وجدتها: في استسهال الأمور
في منطق التحصيل والإنجاز العلمي نجد أنفسنا أمام نمطين من التفكير، نمط يصر دوماً على أنه لا يمكن الوصول إلى الأهداف إلا بعد المعاناة الشديدة والتعب وسهر الليالي واكتساب نظارت طبية بسمك كعب الفنجان والانقطاع عن الحياة الاجتماعية كي تصل إلى مبتغاك العلمي، ونمط آخر يعتبر القضية أبسط مما يهول لها، وأن القليل من الاطلاع والكثير من الهالات الإعلامية تنفع في إعطاء التأثير النفسي المطلوب لإقناع المحيط بأهمية الإنجاز العلمي المقدم.
مع تنامي نمط الاستهلاك وتنامي دور التسويق في السوق الرأسمالية ترجح في دول التطور الرأسمالي المشوه كفة النمط الثاني، وتصبح سرقة الأبحاث العلمية أكثر سهولة وقبولاً، بل وتعتبر «شطارة» ما بعدها شطارة، وتمتلئ مكتبات الكليات بنسخ مكررة من رسائل الماجستير التي جرى تغيير اسم الطالب والأستاذ المشرف والإهداء، حتى دون أدنى تغيير في المحتوى، بل ومع الحفاظ في أغلب الأحيان على الأخطاء اللغوية (والعلمية طبعاً)، حتى أصبحت هناك مكاتب طباعة متخصصة في هذا المجال، وإعطاء رسائل ماجستير أجمل من الأصلية في الإخراج.
تبدو الطامة الكبرى ههنا في فساد الأوساط العلمية التي تقرر الأبحاث وتقيمها وتعطي الدرجات العلمية، وهي ههنا تدفع للمجتمع بباحثين مزيفين، يقومون فيما بعد بتزييف الأبحاث التي يقدمونها للمجتمع، لا غرابة أن نرى ذلك كظاهرة منتشرة عموماً، فتلك المقدمات تؤدي إلى هذه النتائج، وتتضخم السير الذاتية لأولئك الباحثين المزيفين، لا بل قد يحصلون على جوائز وتقدير، فاللجان التي تقيم الأبحاث غالباً ما تكون منغمسة في اللعبة نفسها ، كالسرطان يتنشر هذا الداء، كنوع من أنواع الفساد الذي استشرى في المفاصل كافة.
ليرى الباحثون الحقيقيون أنفسهم أقلية، يناطحون طواحين الهواء، لكنهم يتقدمون ويتقدمون في الزمن الصعب، وهذا مجد كبير لهم، وفي أعينهم وطن مدمر يبحث عن أبنائه الحقيقيين.