مطاعم الوجبات السريعة مصائد بشرية
تحذّر المنظمات العالمية والوطنية المعنية بالصحة والتغذية من شر إنتشار ظاهرة البدانة التي يسمّيها بعضهم «وباء العصر» أو «الوجه القبيح لثقافة الإستهلاك». وأخطر ما في تلك الظاهرة المرضية تهديدها صحة الأطفال والناشئة الذين يقعون في شرك الدعايات والإعلانات التلفزيونية المروّجة للأغذية الغنية بالدهنيات والزيوت والنشويات، فضلاً عن المشروبات الغازية التي لا تقل ضرراً عنها. واللافت أن وراء كل ذلك تقف مافيات كبرى من شبكات الـ «ماركيتنغ» ذات الخبرة الطويلة في ثقافة التسويق وفنون التشويق وأساليب الترغيب.
فقد أظهرت دراسة أجراها أخيراً جان بيار ديسبري، أستاذ التغذية في جامعة لافال (كيبيك) أن الزيادة في أوزان الأطفال الكنديين تضاعفت خلال 15 عاماً ورافقتها أمراض خطيرة، معلناً «أننا نتوجّه نحو كارثة وطنية».
وتؤكّد نشرة لوزارة الزراعة الكندية، صدرت في أواخر العام الماضي، أن استهلاك المصنوعات السكرية زاد بنسبة 102 في المئة في مقابل45 في المئة للأغذية التي تحتوي على دهنيات ونشويات وزيوت، في حين إرتفع معدّل استهلاك المشروبات الغازية إلى 50 في المئة، علماً أن كل «كانيت» (عبوة) كوك أو بيبسي تحتوي على 10 ملاعق من السكر من الحجم الوسط. وعلى رغم تأكيدها أن السكر أشد ضرراً على الصحة العامة، إلا أن المدارس لا تزال المستهلك الأكبر لهذه المشروبات على أنواعها.
وتشير «الوكالة الصحية العالمية» إلى أن الأبحاث المستفيضة والتجارب التي أجريت على الفئران، أثبتت «أن السكر هو المخّدر الحقيقي وعلّة العلل في الأنظمة الغذائية المعاصرة».
واللافت أن زيادة الوزن ومظاهر السمنة، خلافاً لما يُظن، أنها من المؤشرات الدالة على الرفاهية، هي أحد أمراض العصر وتصيب البلدان المتقدّمة والمتخلّفة . فقد بات عدد المصابين بداء البدانة في العالم يساوي عدد الذين يشكون من الجوع وسوء التغذية (1.1 بليون نسمة لكل منهما). وفي كندا قد أطلقت «اللجنة الطبية الكندية» إنذاراً للحكومة حيال إرتفاع نسبة البدانة بين الأطفال إلى 13 في المئة، 5 في المئة من الذكور في مقابل 12 في المئة من الإناث.
ويعزو الدكتور بيتر نيامان المسؤول عن الجمعية الكندية لأمراض الطفولة، السبب الرئيس لداء السمنة والوفيات الناجمة عنه، إلى «تآمر» المصانع الغذائية ووكالات الإعلان العالمية. ويستغرب الدكتور بيار غوسلان أستاذ المعهد الوطني للصحة العامة في كيبيك أن تلجأ الحكومة إلى شن حملات مركّزة على الشركات المنتجة للتبغ بغية مكافحة التدخين، في حين أنها «تلوذ بالصمت» حيال ما يسمّيه «لوبيات السكر والدهنيات»، التي لا تقل ضحاياها عن ضحايا التدخين أيضاً. ويعتبر أن صناعة الـ«جانك فود» ومطاعم الـ «فاست فود» (وجبات سريعة) هي «مصائد بشرية» للأطفال لأنها توهمهم بأنها تقدّم أفضل الوجبات بأبخس الأسعار.
ويحذّر البروفسور نيامان في مقالة تحت عنوان «الأطفال والميديا» أن «على الجسم الطبي أينما كان أن يتحرّك في حملات منظّمة تهدف إلى مكافحة بعض المواد الغذائية الأكثر ضرراً والأكثر رواجاً في أوساط الأطفال، مثل «الشيبس» و «الفريت» و «البسكويت» و «الكاتو» و «السيريال» والمشروبات الغازية على أنواعها.
وعن دور التلفزيون، الوسيلة الإعلانية الأهم في الترويج والتسويق التجاريين، ورد في دراسات كندية عدة أجريت أن محطات التلفزة تبث ما معدّله 53 ساعة أسبوعياً بينها 57 في المئة إعلانات للمواد الغذائية على الشكل الآتي: سيريال 21 في المئة، بطاطا 18 في المئة، معكرونة 17 في المئة، كاتشاب 12 في المئة، مطاعم «فاست فود» 11 في المئة. كما لاحظت أن هذه البرامج الاعلانية لا تتيح فرصة للأطفال في التفكير بمزاولة اللعب أو الرياضة، ما يجعلهم بالتالي فريسة سهلة «لأبشع نموذج لثقافة الإستهلاك». والأخطر من ذلك أن محطات التلفزة تختار في شكل ذكي مدروس البرامج المحببة إلى قلوب الأطفال لتمرر من خلالها أكبر مقدار من الإعلانات الغذائية والمشروبات الغازية.
من جهة أخرى، يقول أحد الخبراء العاملين في وكالات التسويق العالمية جيمس ماكفيل في كتابه «الزبائن الأطفال»: «علينا أن نصوّب أنظارنا نحو الأطفال والمراهقين وفقاً لاستراتيجية إعلانية ذكية تأخذ في الإعتبار رغباتهم وأذواقهم، لأنهم فعلاً هم مستهلكو الغد».
أما رئيس شبكة مطاعم «ماكدونالدز» في كندا بيل جونسون، فيشير إلى أن عدد الرخص الممنوحة للاستثمار «فرانشــــيز» ستزيد من 238 إلى 300 رخصة في كيبيك خلال السنوات المقبلة. وكشف أن مبيعات «ماكدونالدز» زادت 75 في المئة خلال 15 عاماً، وتجاوزت نفقاتها الإعلانية بليون دولار في السنة.