هل البيئة قضية أخلاقية؟
س س س س

هل البيئة قضية أخلاقية؟

حين تئن الأرض ويعود رجع صداها في أنين البشرية، نبدأ بالإدراك أن ألمنا واحد، ويبدأ حشد من العلماء المأجورين في إثبات أن القضايا البيئية هي موضوعات أخلاقية بحتة لا تمت بصلة إلى الاستغلال بمفهومه الاقتصادي أي استغلال الطبيعة واستغلال البشر كجزء لا ينفصل عنها، من أجل «حفنة من الدولارات».

يقول بيتر راسل في كتابه صحوة الكرة الأرضية ما يلي:
إن امتلاك صورة إيجابية عن المستقبل لا يعني أننا يجب أن نحشو عقولنا بتفاؤلية ساذجة، ونستكين على أمل أننا سوف نكون بخير. في الواقع، إن البشرية تمر بأزمة حادة، وليس هناك أيُّ قانون من قوانين الطبيعة يقول بأننا سوف ننجو من هذه الأزمة بالضرورة. وحتى إذا كانت البشرية تمر بتجربة ذاك النوع من التحول الذي نتصوره هنا، فإن من شبه المؤكد أن المشاكل الراهنة سوف تصبح أكثر سوءًا على نحو مضطرد. وقد يكون علينا أن نسقط بعض التقلُّبات الأرضية الكبيرة جدًّا قبل ظهور مستوى جديد من التكامل بشكل نهائي.
أما سكوليموفسكي، الذي يحدِّثنا عن “الموت الأبيض” الذي بات يهدِّد البشرية جمعاء، خصوصًا بعد أن ظهرت آثارُه من خلال التسرُّب الإشعاعي لمُفاعِل تشيرنوبيل، فهو يتساءل: “أين هم الآن العلماء المسؤولون عن دفع ابتكارهم الشيطاني علينا جميعًا؟” – وهو يقصد الترسانات النووية التي تمتلكها الدول العظمى.
عند هذه العتبة التي تُشارفها البشرية، التي إذا ما تمَّ اجتيازُها إثر اختبارات قد تكون قاسية، فإنها ستشهد ولادة ما يسمِّيه سكوليموفسكي بـ”الإنسان الإيكولوجي”: “فالتوازن الإيكولوجي يصبح جزءًا من التوازن الإنساني.” وإن هذا الإنسان المزمع أن يولد سوف يعيد النظر في فنِّ المعمار. وفي هذا يقول سكوليموفسكي:
إن معمار نوعية الحياة لهو معمار يتحلَّى بالشجاعة على الاعتراف بالأبعاد الروحية المتعالية للبشر. فالنوعية تقيم في أمكنة تتحلَّى، عمدًا وعن سابق تصميم، بالخصائص والصفات المتعالية. وحُسْن الحال الماديِّ ليس حالاً مادية، بل حالٌ نفسية.
إن سكوليموفسكي يدعو إلى العناية بالبيئة، والعودة إلى الطبيعة، واعتبارنا جزءًا لا يتجزأ من الكوسموس. إن معاناة الإنسان الحالية ناجمة، في شكل أو في آخر، عن انفصاله عن الطبيعة وعيشه ضمن مدن ملوثة لا تساعد على تفتحه الروحي وتمجيده للقُدسيِّ فيه. وهكذا فإن العودة إلى الطبيعة تواكب عودةَ الإنسان إلى نفسه، والعناية بالبيئة تبدأ عندما يُعنى ببيئته الداخلية. فهو يذكر ما يلي:
يلوح لنا منطقيًّا وجودُ سياقين مختلفين منخرطين في الأمر: الإمعان في ارتياد العالم المادي، من جهة، والزوال البطيء للقيم الإنسانية الجوهرية، من جهة أخرى.
مروجاً للعودة إلى هذه القيم، كالرحمة والمحبة والفضيلة والغيرية والتعاون إلخ. ومن ثمَّ فهو يعرض فلسفته الإيكولوجية، ويقارنها مع الفلسفة المعاصرة، من جهة، ويدرس تطور السياق الفلسفي في شكل عام، من جهة أخرى. ولكن، ما هي “الفلسفة الإيكولوجية” التي ينادي بها الكاتب؟ فلنستمع إلى سكوليموفسكي نفسه يعرِّف بها:
الفلسفة الإيكولوجية تعني إعلان السلام وصونه مع أنفسنا ومع الخليقة كلِّها. فما لم يتحقق هذا السلام، لن نتمكن من إنقاذ الأرض. إنقاذ الأرض هو الحملة الروحية المتمثلة في تصحيح مسار قيمنا وفلسفتنا، بحيث يكون لنا أن نحيا بسلام. فتلكم هي رسالتنا على الأرض.
أين نحن من تفنيد الفلسفات التي تضع اللائمة على أخلاق الإنسان في سياق تبرئة أولئك المخططين والمنفذين لإعدام الكرة الأرضية.

آخر تعديل على الإثنين, 19 آب/أغسطس 2013 10:47