متناه في الصغر.. لا متناه في الإبداع

متناه في الصغر.. لا متناه في الإبداع

يبدو غريباً بالفعل مدى الاهتمام العملي الواسع وغير المسبوق بتقنية تجري تجاربها في عالم فائق الصغر، في عالم يتم رصده يومياً تحت عدسات أقوى المجاهر، لكنه عالم «تقنية النانو» العجيب حيث تتغير جميع المفاهيم وتتلاشى جميع المسلمات.

علينا في البداية تصور مدى صغر هذا العالم، فمقياس النانو هو واحد من المليار من المتر، هو بمثابة أن يأخذ إنسان شعرة من رأسه وينظر إليها ويتخيل أنه يستطيع أن يقلص قطرها مائة ألف مرة، وبالتالي يمكن القول بأن تقنية النانو هي مقدرة الإنسان على تصنيع المادة والأجهزة والأنظمة عند مقياس النانو، وهنا تبدأ الأعجوبة.
المصاعد الفضائية
تعتمد تقنية النانو على حقيقة تغير جميع الخصائص المادية لأية مادة بتغيير ترتيب ذراتها، وبالتالي يمكن الحصول على مواد جديدة كلياً بالاعتماد على تشكيل بنية محددة لذرات تلك المادة، لذا يعمل مهندسو هذه التقنية على «بناء» مواد جديدة من الصفر عن طريق ربط  ذرات المواد ذرة ذرة للحصول على نتائج مثيرة إلى حد مذهل، فعلى سبيل المثال: تتحول ذرات الكربون من شكل الفحم إلى الألماس عن طريق تغيير توزيع ذراتها بعوامل الضغط والحرارة، وهذه حقيقة علمية معروفة للكثيرين، لكن تقنية النانو قامت بأخذ تلك الحقيقة إلى ميادين أوسع بكثير حيث قامت بإعادة رصف ذرات الكربون على شكل أنابيب لتحصل على مادة جديدة فائقة المتانة والخفة عرفت فيما بعد بـ«أنابيب المصاعد الفضائية» بسبب الاتفاق على استثمار هذه المادة في صناعة مصعد يتحرك صعوداً وهبوطاً عبر الفضاء وخارج الغلاف الجوي ضمن انبوب موسّع  من تلك المادة !!
سوق عالمية ضخمة
بدأت ثورة النانو في العالم، وانطلقت الكثير من الدول في دراسات حول هذه التقنية، وكانت النتيجة مذهلة بحق، فاستعراض مجموعة من الأمثلة عن تطبيقات تقنية النانو كفيل بتفسير مدى الاهتمام المحموم بدراستها ومدى الإنفاق على تطوير أبحاثها، حيث إن حجم ما يباع في سوق تكنولوجيا النانو العالمية رغم حداثتها يقرب من سبعمائة مليار دولار، ويرى الخبراء أن القيمة سوف تصل في العام 2014 إلى ما يقرب من 2,9 ترليون دولار أميركي وهو ما يعادل 17% من إنتاج العالم من السلع الضرورية للبشر في ذلك الوقت.
أقوى من الفولاذ
دخلت صناعة النانو حيز التطبيق في مجموعة من السلع، فتوصل العلماء في روسيا إلى اختراع مواد تفوق متانة الفولاذ مرتين في الوقت الذي تقل عن وزنه أربع مرات، كما تمكن الباحثون من إدخال نانو الفضة إلى المضادات الحيوية للاستفادة من خصائص هذه المادة الجديدة في قتل الجراثيم دون أن تؤذي الجسم البشري، وسيصدر عملاق الكمبيوتر «هاولت باكارد» إلى السوق رقاقات يدخل في صنعها نانو اليكترونات قادرة على حفظ المعلومات أكثر بآلاف المرات من الذاكرة الحاسوبية الموجودة حالياً، كما أن الكلام قد بدأ عن مادة جديدة مصنوعة من نانو الجزيئات تضاف إلى البلاستيك والسيراميك والمعادن فتصبح قوية كالفولاذ خفيفة كالعظام وستكون لها استعمالات كثيرة خصوصا في هيكل الطائرات والأجنحة، فهي مضادة للجليد ومقاومة للحرارة حتى 900 درجه مئوية.
النانو قربنا
عربياً، نجح العلماء المصريون في صناعة ورق مصري عبر تكنولوجيا النانو من مخلفات قصب السكر وقش الأرز بجودة أعلى من الجودة العالمية المعروفة للورق، وأعلن العالم المصري العالمي الدكتور مصطفى السيد أنه عبر تكنولوجيا النانو يمكن علاج مرضى السرطان عن طريق جزيئات الذهب. والطريف في هذه التقنية قيام شركة كرافت Kraft المتخصصة في الأغذية بالتخطيط العلمي لاختراع مشروبات «مبرمجة» لا لون لها ولا طعم تتضمن نانو جزيئات للون والطعم يتم وضعها في المايكرويف على تردد معين لنحصل على عصير الليمون وعلى تردد آخر لنحصل من المشروب نفسه على شراب التفاح!!
إنها بالفعل تقنية بلا حدود، إنه عالم مذهل مثير بغموضه قد يغير وجه البشرية كما نعرفها، وإلى الأبد.