تنفق اليوم لشراء المزيد من الأسلحة لإكمال المسرحية الدموية التي تعيدها الولايات المتحدة الأمريكية كل بضع سنين بحجة «مكافحة الإرهاب» و «نشر الحريات»، لم تعد هذه الحقائق خافية على أحد مع تصاعد أعداد القتلى وارتفاع منسوب الدماء، لكن الأمر لم يتوقف يوماً على هذا النوع «المباشر» من الدمار، هناك نوع آخر أكثر خطورة وأعمق تأثيراً، وهو يطال العالم أجمع دون استثناء.
تحتل وزارة الدفاع الأمريكية المركز الأول في استهلاك الوقود الأحفوري حول العالم، كما حققت المجمعات الصناعية العسكرية هناك أعلى النسب في إطلاق الغازات السامة إلى الغلاف الجوي، يبدو ذلك امراً طبيعياً للغاية إن علمنا أن الكونغرس الأمريكي قد أصدر قرارا واضحاً يعفي تلك الشركات من الالتزام بأي معاهدة بيئية قد توقعها الحكومة الأمريكية في مجال الحد من ظاهرة الاحتباس الحراري وانبعاث الغازات السامة، كما أن تلك الشركات لا تحتاج لمثل هذا الإعفاء أساساً لأن الحكومة الأمريكية ترفض منذ العام 1998 التوقيع على معاهدة «كيوتو» البيئية التي تتعلق بتلك القضايا بالذات، وهي لا تزال تماطل منذ ذلك الوقت و تعلن بكل وضوح بأنها ستشارك في أي تجمع بيئي يعمل لمصلحة التخفيف من تلك الانبعاثات بشرط اعتبار جميع القرارات الصادرة عن أي من تلك التجمعات غير ملزمة قانونياً كما أعلنت إدارة الرئيس أوباما قبل عدة أيام في إطار التحضير للقمة البيئية العالمية المقبلة في العاصمة «باريس» العام القادم!
أسلحة جرثومية قطبية
بكلام آخر، تم إعفاء أكثر من 1000 مجمع صناعي عسكري أمريكي في 130 دولة حول العالم من الالتزام بأي من تلك المعاهدات، كما أن جميع تجارب الأسلحة التي تجريها الحكومة الأمريكية معفية أيضاً من أي التزام، يضاف إلى ذلك مصانع الأسلحة القابعة داخل أراضي الولايات المتحدة والتي بلغ تعدادها حوالي الـ 6000 وشركائها من مصانع الطائرات والصواريخ، بالإضافة إلى بعض المجمعات «الخاصة جدا» في أماكن غير مألوفة، كمختبرات الأسلحة الجرثومية في القطب الشمالي ومجمع «أفريكوم» لقيادة حلف الناتو في أفريقيا الذي أصبح الآن محمياً تحت الغطاء الأمريكي ليتابع أعماله اليومية.
سموم المؤسسة العسكرية
واليوم، تتحدث الكثير من المنظمات البيئية عن تجاهل الحكومة الأمريكية للطلبات المقدمة من مؤسسات الأمم المتحدة لتسليم الوثائق اللازمة لإجراء إحصاء دقيق حول كميات تلك السموم التي تنشرها المؤسسة العسكرية الأمريكية في الهواء والماء والتربة، وتقاطعت مع اكتشاف سلالات معدلة من الجراثيم لدى السكان المحليين القاطنين حول بعض منشآت الاختبار الحكومية، واقتصر الأمر على دفع التعويضات المالية لعوائل المرضى بعد تفشي الأورام الخبيئة وانتقال الكثير من السموم عبر مياه الآبار الجوفية إلى المنازل، وبالطبع يعيش أولئك الناس في البيوت المقطورة وضواحي العشوائيات ولن يستمع أحد لشكواهم، كما تجاهل العالم كله نداءات العراقيين والأفغان عندما أطلقت فوق رؤوسهم قنابل اليورانيوم المنضب، حيث تراوحت الكميات المستخدمة أيام «حرب الكويت» بين 300 إلى 800 طن، وأشار تقرير من منظمة الأمم المتحدة للحماية البيئة وقتها أن القوات البريطانية والأمريكية قد استخدمت كميات من الذخيرة التي تحتوي على اليورانيوم المنضب وصلت إلى حوالي 2000 طن في الحرب العراقية التي تلتها وفي المناطق المأهولة بالسكان في معظم الأحيان.
إعادة الإعمار من بؤس المحرومين
لم تتجاهل الحكومة الأمريكية جميع تلك القضايا، وهي اليوم تطلق دراسة جدية تتحدث عن «مخاطر الاحتباس الحراري على الأمريكيين» خلصت إليها المختبرات العسكرية الحكومية، تحدثت فيها عن الفيضانات وموجات الجفاف والمجاعات والأعاصير والعواصف الثلجية وشح المياه النظيفة، لكن، اختارت تلك الدراسة التركيز بشكل كامل على سبل استفادة القوة العسكرية الأمريكية من تلك الاضطرابات البيئية والمناخية في مجال تقويض السلطات المحلية واستغلال حالات الضياع وفقدان السيطرة التي تلي تلك المصائب لترسيخ موطئ القدم واحتلال المزيد من الأرض، كما طرحت افكاراً أخرى تتحدث فيها عن تنظيم عملية «إعادة الإعمار» وفق الشروط التي تلائم السياسات الخارجية الأمريكية وتضمن مصالحها، ليتم توظيف التقدم التقني في إطار الاستفادة من بؤس المصابين والمحرومين لتعميق الهيمنة الوحشية على الحكومات «المعادية»، وبالأخص بعد أن تزايدت الكوارث الطبيعية التي يشهدها العالم هذه الأيام.
الطبيعة لا تتحيز لأحد
تتشبث الحكومة الأمريكية وشركاؤها بسياسة اكتناز الأرباح على حساب موارد الأرض التي تتناقض يوماً بعد يوم، وهي في سباق دائم للسيطرة على منابع الطاقة والمياه أينما وجدت، دون أدنى اعتبار لمخلفات الآلة العسكرية الجاحدة التي ما زالت تبث السموم وتحرق كل ما يأتي في طريقها، لكن الطبيعة الثائرة بأعاصيرها وزلازلها لا تتحيز لأحد، وربما سترد بغضب بعد أن يبلغ التلاعب بتوازنها حداً لا رجعة فيه، عندها لن تستطيع أي بارجة مواجهة الأمواج العاتية ولن يقدر الرصاص على مواجهة أشعة الشمس القاتلة!