الطائرات المسيرة .. مستقبل الحروب
يجلس أحد الضباط داخل إحدى غرف قاعدة جوية في صحراء الولايات المتحدة الأمريكية، قد أمضى ثلاثة أيام متمعناً تسلسلاً من الصور الحية ترسلها إحدى طائرات المراقبة من مكان بعيد كل البعد عن قاعدته، إنها جنازة أحد زعماء القبائل، العمامات والذقون في كل مكان،
لكن أحدهم لم يظهر بعد على الشاشة، لن يطول انتظاره حتى يظهر غريمه، سيمسك بعصا التحكم أمامه ثم يحركها قليلاً حتى يستطيع رؤية هدفه بكل وضوح ثم يضغط على زر أحمر في المنتصف، فينطلق أحد الصواريخ نحو الجنازة ويحولها ببساطة ودون أن يشعر أحد ..إلى جنازات..
حظيت الطائرات دون طيار على شهرة إعلامية واسعة بعد أن أصبحت الوسيلة المفضلة للولايات المتحدة في تنفيذ عمليات اغتيال أو قصف مبرمجة ضد من تصفهم بالإرهابيين، حيث بدأت أولى محاولات صنع طائرات دون طيار خلال فترة الحرب العالمية الأولى حيث صنعت أول طائرة في أمريكا. وسرعانَ ما بدأت البحوث في هذا المجال تزداد بكثافة في عدد من دول العالم. وأدت زيادة القلق لدى قيادة القوات المسلحة الأميركية من مقتل الكثير من الطيارين في الحرب إلى نقل الفكرة إلى ميدان التطبيق العملي الصناعي واستخدمت لأول مرة في حرب فيتنام. لكن الإدارة الأميركية لم تعترف باستخدامها هناك إلا في العام 1973، وهو العام نفسه الذي بدأ فيه الكيان الصهيوني بصناعة هذه الطائرات بعدما كبدت بطاريات الصواريخ السورية في لبنان الطائرات الإسرائيلية خسائر كبيرة في عديد الطيارين إلى أن أصبحت اليوم في المراتب الأولى من بين أكثر من 50 دولة في تصدير واستخدام مثل هذا النوع من الطائرات.
هناك العديد من الفوائد لهذه التقنية: فهي تمتاز بعدم وجود طيار على متنها للتخلص من عامل المجازفة بحياة قائدها في حالة سقوطها، حيث يمكن التحكم بها عن بعد أو برمجتها مسبقاً لتنفيذ أعمالها دون أي تدخل، كما تمتاز بقلة تكاليف صناعتها عموماً، فإذا كان سعر الطائرة المقاتلة اف 22 مثلاً، يبلغ حوالى 150 مليون دولار، فإن تكلفة الطائرة الموجهة تبلغ حوالى 10 ملايين دولار فقط، كما أن تكلفة تدريب طاقم التحكم عن بعد تعتبر قليلة للغاية مقارنة بتدريب طياري الطائرات المقاتلة، كما أنها تستطيع الطيران في كل الأجواء في السلم والحرب دون الخوف من الدفاعات الجوية المعادية حيث يمكن التضحية بها عند اكتشافها من العدو وإسقاطها، لكن استخدام هذه التقنيات يثير العديد من المسائل الإنسانية، فلا أحد يعرف بالضبط كيف يمكن برمجة الطائرات على المبادئ الأخلاقية، فالأخلاق كما نعلم ليست مسألة حسابية، وستخضع تلك الطائرة بالكامل لنوايا متحكميها ومبرمجيها السوداء في أغلب الأحيان.
يمكن استخدام هذه التقنية في المجالات السلمية أيضاً، فهي مناسبة لعمليات المسح الجوي ورسم الخرائط الطوبوغرافية، ومراقبة حركة المرور وأنابيب النفط والغاز التي تمر عبر الجبال والصحارى والمناطق الوعرة والنائية، ورصد الحرائق ومنسوب مياه السدود وغير ذلك، لكن استخدامها العسكري في الاستطلاع والتجسس من الجو، وتسديد الضربات الصاروخية، ودعم خطوط القتال دون مشاركة مباشرة من الإنسان، سيجعل منها البديل الأمثل للجندي البشري وسيفرض واقعاً يغير الكثير من معادلات الصراعات الدولية في المستقبل.