الابتعاد من مغامرة الـ «ماس ميديا»

الابتعاد من مغامرة الـ «ماس ميديا»

في اللغة العربيّة، بات مألوفاً استخدام مصطلح الإعلام العام، بأكثر من كلمات كـ «إعلام الجموع» التي ربما تكون ترجمة شبه حرفيّة لمصطلح (Mass Media «ماس ميديا) المستخدم في الغرب.

إذاً، الأرجح أن هناك فزعاً ما أصاب مارك زوكربرغ الذي تضم شبكته «فايسبوك» جموعاً مليونيّة (بل بليونية، مع تجاوزه رقم بليوني مستخدم في 2017)، من الإعلام الذي يتوجه إلى الجموع أي الـ «ماس ميديا»!

ومع العام 2018، دخل زوكربرغ مرحلة الابتعاد من وسائل الإعلام العام، بهدف امتصاص موجة واسعة من الاستياء باتت منتشرة بين مستخدميه. وإذا كان بعضهم يعتبر أنّ «فايسبوك» هو صحافة المستقبل الرقمي، فالأرجح أنه يثير الإعجاب والنفور سويّة في غرف الأخبار. إذ يتصفح بعضهم شبكة «فايسبوك» التي صار معروفاً أنها مغمورة بالأخبار الكاذبة والشائعات على أنواعها. وهناك من عمد إلى إنشاء صفحات إعلامية رقمية بنسبة 100 في المئة على منصة «فايسبوك» مع تسلسل هرمي للمعلومات لا تبدو تفاصيله واضحة لأنّ المنصة المتاحة للنشر غير مناسبة للإعلام العام أصلاً، أقله لجهة إخراج الصفحات وعرضها والمساحات المتاحة للكتابة فيها.

استطراداً، ليس كبير مجازفة القول إن التغيير الجذري في خوارزمية «فايسبوك» لنشر الأخبار، تشكّل صفارة إنذار إضافية للـ «ماس ميديا» القابع في أزمته منذ فترة غير قصيرة. يتمثل الإنذار في أن أحد أسباب أزمة الإعلام العام هو عدم فهم الإعلام للتقنيَّات الرقمية المتصلة به، وعدم التأقلم مع التغيرات في عالمي القراءة والكتابة التي حملتها تلك التقنيات.

إذاً، هناك مشكلة يرجح أن تضرب أكثر ذلك الإعلام الذي نام على حرير وجود جمهور له على شبكات التواصل، لأن تلك المساحة ستختفي بعد تطبيق الخوارزميّة الجديدة. ولعله مفيد ألا ننسى أن «فايسبوك» يشبه علبة سوداء مغلقة، وليس لوسائل الإعلام اليد الطولى فيها، خصوصاً أن ذلك الموقع لا يعطي إلا القليل من المعلومات حول كيفية عمله.

في المقابل، ربما يكون الأمر نفسه إيجابياً بالنسبة إلى وسائل الإعلام الأصغر حجماً، كتلك التي تعمل على مستوى محلي أو متخصص، لأنه يشجعها على إنشاء مجموعات على «فايسبوك» لتعزيز الروابط مع جمهور أكثر وضوحاً في علاقته معها.

وكذلك يعتبر إعلان «فايسبوك» عن تراجعه عن مغامرته في الـ «ماس ميديا»، جزءاً من عمل يتوقع أن يستغرق قرابة 14 شهراً من أجل الخلاص من العبء الذي عانته بعد الانتحابات الأميركيّة. وكان للإعلان تأثير سلبي محدود في أسهم «فايسبوك» التي انخفضت بعده مباشرة بقرابة 4.47 في المئة، لكن قلقاً يساور بعض المختصين بخصوص التأثيرات على المديين المتوسط والبعيد.

في الأساس، ربما لا تتغير أمور كثيرة لمستخدمي «فايسبوك»، لكن الأمر مختلف للإعلام العام الذي «سلبته» مواقع التواصل من جمهور كبير، لكنها صارت موشكة على خسارته حاضراً. وسوف يجد الناشرون أنفسهم أمام مشكلة البحث عن حلول، خصوصاً لمسألة تورطهم في الـ «سوشال ميديا». ومثلاً، يملك تلفزيون «تي في 5 موند» الفرنسي 32 صفحة على «فايسبوك» تحوي قرابة 8 ملايين مشترك، وتجمع 14 مليون مشاهدة لأشرطتها على تلك الشبكة. وأخيراً، صرح أحد مسؤولي تلك القناة بأنه يتوقع أن يأتي الرد على السياسة الجديدة للشبكة الاجتماعية متوافقاً مع الحفاظ على العلاقة مع الجمهور الإلكتروني في فرنسا.