الكربون المشع ينطق

الكربون المشع ينطق

يعد الكربون العنصر الأساس في المركبات العضوية، وقد استطاع العلم أن يوظف الكربون المشع، وهو أحد نظائر الكربون ذي الوزن الجزيئي 12، في مهمتين شكلا حجر الزاوية في علوم مهمة..

الأولى تتجلى في استنطاق التاريخ، فبينما تتلاشى ذرات الكربون المشع يُحفظ تاريخنا الطبيعي والحضاري، فكيف يتم ذلك؟ إن ذرات الكربون المشع، والذي يسمى أيضاً الكربون 14 نسبة لوزنه الجزيئي الذي يميزه عن الكربون 12 غير المشع، يتفكك كجميع المواد المشعَّة (بإطلاق جسيمات) بمعدل دقيق ومنتظم، وتختفي نصف كمية الكربون المشع بعد نحو 5،700 سنة، ومعنى هذا أنّ الكربون المشع له نصف عمر يعادل تلك الفترة، ويبقى ربع الكمية الأصلية من الكربون المشع بعد 11،400 سنة، وبعد 5،700 عام أخرى يبقى الثُّمن، وهكذا.

يضمحل الكربون المشع في أنسجة الكائن باستمرار مادام الكائن يعيش، وبعد أن يموت الكائن الحي، فإنه لا يتناول الغذاء أو الهواء وبالتالي لا يمتص الكربون المشع، ويستمر الكربون المشع الموجود فعلاً في الجسم في النقصان بمعدل ثابت، ويساعد هذا الانحلال الثابت الذي يسير بمعدل معروف (نصف عمر يعادل5،700 عام في الكربون 14) العلماء على تحديد عمر الشيء.

وقد تم تطوير التقنيات التي تعتمد على الكربون المشع في التأريخ الطبيعي والحضاري، ويصف الدكتور أندرو شورتلاند من جامعة كرانفيلد في بريطانيا الطريقة التي تم التثبت عبرها من كفاءة هذه التقنيات الحديثة بقوله: «كان أول ما جرى التحقق من عمره باستخدام تقنية الكربون المشع آثار ومخلفات مصرية قديمة معروف تاريخها أصلاً، من أجل التأكد من دقة هذه التقنية في تحديد العمر» وذلك بالاعتماد على بذور ومواد نباتية من مقبرة توت عنخ آمون، وهي مواد محدد عمرها بدقة، كما استخدمت أيضاً بذور من غرفة تحت هرم سقارة المدرج، تعود إلى سنة معينة من حكم الملك «زوسر» وهو  واحد من أشهر ملوك الفراعنة، من الأسرة الثالثة من عصر الدولة القديمة.

وبعد التوصل إلى موثوقية عالية  في تقنيات الكربون المشع الحديثة تم تحديد المراحل الزمنية المختلفة في تاريخ مصر القديمة، حيث استُخدم الكربون المشع لإظهار أن التسلسل الزمني لعهود الدولة القديمة والوسطى والحديثة، يتمتع بالدقة.

أما المهمة الثانية التي يتولى الكربون المشع القيام بها فهي نتيجة قدرته على أن يطوف في البنى البيولوجية كالمسبار الذي نرسله إلى الفضاء ليكشف لنا أسراره، إلا أننا نرسل الكربون إلى عوالمنا الصغرى ليحقق اكتشافات كبرى في مجال الطب والبيولوجيا، وذلك لأن الخواص الكيميائية للنظائر المشعة المختلفة للكربون متماثلة، بالتالي يمكن أن نستعين بالكربون المشع في دراسة التفاعلات الكيميائية العضوية حيث نستبدل بعض ذرات الكربون الطبيعية فيه بذرات الكربون 14 المشعة، وبذلك نستطيع تتبع انتقال الكربون في بنية المركبات العضوية.

و ينتج الكربون المشع، الذي يستخدم بمثابة عنصر اكتشافي اصطناعي في المفاعلات النووية. وقد اكتشف الكربون المشع الاصطناعي لأول مرة، كيميائيان أمريكيان هما مارتين دي. كامن وصمويل روبن.