«فرويد ــ بوك»: خصالك من «بروفايلك»
بعدما كان موقع تواصل اجتماعي وحسب، بات «فايسبوك» ضالّة علماء النفس: يمدّونك بعناصر شخصيتك مما تكتبه، وحتى مما لا تكتبه، ويرسمون خرائط الدول على أساس جغرافيتها النفسية!
الفايسبوك رَمْيٌ في نهر. على جوانبه البيوت لمن أراد استيطانها، وله أن يرمي في الماء ما أراد...لتمرّ على غيره ويراها. وقد جاءت الأيام بمن ينتظر هناك على آخر النهر ليجمع آثار الفسابكة، ويحلّل نفسيّاتهم ويعرف ما تخفيه بيوتهم تلك.
في طليعة هؤلاء المنتظرين، علماء القياس النفسي، الذين وجدوا ضالّتهم في هذا الموقع، فقاموا بما يلي: أصدروا تطبيقاً للفايسبوك منذ سنوات، سمح للناس بإجراء اختبارات لتحديد شخصياتهم عبر أسئلة معدّة سلفاً، ومقابل ذلك طلبوا من المستخدمين أن يعطوا للتطبيق الحق بأن يجمع ما يكتبونه على حيطانهم، ثم أجروا أبحاثاً عن الربط بين كل شخصية وكلامها.
والنتائج كانت مثيرة للاهتمام، إذ تمكّنوا من تحديد جوانب شخصية المستخدم من خلال كتاباته بدقة تفوق الـ70%، ممّا دفعهم إلى أن يصدروا تطبيقاً جديداً للفايسبوك، تقوم فكرته على أن يعطي الشخص نبذة عن خصاله من خلال تحليل كتاباته (بالإنكليزية حالياً) على الفايسبوك، دون أن يضطر إلى اجتياز اختبارات الشخصية. التطبيق المتوافر للجميع على موقع labs.five.com يقوّم الشخص على أساس خمسة عناصر نفسية، هي: الانفتاح (أي الرغبة والاستعداد لاكتشاف الجديد والغريب)، والوعي (المتضمّن للتنظيم وضبط النفس)، والاجتماع (أي مخالطة الآخرين والاندماج بينهم)، والاِئْتِلاف (أي النزعة لمساعدة الآخرين وحسن معاملتهم)، والاضطراب (أي قابلية النفس للانفعال أو الكآبة). ثم يعطي نسبة امتلاك الشخص لكلّ منها، كذلك يقارن بينه وبين مجموعة من المشاهير في العالم يتوافقون معه في هذه الصفات.
لا تقف دلالات الفكرة على ارضاء حشرية الشخص لمعرفة شخصيته. فقد أخذها باحثون آخرون إلى مستوى آخر عبر محاولة رسم الخريطة النفسية للولايات المتحدة الأميركية، وتقسيمها إلى ثلاث مناطق بحسب الخصائص النفسية التي تطغى على مواطني كل منها بحسب ما يكتبونه على فايسبوك، والهدف هو محاولة إبراز العلاقة بين «نفسية المنطقة» ومؤشرات الصحة والاقتصاد والاجتماع والسياسة فيها. ومثال على ما توصّلوا إليه هو اقتران كثرة الانفتاح وقلة الاضطراب مع الازدهار الاقتصادي، وهو وإن بدا بديهياً، لكن معرفة الأماكن التي يقلّ فيها الانفتاح مثلاً، قد تكون بداية السبيل لمعالجة الوضع الاقتصادي.
وكان باحثون من فايسبوك نفسها في عام 2009 قد أعلنوا عمّا سمّوه «مؤشّر فايسبوك للسعادة»، الذي يبني على إيجابية نمط كتابات الأشخاص أو سلبيته على الموقع ليقوّم نسبة الراضين عن معيشتهم في كل دولة. على أن ذلك لم يمرّ دون انتقاد لاحق من باحثين أظهروا فارقاً جمّاً بين ما يسمّيه فايسبوك سعادة، ومؤشّرات السعادة المعتمدة في الدراسات. فاستخدام الفايسبوك بالتأكيد ينعكس على المزاج العام، لكن كونه يعكس هذا المزاج هو مدار أخذ وردّ.
ومثلما تظهر الكتابات شخصية المستخدم على فايسبوك، كشف باحثون من جامعتي «كامبريدج» و«بيركلي» أن مجرّد تحليل الصفحات التي يعجب بها الإنسان كفيل بأن يكشف عنه ما قد يعمل سنين لإبقائه خفياً. أوّل ضحايا هذا الاختبار هو الميول السياسية والدينية، التي تُكشف بدقة تفوق 80%. ومن جهة أخرى، يمكن معرفة العرق والجنس بدقة تفوق 90%. ويأخذ الأمر أبعاداً أكثر عمقاً، حيث يمكن تحديد الأبناء الذين حدث طلاق بين أهلهم قبل أن يبلغوا 21 سنة من العمر، وكذلك يمكن تحديد المدخّنين أو شاربي الكحول بنسبة تفوق 70%. وحتى عناصر الشخصية نفسها، يمكن التكهّن بها عبر هذه الصفحات، وإن لم يكتب الشخص حرفاً على حائطه. وهذا ما يظهره موقع youarewhatyoulike.com الذي أنشأه الباحثون أنفسهم.
من أهمّ ما يمكن ملاحظته في هذه الأبحاث أنها تحاول إظهار فايسبوك كوسيلة لعرض الصورة الحقيقية عن الشخص، بناءً على اعتبار أنه، كما في الحياة، فللمستخدم سمعة قد يخسرها بكلامه وله أصدقاء قادرون على تقويمه. وهذه النظرة تتعارض مع ما سبق أن راج عن فايسبوك كمنصة لإظهار النسخة المثالية عن الشخص. فكأنّ ما يعمل الشخص على إخفائه في كلامه، يظهر بين سطور ذلك الكلام وأزرار «اللايك» على الموقع الأزرق.
قد يصحّ مصطلح «فرويد ــ بوك» أمام كمّ الأبحاث النفسية التي تبني على فايسبوك، لتحليل نفسيّات الأشخاص، ومن ثمّ أحوال الدول. وسواء كتب الإنسان أم اكتفى بالـ«لايك»، فهو عيّنة يمكن استخدامها، وإن لم يرد ذلك. وبناءً عليه، فأحد أهداف تلك الدراسات هو محاولة لفت النظر إلى خطر وجود المعلومات في العراء، كي لا يصبح قرار توظيفك في شركة ما مرهوناً بدخولك إلى تطبيق فايسبوكي، صمّمته هي كي يحلّل أزمات الأشخاص النفسية ومعتقداتهم. على أنّ مثل هذا الكلام أصبح ترداده مملّاً للكثيرين، حتى إنه صار هناك تقبّل عامّ أنّنا لم نعد في عصر نتحكّم فيه في خصوصيتنا، والبحث يجب أن يكون في مكان آخر. ولم يعد بعيداً أن نرى، بعد كل «ستاتوس» مضطرب، إعلاناً لدواء أعصاب مخصصاً لنا على صفحة فايسبوك، يقول باللهجة الأنغلو-لبنانية: «يا مْدَبْرَس وقّف تقلّك!».
المصدر: الأخبار