سيكولوجية خط اليد
يتحدث حسين محي الدين سباهي في مجلة الخيال العلمي الصادرة عن الهيئة العامة للكتاب عن خط اليد فيقول :
لخط اليد دلالاته النفسية، وهو سلوك نتعلمه، إلاَّ أننا نكيِّفه لمقتضى ما نكون عليه من تركيب بنيوي عظمي وعقلي وعضلي،بحيث نكتب بالطريقة التي تيسِّرها الجلسة التي تريحنا، والتي عليها نملك ناصية القلم والورق، والخط يُظهر ما نكون عليه من صحة نفسية تشتمل على صحة البدن والنفس والعقل، فالصحيح البدن يأتي خطَّه منساباً، بعكس الذي يعاني من اضطرابات صحية فإن خطَّه يظهر فيه ما يعاني، والخط لذلك مظهر للشخصية في الزمان والمكان، إلاَّ أنه يجمِّد هذه الحركة في الحروف والكلمات، وبرغم أن الخط يتطوَّر تطوّر الشخصية، وله مراحل عُمريّة في الطفولة والشباب والكهولة، إلاَّ أن للخط شخصية يحتفظ بها دائماً .
وتقوم دراسة الخطوط على دعوى أن الحركات التعبيريّة هي أهم ما يميِّز الشخصية، لأنها تعكس قدرة الفرد على التجاوب الحركي السريع والتلقائي للتنبيه الداخلي والخارجي، في محاولة للتكيّف مع مقتضيات المواقف والبيئة .
وخط اليد في التعريف : هو التجسيم الحرفي لرسائل المخ إلى اليد عبر (الأعصاب)، والأصابع هي الأجزاء الطرفية الأخيرة من الجسم التي بها يتحقق طرح رسائل المخ على الورق .. والخط تسجيل للفكر وتعبير عن الذات.
والصور النمطية الخطيّة مكانها المخ وليس اليد، ولذلك فإن قطع اليد واستبدال أصابع اليد بأصابع القدم لا يؤثر بعد التدريب اللازم على شكل الخط، ويأتي توقيع الشخص بأصابع قدمه مطابقاً لتوقيعه الذي كان له بأصابع يده، والخط لذلك وسيلة تشخيص علميّة لشخصية الكاتب وحالته النفسيّة وقت الكتابة، وهو وسيلة تشخيص تحاول أن تكشف عن مضمون الشخصية ككل وليس مجرد سِمات معينة، وعلم الخط دعوى عريضة، وأما تحليل الخط فهو بحق وسيلة علمية للتشخيص النفسي، ومحلل الخطوط هو شخص مدرب على استكناه السِمات النفسية وله دراية بالطب النفسي وعلم الأعصاب، وقد قيل إنه من المستحيل أن يتشابه اثنان في خط اليد، ومهمة محلل الخطوط أن يكتشف ما يعبِّر عنه الخط ووسيلته في ذلك مرآة مكبّرة ومَسْطرة، ويعتمد على الحدس أو الإدراك فوق الحسي، أي قراءة المعنى الكلّي الذي يتجاوز التفاصيل، وفي تاريخ التحليل النفسي للخطوط كانت هناك دعوة تُعْنى بالتفاصيل، وتهتم بكل حرف والشكل الذي هو عليه، والطريقة التي يكتب بها وسُمِّي ذلك عناصر الخط، أو إشاراته الثابتة ( مدرسة ميكون ) وكانت هناك كذلك دعوة عكسية تقرأ المظهر الكلّي للخط وتستشِف منه سِمات الكاتب، وتُشبه الطريقة الكلّية طريقة ( الجشطلت ) في حين أن الطريقة الأولى هي طريقة ذرية .
و «ميكون» هو الذي له فضل تسمية علم الخط ( graphology) وكان غالبية الباحثين في الخطوط في القرن التاسع عشر من الفرنسيين، بينما سيطر المفكرون الألمان على تحليل الخط في القرن العشرين، ومن هؤلاء « فيهلم بريير»، وهو الذي نبَّه إلى أن الخط تعبير عن العمليات النفسيّة، واستخدام «جورج ميير» الخط للكشف عن الاضطرابات الإنفعالية، بدعوى أن الإنفعالات تعبِّر عن نفسها من خلال «الميكانيزمات» النفسيّة الحركية، وأن هناك لذلك صلة قويّة بين الخط والحركة والانفعال، وأن محلل الخط يحتاج إلى عِلْم جديد، أو عِلْم سِمات خطّيَّة كَعِلْم السِمات العامة، وذلك ما توفر عليه فعلاً «لودفيج كلاجز» فهو الذي وضع أصول تحليل الخط، وجمع بين عِلْم الخط وعِلْم السِمات، وأجرى «كريبلين» وجماعته قياسات للضغط أثناء الكتابة، وللسرعة في الكتابة عند الأسوياء والمضطربين عقلياً، وقال إن تحليل خط اليد لا ينبغي أن يكون من عمل الأطباء ولكنه من عمل النفسانيين، وقد تسبب ما قاله في قطيعة بين البحث في الخطوط وعلم الخط، لولا أن عاد عالِم الأعصاب «رودلف بوفال» على دراسة مظاهر التوتر في الخطوط، وصنَّف أنماط الشخصية بحسب أنماط السلوك الحركي كما تنعكس في أنماط حركة اليد أثناء الكتابة، وقد تطوَّرت بحوث تحليل الخط في العشرينيات بفضل «ماكس بولفر» الذي نبِّه إلى دلالة المسافات الخالية بين الكلمات واستخدم في تفسيراته لها مفاهيم التحليل النفسي،واخترع «جولد ستايهر رومان» جهازاً لرصد الضغط والسرعة لحركة الكتابة، وتتابعت بحوث «دوني» و «أولبورت وفيرنون وسوديك ولوينسون و زوبين و روزا و ولفسن» بغاية الكشف عن العلاقة بين دينامية الشخصية و دينامية خط اليد، واختبارات خط اليد تكشف عن تنظيم الشخصية وانضباطها وإمكان ملاءمة بعض الأعمال أو المهن لها، ومن الممكن أن نكتشف توجهات الكاتب ونعلم عن مكوّناته النفسية من الطريقة التي يكتب بها والتي تكون عليها حروف كتاباته،فالخط (المائل) بخلاف الخط ( الواقف )، والميل في الخط إلى ( اليمين ) بعكس الميل إلى (اليسار) وربما كان الميلان إلى اليمين يعني أن شخصية الكاتب من النوع ( المنبسط الودود )، بينما قد يعني ميلان الخط إلى اليسار أن الكاتب يميل إلى أن تكون له أفكاره الخاصة وحياته التي تكون بمنأى عن الكثيرين، وربما كان هذا الشخص من النوع ( المنطوي ) وأما الخط ( الواقف ) الذي لا يميل يميناً أو يساراً فهو دليل انضباط صاحبه عاطفياً وتحكّمه في انفعالاته، وربما كان يعني أنه يُغَلِّب تفكيره على مشاعره.