هندسة العالم المتجدد

هندسة العالم المتجدد

في ظل التلاطم بين ماهية منشأ الارض عبر التاريخ، وتحولاتها الطبيعية بين الخصوم، لابد أن يجد من يحاول لإعادة هندستها، إعادة ترتيبها ذهنيا ومعرفيا. هندسة مناهضة لأزمة البنيوية الرأسمالية الشاملة وتداعيتها، لإعادة بَوصلة محصلة تناقضاتها المختلفة...من خلال معارف مفتوحة المصدر...لتأسيس الرأي العام وإيجاد الحلول الإبداعية.

إعداد وترجمة : د. رونيا محمد

يعرض الضابط السابق في استخبارات البحرية الأمريكية روبرت ستيل، والذي قام بتدريب أكثر من 7500 ضابط في أكثر من 66 دولة، من خلال مؤتمرات دولية علنية، والتي أثارت حفيظة الوكالة الأمريكية للاستخبارات، وأبعدته عن نشاطه العسكري.... ويعرض في كتابه خارطة طريق قوية لعالم حضاري جديد، ونقد لاذع للنظام العالمي الحالي، حيث يربط بين الفساد المتزايد وعدم الكفاءة، وعدم محاسبة الاجهزة الاستخباراتية، وكذلك أباطرة المال والسياسة والمترافق بفقدان العدالة والمساواة والأزمات البيئية، ويقدم رؤية عن آليات الحلول الممكنة.

لاعقلانية إدارة الموارد الطبيعية
يقول: (نحن الآن في نهاية عملية تاريخية امتدت لخمسة آلاف عام، افتقدت فيها العقلانية في إدارة المواد الطبيعية، واتخاذ القرارات الجماعية في إدارة ذلك، مؤكداً ليس فقط على فساد النخب السلطوية في استغلال النفوذ، بل حتى فشلهم الذريع لتحقيق كل ما وعدوا به، إضافة إلى اعتمادهم على السرية في آليات العمل وتضليلهم الرأي العام، والتي أدت بنهاية المطاف ليس إلى الاحتفاظ بالسلطة فقط، بل استكمالها بنهب منظم ومدمر...).  ويبدي وجهة نظره في الطبيعة المتوحشة للرأسمالية في عالم اليوم، رافضاً تركز الثروة في أيدي بعض الطغم وتجميعها بطرق غير مشروعة، وملوحا بالشفافية والوضوح في طرح هذه القضايا المجتمعية، من خلال تبادل المعلومات وإفشائها للعموم، للمشاركة في إيجاد السبل المناسبة لإيقاف الاستنزاف الرأسمالي للموارد الطبيعية، وإعادة التوازن البيئي، وما تذهب إليه تلك السياسات التي تخدم البعض القليل..  وعلى الرغم من القبول العام في بعض الأوساط الاستخباراتية في كشف الحقائق بالوسائل التي يعرضها روبرت ستيل كأكاديمي في معهد الدراسات الاستراتيجية، والذي يحاول إيجاد صيغ جديدة للوكالات الاستخباراتية حول الدور المنوط بها، يبقى من أشد المنتقدين لممارسات الوكالة المركزية الأمريكية ودورها في تفاقم التهديدات والتحديات التي يواجهها العالم اليوم.. يشير في مجموعة من الكتب إلى تغير المناخ والأوبئة والتدهور البيئي، وندرة المياه، الاستهلاك الذروي للنفط، بأنها خمسة تهديدات رئيسية متداخلة، ومستمرة ضمن الأفق المنظور، والتي إن تواجدت مترابطة قد تكون سببا في انهيار المجتمعات الصناعية، وتهديد الأرض ككل، دون ان تستثني حتى تلك الطغم الفاسدة في لندن وول ستريت.
إخماد الثورات بتصنيع الشر
وفي سياق آخر، يلوح بإمكانية ثورة تطيح بتلك البنية المتوحشة للرأسمالية في بلدان المركز، نتيجة فقدان التوزان واللاعقلانية في إحداث ذلك الخلل، بسبب استمرار الجشع في استثمار ثروات الأرض ونهبها، والتي تعمل بمؤازرة البنوك التجارية في إخماد تلك الثورات المحتملة خلال (تصنيع الشر) وافتعال الأزمات تغطية لنهبها... ولكن لماذا لا تحدث تلك الثورات الخامدة؟على الرغم من توافر الأسباب العملية لها، والتي تنضج أكثر مع تفاقم الأزمة الرأسمالية ككل. وذلك يعود مرده لتسلط وسائل الإعلام (كأحد الأسباب)، وإحساس الإنسان بالعجز في إحداث ذاك التغيير اللازم، مسخرة كل عتاد قوى الفساد والبنوك والأجهزة القمعية.... ولكننا نحتاج لأكثر من ثورة لهدم تلك البنى، ونحتاج لبيانات نزيهة مفتوحة المصدر للجمهور المتضرر من جراء عمليات الخصخصة في الصناعات والتكاليف الحقيقية الناجمة عن الكوراث الطبيعية والسموم في المياه الجوفية والناجمة جميعها عن الاستهلاك المرعب والمتهور من قبل تلك الرساميل والتي تتظاهر بنخب الفساد على المستوى المحلي والوطني في بلدان المركز الرأسمالي.
دور البيانات مفتوحة المصدر
 وما نقصده من البيانات مفتوحة المصدر، هو انه لدينا ما يقارب أكثر من 5 مليارات العقول البشرية التي تشكل موردا حقيقيا للمضي قدما. وهي قادرة على تغيير ديناميكية السلطة بين أولئك في القمة من نخب متخلفة فاسدين، وذلك عبر وسائل معرفية واخلاقية من خلال بيئة مفتوحة المصدر تتكون من مجموعة واسعة من الصناعات والتكنولوجيا الزراعية المفتوحة والبرمجيات مفتوحة المصدر، الأجهزة المفتوحة، والشبكات مفتوحة، والتكنولوجيا المفتوحة للأعمال التجارية الصغيرة، وبراءات الاختراع المفتوحة – وغيرها.. وكمثيلاتها من الثورات المحتملة في بلدان الغرب الرأسمالي، وبإسقاطاتها على (ثورات الربيع العربي)، والتي ظهرت مفاعيلها السلبية نتيجة تماهيها بالحالة العنفية، وإخفاء تلك الحقائق عن الجمهور من خلال إغلاق المصادر وسريتها لإعادة هندسة ذاك الحراك الذي يمكن أن يتم توجيهه نحو الفوضى والتي تؤدي بالمحصلة إلى إفشالها، واستثمارها بالصيغ اللازمة من أجل استمرارية النهب الكبير من كافة القطاعات واستنفاذها.. ويكرر ستيل إلمامه، وتشبثه بإيجاد المصادر المفتوحة لتبادل المعلومات، لإعادة ترتيب الأرض وهندستها لتحقيق العدالة والتوازن البيئي، والحد من استنفاذ الثروات غير المتجددة وتقليص دور الفساد، وإحلال تداول السلطة بدلا من العنف والدفع نحو النضال من أجل الحقوق الإنسانية، وكسر السطوة العسكرية من جانب واحد. والبدء بإيجاد تلك البنى القاعدية اللازمة لتحقيق هذا الهدف.... ..

«مجلة الغارديان»