انتقال «الأنواع» خارج موائلها الطبيعية

انتقال «الأنواع» خارج موائلها الطبيعية

إذا كان انقراض الأنواع الحيّة أبرز الظواهر في تقلّص التنوّع البيولوجي، فهناك ظاهرة ايكولوجية أخرى تبدو معاكسة للانقراض، وهي تكاثر غير طبيعي لأنواع من النبات والحيوان.

ويملك ذلك التكاثر وجهاً مقلقاً أيضاً. إذ يساهم في خلخلة الحياة الطبيعية لكائنات أخرى، وأحياناً يؤدي إلى انقراضها. ويحدث ذلك بأثر من انتقال الكائنات الحيّة من فضائها الطبيعي إلى فضاء جديد. وتسمى هذه الظاهرة «غزو الأنواع»، وهي تسير بقوة العامل البشري، كما تعتبر أحد أبرز أسباب تدهور التنوّع البيولوجي. ويساهم في التدهور عينه عناصر مثل التلوث وتقطيع الفضاء الطبيعي عِبر بناء الطرقات والسدود، ما يؤثر في حركة الكائنات الحيّة وارتحالاتها. وتملك ظاهرة غزو الأنواع عواقب صحيّة وإيكولوجية (بيئية) واقتصادية على المنظومة الطبيعية بأسرها، وضمنها الإنسان. 

الطبيعة مُعلّماً قاسياً

يفيد التاريخ البشري بأنه في أزمنة سابقة، أدى الانتشار غير الطبيعي لبعض أنواع الكائنات إلى آثار وخيمة على البشر والطبيعة. إذ يُنسَب إلى ذلك الانتشار انتشار أمراضٍ مثل جائحة الطاعون الذي تسبب في هلاك عشرات الملايين من الناس عبر التاريخ، وجاء اثر زحف الجرذان التي تنقل معها فيروس الطاعون.

وكذلك أدى تكاثر الجرذان إلى القضاء على الزراعة في كثير من الجُزُر. وأدى الطاعون والفئران دورهما في انقراض مئات من الكائنات الأخرى.

كذلك ترد في التاريخ أمثلة عن وصول نوع مُفرد من الحشرات من أميركا إلى فرنسا في القرن التاسع عشر، قضى على 80 في المئة من مزروعات العنب الفرنسية. ويرد أيضاً أنه خلال الحملات الاستكشافية والاستعمارية، حمل البحارة الأوربيون كثير من الحيوانات والنباتات والمزروعات، وتركوها في محطات مرورهم. وفي المقابل، نقل أولئك البحارة إلى أوروبا حيوانات وتوابل وخضار ومحاصيل غير مألوفة مثل البطاط والبندورة (الطماطم) والذرة والفلفل والديك الرومي وغيرها.

وكخلاصة، ربما يساهم انتقال الكائنات بين القارات في بناء الحضارة، أو يكون عنصراً فاعلاً في تخريبها. إذ اكتسحت الكائنات الحيّة أماكن عدة من كوكب الأرض، قبل ظهور الكائن البشري بملايين السنين. ومع ظهور البشر وتطور الحضارة، ازدادت وتيرة الغزو البيولوجي، الذي تصاعد مع أزمنة الاكتشافات الجغرافية والحملات الاستعمارية والثورة الصناعية.

وثمة انطباع بأن للعولمة وزيادة التبادل التجاري بين الأمم، أثراً على زيادة الزحف غير المباشر للأنواع. مثلاً، لا يستلزم نقل نباتات زينة، وهي تتضمن حشرات وكائنات ميكروسكوبية أخرى، من بلد إلى آخر، إلا وقتاً وجيزاً. وخلال 12 ساعة بالطائرة أو 20 يوماً بالباخرة، تنتقل النباتات من سنغافورة إلى لندن.

وإذا عانت أوروبا سابقاً من أنواع وفدت إليها من أميركا، فهي تعاني الآن من أنواع اخرى قادمة هذه المرة من آسيا وذلك لأسباب اقتصادية تتعلق بظهور قوى اقتصادية كبيرة في شرق آسيا.

وأنجزت دراسات كثيرة وموسّعة عن «الزحف البيولوجي» من مختلف القارات في اتجاه القارة الأوروبية، شملت 11 ألف نوع نباتي وحيواني استقرت في تلك القارة منذ القرن السادس عشر، أي منذ انطلاق الحملات الاستعمارية والاستكشافية.

وخلصت هذه الدراسات إلى أن 11 في المئة من هذه الأنواع له أثر ايكولوجي واضح على المحيط الطبيعي و13 في المئة منها يضر مباشرة بالأنشطة البشرية. كما بيّنت أن 60 في المئة من هذه الأنواع المُهاجرة قسراً، تتكوّن من النباتات، خصوصاً الصنوبريات والأزهار، و23 في المئة تأتي من الحشرات و10 في المئة عبارة عن فقريات.

 

استثناءات

ويلاحظ أيضاً أن نصف النباتات المُهاجرة وصلت إلى أوروبا بين مطلع القرن السادس عشر ومختتم القرن التاسع عشر، وربعها بعد 1962 وعُشرها بعد 1989، ما يوضح كثافة الاكتساح مع تطور النقل. وتستقر غالبية الكائنات في بلد الاستقبال الأول، لكنها ربما تنتقل إلى بلد ثانٍ أو أكثر.

وتظهر استثناءات في صنف أو أكثر من الكائنات، بمعنى أن تستطيع الوصول إلى 30 أو 40 بلداً. انتقل 68 في المئة من النباتات ومعظم العصافير والطيور و80 في المائة من الثدييات، إلى أمكنة بعيدة من مواطنها الأصيلة بأثر من إرادة الانسان.

ويندرج الاقتصاد ومشاريعه الكبرى ضمن الأسباب التي تؤدي إلى انتشار كائنات خارج محيطها الطبيعي، كما حدث مع قناتي بناما وقناة السويس. ففي الحالتين، انتقلت أسماك ونباتات بحرية من الجهة عبر مجرى مائي وصل بين بحرين ظلا مفصولين عن بعضهما بعضاً لملايين السنين.

وهناك كائنات تعْلق في هيكل البواخر، فتنتقل من مكان لآخر. وتؤدي المحيطات دورها في انتقال الأصناف الحيّة، على غرار الدور الذي تؤديه الشبكة العنكبوتية في نقل المعلومات. كما يساهم نظام البواخر في هذا الأمر. فنظراً الى أنها تأخذ من المسطحات المائية التي تعبرها وترمي فيها، فإنها تساهم في عملية انتقال الكائنات الحيّة من مكان إلى آخر.

 

المصدر: الحياة