المخدرات والحروب والفقر... متلازمات
المُخدّرات آفة خطيرة تصيب المجتمعات الإنسانية كافة، ولكن بنسب متفاوتة بين مجتمع وآخر، تِبعاً للواقع الاقتصادي والاجتماعي ومستوى الوعي، وكذلك تِبعاً للقوانين الناظمة لمعالجتها والآثار المُترتّبة عليها صحياً وقانونياً، لاسيما حين أصبح التعاطي والإدمان في صدارة المشكلات الاجتماعية والصحية على المستوى العالمي منذ منتصف القرن الماضي. لذا خُصص لها يوماً عالمياً يُصادف في 26 حزيران (يونيو) من كل عام، يهدف إلى التخفيف ما أمكن من انتشارها وتأثيراتها الفظيعة في المجتمعات البشرية.
ولعلّ الحروب والنزاعات الأهلية والدولية تُشكّل مناخاً ملائماً لانتشارها، لاسيما في صفوف اليافعين والشباب، بحكم الأجواء والظروف المُؤّهلة لها، من حيث انعدام أنواع الرقابة الحكومية والأسرية والقيمية، فضلاً عن انتشار الفساد والاتجار بالبشر بمختلف اتجاهاته، ومنها تجارة المُخدّرات وترويجها.
وباعتبار سورية بلداً لا يزال حتى اللحظة يعيش حرباً اغتالت الطاقات والإمكانات الإنسانية والبشرية بمختلف حاجاتها، فقد انتشرت المخدرات في أوساط الناس في صورة مرعبة، خصوصاً إن عرفنا أنها متواجدة في أوساط اليافعين والشباب من الجنسين بحيث باتت تشكّل خطراً على مستقبلهم ومستقبل المجتمع والدولة. وانطلاقاً من هذا الواقع، كان هناك عدد من النشاطات والفعاليات الأهلية والحكومية لإلقاء الضوء على هذه الظاهرة في محاولة للتخفيف من آثارها الكارثية وبالتالي محاصرتها في حدودها الدنيا ما أمكن، لعلّ أبرزها الورشة الحوارية – الإعلامية التي نظمتها وزارة الداخلية باعتبارها المعني أولاً وأخيراً في التصدّي لمروّجي المخدرات أو متعاطيها ومدمنيها، حيث أكّد مدير إدارة التوجيه المعنوي في الوزارة اللواء محمد حسن العلي أن المخدرات آفة فتّاكة تترتّب عليها آثار سلبية في الفرد والمجتمع والوطن، وانطلاقاً من هذا كانت سورية من البلدان السبّاقة للانضمام إلى الاتفاقات الدولية للتعاون في مجال مكافحتها، والتي تتسم بالجانب الإنساني، كما أنها انضمت باكراً إلى الاتفاقية الدولية لمكافحة المخدرات عام 1987، نظراً لما تشكّله هذه الظاهرة من أضرار كبيرة تصل حدّ الإجرام أحياناً.
وأضاف اللواء العلي أن اللجنة الوطنية لمكافحة المخدرات، ومن خلال اللجنة الإعلامية تعمل على إلقاء الضوء على هذه الظاهرة الخطيرة ووضع الخطط والبرامج الإعلامية لمكافحتها وتوعية شرائح المجتمع بأخطارها، مُشيراً إلى أن قانون مكافحة المخدرات السوري من أفضل القوانين على مستوى العالم، حيث ميّز بين التاجر والمتعاطي في التعامل معهما.
وبيّن الرائد يوسف إبراهيم، مدير مكتب اللجنة الوطنية لشؤون المخدرات، دور وزارة الداخلية وآليات عملها في ضبط المخدرات والكميات التي تمّت مصادرتها، مؤكّداً أن سورية وفق الإحصاءات الدولية نظيفة تماماً من زراعة المخدرات غير المشروعة وصناعتها. كما أظهر ما تمّت مصادرته هذا العام من مخدرات في سورية، حيث بلغت كمية المصادرات من مادة الحشيش المخدّر نحو 700 كلغ و22 كلغ من القنّب الهندي وكذلك 145 كلغ من بذور القنّب الهندي، وأقل من 0.5 كلغ من الهيرويين، ومثله من مادة الكوكايين، إضافة إلى مصادرة نحو مليوني حبة كبتاغون، و18 كلغ من مواد أولية لصناعة المخدرات، إضافة إلى 500 حبة من أدوية نفسية، و0.5 كلغ حبوب مطحونة وأيضاً 25 كلغ من مواد أخرى سائلة. كما وأشار إلى القانون رقم 2 لعام 1993 والإستراتيجيات الخاصة بمكافحة المخدرات في سورية التي استضافت في عام 2010 الدورة الدولية الـ45 المتعلّقة بمكافحة هذه الآفة الخطيرة.
هذا وكان عمار غزالي، مدير الإعلام التنموي في وزارة الإعلام، قد بيّن أن الهدف من هذه الورشة هو رفع مستوى الإعلاميين للتعريف بأخطار المخدرات والتصدّي لها من خلال كيفية إعداد المواد الإعلامية وآلية نشر الوعي حولها بين الجمهور، فضلاً عن متابعة ما أنجز في وزارة الداخلية وإدارة مكافحة المخدرات.
ولكي لا نُلقي بالاتهام كلّه على الحرب الحالية في مسألة المخدرات، أردت أن نُلقي الضوء على حديث وزير الداخلية اللواء محمد الشعار مع صحيفة «الوطن» (28/12/2011) حيث كشف حينها أن عدد قضايا المخدرات التي سجلت في سورية منذ بداية ذلك العام ولغاية الأول من كانون الأول (ديسمبر) منه، وصل إلى4663 قضية اتهم بها 6370 متهماً، مشيراً إلى أن الموقع الجغرافي لسورية جعل منها ممر عبور من بلدان الإنتاج إلى بلدان الاستهلاك، وأن نسبة التعاطي في سورية تُعدُّ من أدنى النسب في العالم، مؤكّداً أهمية الدور الأسري في تجنيب الأبناء الوقوع في الإدمان والتعاطي، وإلى ضرورة تكثيف التنسيق والتعاون بين الجهات المعنية والفعاليات الاجتماعية إعلامياً وثقافياً وتربوياً وصحياً «للتحصين الذاتي والحفاظ على مجتمعنا نظيفاً من آفة المخدرات».
ما لا شكّ فيه أن المخدرات ومنذ ما قبل الحرب كانت ولا تزال تقتات على أعمار يافعة وشّابّة تسعى في مختلف الظروف والأزمان للاكتشاف وتجريب كل ما يُشعرها بقيمة الذات ومعناها في مرحلة عمرية هشّة وحسّاسة في آنٍ، إضافة إلى الأزمات والمعضلات الاجتماعية والمادية والمعيشية التي كانت تُحاصر الشباب وتقيّدهم لتغتال إلى حدٍّ ما إنسانيتهم، ما حملهم على تجرّع مرارة الإحباط والتشاؤم بسبب شعورهم بالعجز عن تحقيق شيء ذي قيمة مادية ومعنوية، إن كان على الصعيد الشخصي أو العام، فالإحباطات والانكسارات المتتالية كانت قد جرفت بعضهم إلى دوامات خطرة من الاستلاب واللاّجدوى قادتهم في ما بعد إلى مجاهل الحرب وسط تيه جارف من جهة، ومن جهة أخرى وسط تُجّار نشطوا في الاتجاهات المُفضية إلى تخريب المجتمع والإنسان طبعاً. وهنا، أخذ الانتقام من الذات والمجتمع لدى بعض الشباب حيّزاً لا بأس به، فلاذ بعضهم بالهجرة خلاصاً منشوداً، وبعضهم الآخر لاذ بما اعتقده نشوة وسعادة تُبعده عن هذا الواقع. والنتيجة، بلاد اغتالت وتغتال الحرب شبابها، عمّاد مستقبلها وتطوّرها. فهل يعي الجميع إلى أيّ دِركٍ يذهبون؟